عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 04-06-2008
الخواجه الخواجه غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: May 2005
المشاركات: 2,200
الخواجه is on a distinguished road
مشاركة: حكاية من دفتر يهود مصر

انتهزت فرصة توقفها عن الحديث لالتقاط الأنفاس، لأعرب عن دهشتي لوعيها الدقيق بتفاصيل اجتماعية وسياسية بكل هذا الوضوح، وعدم سقوطها في فخ الإرهاب الفكري، الذي يجعل مجرد الاقتراب من هذه الملفات الشائكة، كالحرص العصابي على المظهر السلفي الشكلي وقصة اليهود المصريين، ذنباً لا يغتفر، وباباً للطعن في الوطنية والعقيدة وربما النزاهة الشخصية أيضاً، والأمر إلى تصاعد للدرجة التي يؤثر معها الملايين النفاق صمتاً وإيثاراً للسلامة، وسد الباب الذي تهب منه ريح السموم.
نظرت لي الأم ملياً، واستنفرت كل طاقتها قبل أن تقول: "غريبة أنك لا تعرف أنني كنت من أوائل البنات المصريات اللاتي التحقن بالجامعات، وأنني أحلت على التقاعد بعد نحو أربعين عاماً من العمل، الذي وصلت فيه إلى أرفع المناصب، وأنني تعلمت فعلاً، كما لم تنل بناتي وحفيداتي من نصيب في التعليم، لهذا ليس هناك في الأمر ما يدعو للدهشة، بل يدعو للشفقة، أن تكون نهاية حياتنا على هذا النحو المأساوي الذي نجد فيه أنفسنا عاجزين عن إنقاذ حفيداتنا من براثن هذا الهوس الجماعي، لكنهم يسقطون ضحايا هذا النفاق وتلك العبثية وكراهية الذات والحياة، بينما لا نملك في الأمر سوى الحسرة، فلا سبيل للتوعية أو الإقناع مع عقول، تبدو مغيبة للنخاع تحت سطوة مخدرات ثقيلة من هذا النوع.
وكأنها انتبهت إلى أن الأجواء راحت تتجه إلى النكد، بادرت مضيفتنا الرائعة إلى إعادة روح البهجة إلى المكان، فأدارت الراديو الذي تصادف أنه يبث أغنية المصري الجميل محمد عبد المطلب "ودع هواك وانساه وانساني، عمر اللي فات ما هيرجع تاني"، واعتذرت السيدة لضيوفها الذين لم تكن تخطط لاستقبالهم بل ولم تتوقعهم، وأنها تشعر بالخجل لأنها لم تتمكن من تقديم واجب الضيافة كما ينبغي، وكما يستحقون.
في تلك الأثناء كنت أراقب انطباعات راشيل، كانت مبتهجة تكاد تقفز الفرحة من عينيها وكأنها تشارك في مناسبة سعيدة لدى مقربين أعزاء، فبدت حينها أصغر وأجمل، ربما لأن البهجة تعيد للمرء نضارته، وتضفي عليه جاذبية نادرة، وتوهجاً لا يدركه المرء كثيراً.
وكمن شجعتها هذه الروح الحميمية التي خيمت على اللقاء، راحت "راشيل" تسأل عن أسماء العديدين من قدامى سكان الحي رجالاً وسيدات وعائلات، وتطوع الحاضرون للإجابة عن أسئلتها بعفوية، وكل حسب معلوماته، وهنا سألها صديقي عن سبب عدم هجرتها لإسرائيل، ولماذا فضلت فرنسا، فردت قائلة إن فقراء اليهود فقط هم من هاجروا إلى إسرائيل، أو الذين كانوا انخرطوا في منظمات يهودية، وهؤلاء لم يكونوا أغلبية، بل كان يهود مصر شأن غيرهم من ملايين المصريين، لا يعيرون شؤون السياسة اهتماماً كبيراً، مقابل الاهتمام بأعمالهم والاستمتاع بالحياة، وفجأة توقفت "راشيل" لبرهة، قبل أن تستطرد قائلة إنها منذ هجرتها زارت مصر خمس مرات، ولم تزر إسرائيل مرة واحدة، رغم أن لها أقارب هناك.. وصمتت وبدت كأنها لا ترغب في تقديم المزيد من الأدلة على مصريتها التي باتت بفعل عوامل كثيرة موضع تشكيك..
__________________
واجب علي جميع المصريين المساهمه في بناء مصر لتكون دولة ديمقراطية . ليبراليه . منتجه .
و


لنتعاون جميعا حتي تتغلب رسالة الحب و النور و الحياة علي ثقافة الكراهية و الظلم و الموت
الرد مع إقتباس