عرض مشاركة مفردة
  #12  
قديم 19-08-2008
الصورة الرمزية لـ abomeret
abomeret abomeret غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2004
المشاركات: 2,345
abomeret is on a distinguished road
الطب وسنينه

الطب وسنينه

بقلم نبيل شرف الدين ١٩/٨/٢٠٠٨

في تراثنا الشعبي يطلق علي الطبيب «الحكيم»، وفي الخبرة الاجتماعية فإن الأطباء هم الأكثر نبوغاً، ومع ذلك فمن مظاهر الردة الاجتماعية أن تنتشر الأفكار المتعصبة في أوساط هذه النخبة، ويخرج من بينهم قادة لتنظيمات إرهابية، مثل أيمن الظواهري و«الدكتور فضل»، ناهيك عن التمدد السلفي بين بعضهم الذين راحوا يعالجون مرضاهم بالحجامة والحمام، وآخرين تحولوا لعطارين يعالجون بوصفات «تذكرة داود»، و«عودة الشيخ إلي صباه»، وأخيراً اكتمل هذا المشهد العبثي بقرار لنقابة الأطباء يحظر نقل الأعضاء بين المسلمين والمسيحيين، وبين المصريين والأجانب،

وهو قرار عنصري وطائفي بامتياز، لأن الطب بطبيعته إنساني النزعة، والمريض هو المريض، لاصلة للطبيب بدينه أو جنسيته، هذا فضلاً عن أن النقابة تجاوزت دورها الخدمي والمهني، لتتحول إلي «دار إفتاء»، تُبيح وتحرم، بالإضافة لمنازعة السلطة التشريعية دورها، بإصدار قراراتٍ بالحظر، وهذا اعتداء صارخ علي دور البرلمان.

خالد منتصر، فضلاً عن كونه طبيباً متميزاً، فإن له حضوراً إعلامياً واسعاً، لكن لديه مشكلة بسيطة، تتمثل في إيمانه العميق بالعلم، فيكتب الرجل في الصحف ويقدم برنامجاً تليفزيونياً شهيراً، يقاتل فيه الردة المحمومة نحو طب القرون الوسطي من العشَّابين والدجالين، الذين يزعمون العلاج بالقرآن الكريم، لأنه ليس كتاباً في الطب ولا الصيدلة، بل في العقيدة، ولو صحّ ما يدّعيه المتاجرون بكتاب الله، لأغلقنا الجامعات واكتفينا بالأدعية والعطارة.

وكان متوقعاً أن يتعرض خالد منتصر لحملات شرسة من قبل المتربحين بـ «بيزنس الجهل»، الآخذ في الانتشار، نتيجة حالة الاحتقان والعدمية السائدة في المجتمع، لظروف سياسية واقتصادية، ولم تتوقف محاولات إرهابه عند حملات الكراهية التي يتعرض لها، بسبب مواقفه الصارمة ضد باعة الأوهام، بل امتد الأمر لإرباكه بالملاحقات القضائية، ويبدو أن هذه هي أحدث أساليب الإرهاب التي تمارسها الحكومة ضد معارضيها، ويلجأ إليها تجار الخرافات لتخويف من يتصدي لفضح ألاعيبهم، لأنهم لا يحتملون النقد.

قرار نقابة الأطباء لم يدعم الطائفية والعنصرية فحسب، بل انتصر للعُصابّيين الذين يجعلون حق العلاج مرهوناً بعقيدة المريض وجنسيته، وهو مقدمة لفتاوي قد تحظر نقل دم الرجال للنساء والعكس، «خشية اختلاط الأنساب»، وربما تصل لتحريم معالجة المريض غير المسلم، لأن حياته «لاتستحق» برأيهم، وهلم جرا.

إلي أي كارثة تقودنا «نقابة البوسنة والشيشان»، التي أهملت مهامها الأصيلة في ضبط أداء المهنة، وترسيخ تقاليدها لتنغمس في منعطفات خلافية كقضايا السياسة الخارجية، وهاهي أخيراً تسقط في مستنقع الطائفية.

وما يسوقه نقيب الأطباء من عذرٍ، هو أقبح من ذنب، لأنه إذا سلمنا بأن ٤٧ مسلماً باعوا أعضاء أجسادهم لمسيحيين، كما يزعم حمدي السيد، فهذا يدل علي الفقر المدقع الذي يعيشون فيه، لدرجة أنهم لم يجدوا سبيلاً للحياة سوي بيع أعضائهم، وهذا يحتم علي كل مهموم بالشرف الإنساني، وليس شرف المهنة فحسب، أن يتصدي لأسباب الفقر، لا أن يصدر قرارات خرقاء، دون استطلاع آراء الأطباء،

ولو شاءت النقابة حظر الاتجار بالأعضاء حقاً، لتصدت للأمر علي إطلاقه، فليس هناك ما يمنع انتشار تجارة الأعضاء بين المسلمين أنفسهم، فليسوا جميعاً فقراء، وبالطبع ليس كل المسيحيين أثرياء، لكن لنعترف - دون مكابرة - بأن الذائقة الاجتماعية الآن باتت تتجه لعزل المسيحيين عن المجتمع الذي يعيشون فيه، ليس علي الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية فقط، بل الصحية أخيراً، وعلي يد مَنْ كانوا يوماً «حكماء الوطن».

لكن رغم كل هذه القتامة التي تحاصر المشهد الطبي، فمازال هناك بصيص أمل، يحمله في صمتٍ حكماءُ كبار، كالدكتور وائل الغفير، أستاذ الجراحة بطب القاهرة، وهذه قصة أخري تحتاج لتفصيل في موضع لاحق.

Nabil@elaph.com

http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=117856
الرد مع إقتباس