ما هي المحكمة التي ستحاكم سآكاشفيلي ؟
في 8 أغسطس اقتحمت القوات الجورجية مدينة تسخينفالي بعد القصف المدفعي التمهيدي والاشتباكات. فماذا حدث ؟ هل انها محاولة لتسوية النزاع الجورجي - الاوسيتي باستخدام القوة ، كما يقول ذلك الخبراء؟ في اغلب الظن ان الجواب عن هذا السؤال هو "نعم" و"لا". وكان محتملا جدا حدوث السيناريو الذي تشن فيه جورجيا هجوما على اوسيتيا الجنوبية بينما تذود عنها روسيا وابخازيا. كما كان من المحتمل جدا ألا يسارع الناتو الى مساعدة الجيش الجورجي بصورة مباشرة. طبعا انهم في تبليسي كانوا يدركون هذا كله، ولذا فقد كان من المستبعد ان يعول الرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي على معالجة مشكلته بخصوص تبعية الاراضي عن طريق تنفيذ عملية عسكرية. فما كان دافع هذه العملية التي وصفها فلاديمير بوتين بانها "مغامرة دموية"؟ لقد تحدث سآكاشفيلي الموالي للغرب قبل فترة وجيزة من بدء هذه المواجهة الجورجية - الاوسيتية مرارا عن وجوب مرابطة قوات حفظ السلام التابعة للناتو في منطقة النزاع . ومن الطبيعي ان من شأن هذا التواجد ان يتيح ممارسة ضغوط اكبر على ابخازيا وبالأخص على اوسيتيا الجنوبية بهدف اعادتهما الى تبعية جورجيا. وفي اغلب الظن ان العدوان الجورجي الحالي على اوسيتيا الجنوبية يستهدف اثبات عجز روسيا عن القيام بدور صانع السلام وتحويلها الى طرف في النزاع ، وعبر ذلك يمكن ادخال قوات حفظ النظام الاطلسية الى منطقة النزاع . فماذا ستفعل روسيا في الوضع الناشئ؟ يبدو ان روسيا تنوي فقط عدم السماح باحتلال اوسيتيا الجنوبية من قبل القوات الجورجية. وقد اشار ممثلو القوات البحرية الروسية الى انه بالرغم من ان اسطول البحر الاسود قد اقترب من منطقة النزاع وفرض الحصار على الموانئ الجورجية فأنه لا يعتزم وكذلك روسيا القتال ضد جورجيا. واعلن سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي اكثر من مرة ان روسيا تنفذ عملية " الإرغام على الجنوح الى السلم" ولا تقاتل الجيش الجورجي. كما نعيد الى الاذهان ان شرط ايقاف اطلاق النار من الجانب الروسي هو انسحاب القوات الجورجية من اراضي اوسيتيا الجنوبية ومن ثم اجراء المفاوضات. علما ان هذه الاستراتيجية تتسم بجوانب ايجابية واخرى سلبية. فمن جانب ان سلوك روسيا هذا يظهر انها تسيطر على الوضع وتواصل الاحتفاظ بهيئة المحايد. وقد لا تلاحظ هذا الموقف الروسي وسائل الاعلام الغربية والسياسيون في الغرب اذا ما ارادوا . واذا ما جرى سحب القوات الجورجية من اوسيتيا الجنوبية فحسب - فأن هذا لن يعيد الامور الى ما كانت عليه سابقا في المنطقة ، فلن يعيد أحد الى الحياة آلاف القتلى من الاهالي المسالمين في تسخينفالي. وبالتالي يتطلب الامر الى جانب انسحاب القوات الجورجية من تسخينفالي انزال " عقوبة " ما بجورجيا. ولعل الامر الاكثر احتمالا هو اجراء تحقيق قضائي دولي من قبل محكمة خاصة. لكن لا تعرف بعد آليات تقديم القيادة الجورجية الى المحكمة فقد جرت محاكمة مليوشيفتش وصدام حسين بعد انهيار نظاميهما. وتحدث الباحث السياسي ليونيد رادزيخوفسكي عن احتمال اجراء المحاسبة القضائية للمذنبين بالذات عما يجري في الوقت الحاضر من مآس في منطقة النزاع الجورجي - الاوسيتي. وحسب قوله فان من الممكن تشكيل محكمة خاصة من اجل محاكمة المذنبين، لكنها لن تتمتع بصفة قانونية دولية . وأشار رادزيخوزفسكي الى ان محكمة لاهاي تنظر في مثل هذه القضايا ، وهي مسيسة لحد ما مثل اية منظمة مماثلة أخرى ، لكنها تتمتع بسمعة طيبة في الغرب. وأضاف رادزيخوزفسكي قائلا :" انني لا أعرف حالة جرت فيها محاكمة القيادة العليا في اية دولة، اذا ما كانت باقية في السلطة". وتبرهن الاحداث الاخيرة في اوسيتيا الجنوبية على ان من الممكن معاقبة سآكاشفيلي ليس بالاسلوب القسري بل القانوني : فقد اقامت لجنة التحقيق في جمهورية اوسيتيا الجنوبية غير المعترف بها دعوى جنائية في حدوث الهجوم الجورجي. وقد لا يروق هذا الامر للقيادة الجورجية. من جانب آخر تقيم جورجيا دعوى على روسيا الاتحادية لدى محكمة لاهاي. ومن الصعب الجزم الآن بصدد من سيفوز في المعركة الآن في ساحة القضاء. لكن لا يمكن شطب الآلاف من الضحايا بين الأهالي المسالمين في اوسيتيا الجنوبية من ملف اثبات جريرة سآكاشفيلي.
|