«قوانين» التعجيل بالطوفان
«قوانين» التعجيل بالطوفان
بقلم فريدة الشوباشي ٢١/٨/٢٠٠٨
لا أجد وصفًا لاقتراح نقيب الأطباء د. حمدي السيد، أكثر تعبيرًا مما قاله الدكتور محمد أبو الغار، العالم والمفكر الكبير، وهو: «كارثة منع نقل الأعضاء بين المسلمين والمسيحيين!»..
واعتبر د. أبو الغار أن بهذا الاقتراح الكارثة - بتحويله إلي قانون - كما يسعي النقيب ونقابة الأطباء حسب قول د. حمدي السيد سندخل إلي فرز طائفي قد يصل إلي حد البحث في «ديانة» الدم، وهل نضع علي أكياس دماء المتبرعين رمزًا لديانتهم أي هلال فوق الدم المسلم، وصليب فوق الدم المسيحي، وينسي السيد نقيب أشرف المهن وأكثرها إنسانية ونبلاً أن الدماء المصرية بمسلميها ومسيحييها سالت علي جبهات القتال ضد أعداء الوطن، ولا أحد يدري إلي أين ستقودنا مثل هذه الاقتراحات المدمرة وإذا ما كان ساعتها سيتحد الدم المسلم والمسيحي لحماية الوطن وهل سيكون هناك وطن أصلاً!
وقد حاول النقيب الالتفاف علي المسألة وعلي اعتراضات المنظمات الحقوقية وعلي تفاصيل تعليق د. أبو الغار الوافي الشامل والمستنير والإنساني، كما يجب أن يكون الطبيب بادعاء أن يحارب تجارة الأعضاء القذرة، ولكنه أقر بمنع نقل الأعضاء البشرية بين المصريين، إلا إذا كانوا من نفس الديانة بل إنه سيستصدر قانونًا بذلك يعرضه علي «نواب الشعب!!» لمساعدة نقابة الأطباء في قطع جزء آخر من جسم الوطن.. وصدق د. أبو الغار عندما نبه إلي أن مثل هذه القوانين لم تجد لها مكانًا إلا في الأنظمة النازية مثل نظام هتلر..
وقد أعادني الاقتراح الكارثة إلي بداية الفتح الإسلامي العربي لمصر، التي كان معظم مواطنيها من المسيحيين، ومن نفس هؤلاء المسيحيين دخل الآلاف ثم الملايين الدين الإسلامي.. فهل تغيرت الجينات الوراثية، وهل انضم الدم المصري المسلم بعد مسيحيته إلي فصيل خاص؟ هل يتذكر نقيب الأطباء أن أولاد الرسول من ماريا القبطية أخوالهم أقباط؟ وهل يدري أن مئات الآلاف من المصريين في عصرنا هذا أخوالهم مسيحيون وأعمامهم مسلمون؟
إن الاتجار في البشر له أسباب عديدة ليت د. حمدي السيد، يجد الوقت لبحثها واقتراح الحلول لها بدلاً من الاستسهال علي حساب الوطن ومستقبله ونسيج أبنائه الذي تستهدفه قوي كثيرة خارجية وداخلية لم نكن نتخيل أن تكون نقابة الأطباء من بينها، وأشير فقط إشارة عابرة إلي «تناسي» النقيب عمليات نقل الأعضاء البشرية من غير المسلمين إلي المسلمين في عواصم عديدة من العالم،
ومن أصحاب الأعضاء المنقولة يهودًا ومسيحيين وبوذيين وغيرهم، وهذا هو المفزع في «اقتراح» الرجل الذي خطا خطوة غير مسبوقة ولا متصورة في شق الوحدة الوطنية، فحتي الحالات التي تحدث عنها، والتي لا تتجاوز الستين حالة بين أصحاب الديانتين، لا تستحق استصدار قانون شديد العنصرية، وبالغ الخطورة لما يقرب من ثمانين مليون مصري، ولا أدري هل للعضو في الجسم البشري دين معين؟ هل إذا أخرجنا كلية من جسد صاحبها يكون لها دين؟ والأبشع أن تمتد هذه الرؤية العنصرية المعادية لحقوق الإنسان، ولكل القيم والأعراف الإنسانية إلي الجثث!..
وكان وزير فرنسي قد علق مرة علي مقابر تضم «حلفاء» وغيرهم، وطبعًا مقابر الحلفاء مميزة، فقال: إن أبشع أشكال التمييز هو التمييز بين الأموات!.. فلنتصدي للعقليات «المنحازة» قبل أن يدركنا الطوفان!!
http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=130099
|