مشاركة: كلام من دهب
اختبار بولس السعودي
باسم الآب والابن والروح القدس. الإله الواحد. آميــــــــــــــــــــــــن!
الحلقة الأولى:
نشأتي:
كأي إنسان على وجه البسيطة، ولدت من أبوين مسلمين ولكن لم أذكر بأنني قد رايتهما معاً. ياللأسف لم يتسنى لي أن أستمتع بعطف الأب أو حنان الأم، طفل يولد ويهجر!!! لأن أبعض الحلال عندك يا رب هو الطلاق!!!... ولكن شكراً لله لأن (كل الأمور تعمل معاً للخير للذين يحبون الله). فقد تولى تربيتي عائلة والدي. جدي وجدتي، حيث وفرا لي كل سبل الحياة وعشت فيما بينهما عيشة حسنة، أتوقع بأنني لن أعيشها لو كانا والداي لم يتفارقا.
طبعاً نشأت في مجتمع متوسط محافظ ومتناقض في ذات الوقت، ولا يجهلنا طبيعة هذه الطبقة، التي تعبش بتدين مبدئي موروث ومغلوط. التحقت بالمدرسة وشرعت في تعلم أصول اللغة والكتابة والعلوم التقليدية، إلا أنني منذ نعومة أضفاري كان بداخلي حب لمعرفة كافة الأمور، إذ لا ترضيني الإجابات المتملقة أو المداهنة. ربيت تربية دينية محافظة، حيث كنت من مَن يؤمرون بالصلاة منذ صغر سني... فكلاً من جداي متدين بدين موروث، أي تقليدي دون قناعة، فكنا نستيقض لصلاة الفجر، سواءاً في الصيف أو في فصل الشتاء، فلك أن تتخيل طفل ذي سبعة إلى عشرة سنوات يتم إيقاضه بهدف أمره بالصلاة، يا للعجب، ليس هنالك قلوب يتخللها القليل من الرحمة!!!! صقيع البرد، وظلمة الليل!!!!!!! طفل يوقظ من نومه لهذا!!!
بدأت في سن السابعة بحفظ ما تيسر من كتاب الله "القرآن الكريم"، ولكن بشروط، حيث كانوا يدفعون لنا بالمال والهدايا تشجيعاً منهم لنا. كان ذلك بعد صلاة عصر كل يوم... أعباء مدرسية وأعباء منزلية، فياقوم ما عسى أن يكون هذا الطفل!!!
ولتعس الحظ، لم أوفق بحفظ القرآن كاملاً وذلك بسبب أن حلقات القرآن التي كانت تعقد في مسجد الحي لم تكن متواصلة إذ كلما وصلنا إلى ختم جزئين أو ثلاثة أجزاء من القرآن أنقطعت سسلسة التحفيظ...
أشكر الله لأني أعتدت على القراءة، وعشقت الحفظ، فكنت أجد سعادتي في قراءة أي كتاب أو قصة يقع في يدايا، وأنا متيقن من أن قراءاتي منذ نعومة أضفاري هي التي ساعدتني على البحث عن ما ينقصني وتفتيح مخيلتي وعقلي، إيماناً بقوله (أفلا تدبرون)، (أفلا تعقلون) إلخ من الآيات القرآنية.
طبعاً، رغم وجودي في مجتمعٍ شبه متدين لم يكن لي ذلك الحس بالدين، أقصد لم أكن متدين كما يفهم من التدرين، بل لا أغفل إرضاء الرب في سلوكي وحياتي، فكنت أعطي الله حقه من الصلوات في أوقاتها وبعد ذلك أعيش حياتي الطبيعية، بين كتبي وأهلي وأفكاري...
دعوني أذكر لكم قصة ما: في أحد أيام سن العاشرة أو ما يوازيها، أمرت للقيام بصلاة الفجر إلا أنني كطفل أجبت بأنني سأذهب للمسجد، ولكن لكم أن تتخيلوا طفلاً غارقاً في نومه ولذته ويطلب منه أن يفيق من نومه بهدف اللصلاة، في تلك الأثناء لم أستيقظ، فعاد جدي وانتهرني ولكني لم أشعر بشيء إلا بألم العصا في قدمي مما جعلني أعتقد بأنني قد فقدت صوابي أو كما لو كانا منكر ونكير يستجوبانني، أو كما لو كان مالك "خازن النار" يرحب بي في ناره التي تلظى، والتي لن يصلاها إلا الأشقى...
استيقضت فزعاً ومستنكراً، وتباجحت مع جدي وقررت أمامه بأنني لن أركع ما دمت حياً، فما هذا الدين الذي لا يحترم الأطفال، بل ويلزمهم بأمور لا يطيقونها. نحن لا نعرف من هو الله، وماذا يريد منا!!! هو مخيف مريب. إن لعبنا في الصلاة فسيغضب علينا، أو لربما يقلب خلقتنا ونصبح بوجوه حمير!!! أكرهه، أحبه، لا أعرفه، ولكنني لا أستطيع أن اتجاهله...
بداية البحث:
كما أسلفت سابقاً بأنني أخذت على عاتقي عدم الإكتراث بكل ما هو متعلق بالصلاة. فتارة أصلي وتارة لا... أصبحت تائهاً، فحين أشعر بالألم والحزن، أذهب لصلاة.. ولكن ما كان يقلقني: هو أنني كما دخلت إلى ذلك المسجد خرجت. لربما يقال لي بأنك لم تستحضر الله في صلاتك أو كنت تذهب مداهنةً لأهلك.. وفي الواقع، كل هذا غير صحيح... كنت أبغي رضاه وإن لم أكن ببالغة...
استقطبت العائلة عاملة منزلية تدين بالديانة المسيحية، ولقد كانت على خلق لم أرى مثله قط. أمينة، شريفة، نزيهة، محبة للاطفال ولكم أن تتصوروا فضائلها... في مسيرة بحثي، بدأت بها، طالباً منها أن تبين لي بعض الأمور المسيحية، من هو المسيح؟ ولماذا مات؟ كيف اصلي له؟ ماذا ينبغي أن أقول له؟ ولما حرف الإنجيل؟؟؟ ووووو.. ولكن تأتي خيبتي، فإنها لا تجيد اللغة، حاولت جاهدة أن توصل لي الحقيقة، ولكن للأسف لا جدوا، فلغة الظاء هي المانع...
أعلمتني الصلاة الربانية، ولكن كانت كطلسم بالنسبة لي، لغة مختلفة، فقلت: أرددها لربما يفهمني الإله دون أن افهم ما أقول... اليس هذا ما يحدث مع المسلم الكمبودي، يصلي ويقرأ القرآن ولا يفقه منه شيء.... لربما شاركته في الاتجاه، آملاً أن يرحمني الإله...
سأمت من كل ما هو حولي.. بدأت بالتلفاز، فكنت أرقب أي شيء يتكلم عن المسيحية... أقتطف بعض الكلمات، بعض الصلوات، ولكن لم تكن شئاً... رجعت إلى عقلي، وكذلك نفسيتي وروحانيتي، لم كل هذا العناء؟؟؟ أهكذا الشيطان يغويني فأتبعه؟؟؟ لربما كانت هذه هي نزغات منه...
فتبت إلى الله وأنبت، وأخذت التيار الديني، بمعنى (الالتزام) فكنت ملازم لبعض الجماعات المتدينة، نحفظ القرآن، ونتحادث، ولكنني لم استطع الاستمرار، لأن كل ما كان يحدث، هو تسكيت لضمير، يتعلل الإنسان بخمسة صلوات معتقداً بأنه يرضي ربه، وفي الواقع يرضي نفسه... وإن خرجنا من الإجتماع فإذا بالخفايا تعمل..
أهكذا أنت يا رب؟؟؟ خمسة مرات تلاقيني في اليوم والليلة ولا ترحب بي في أي وقت آخر!!! أهكذا خلقتنا في حيرة من أمرنا وسكنت السماء وتعاليت!!! إنني أحب، ولكنني لا أعرفك... ابحث عنك، ولكنك لم ترد معرفتي...
وبعد هذه الشهور المضنية، قر في قلبي الإطلاع على كل ما كتب عن المسيحية "النصرانية" فوقع بين يدي عدة كتب لأحمد الديدات، فقد قرأت له العديد، ولكنني كنت أحكم منه.. فقد اقتطفت بعض الآيات التي كان يستشهد بها والزقها لدي أملاً في الحصول على الإنجيل كاملاً.. طبعاً قرأت العديد ولكنني لم أكن أتفق معه... وكذلك قرأت كتاب (العقائد الوثنية في الديانة النصرانية) وهذا مبحث في المقارنة بين ثلاثة ديانات هي (المسيحية والإسلام والهندوسية) حيث أجتهد الكاتب بإثبات أن المسيحية (النصرانية الإسلامية) ما هي إلا ديانة وثنية... فهرعت بين الأهل والإصدقاء متسائلاً: ألا يوجد قسيس أو رجل دين نزيه؟؟؟ لما لا يدافعون عن دينهم؟؟؟ فإنهم في خطر!!!! كان الأهل يحاولون إقناعي بأن المسيحية هي ديانة محرفة ولذلك لن تعثر على مجيب.. فقلت لو صح ذلك: فإنهم محقون. لماذا يدافعون عن معتقد صحيح؟!!!
في هذه الأثناء توقفت عن الصلاة، وبدأت بالمناجاة، أي أصلي إلى الله في قلبي، أشكي له دون أن يكون هنالك ركوع أو سجود أو غيره... أعاتبه بيني وبين نفسي، من أنا؟؟؟ هل خلقتني للعبادة؟؟؟ الشيخ الفلاني مسلم، فحين سالته هل ستدخل الجنة فقال: الله أعلم... إلا برحمة منه... فإن كنت وأنت مسلم لست بمتأكد من دخولك الجنة، فلم الصلاة، الصيام، التقى والورع؟؟؟؟؟
فسرعان ما تبادر إلا ذهني وانا ذو الخامسة عشر: إن كانت الجنة للمسلمين وهم ليسوا بظامنين دخولها، فما بالك بغير المسلم؟؟؟ يا رب، لم خلقتني مسيحي؟؟؟ يهودي؟؟؟ بوذي؟؟؟ ألتدخلني النار؟؟؟ لما لم تخلقني مسلماً، لكان لي بصيص أمل!!!!!!
في هذه الأثناء احترت، رهبت وانفزعت... فإذا بي أنا خارج عن الإسلام علانية....
|