كم مرة نشبت مشاجرات وخناقات وانفجر دم وثارت فتن لأن الأقباط يبنون كنيسة علي أول الشارع في هذا الحي أو تلك المدينة، أو أن كنيسة ظهرت فيها سقالة ودخلها عمال بناء ومحارة لترميم أو بناء سور أو غرفة؟
لا تعرف لماذا يعتقد المصريون المسلمون أن بناء كنيسة هو عمل عدائي للإسلام أو أن ظهور كنيسة هو حرب ضد المسلمين ونصر للأقباط!.. من هنا لا يطيق المصريون في قرانا ومدننا وأحيائنا بناء كنيسة جديدة أو توسيع وترميم كنيسة قديمة وهاتك يا غضب ومظاهرات ومشاحنات ويقولون لك: أصل المسيحيين افتروا خلاص، أصلهم بيتعاملوا كأن البلد بلدهم، مستقويين بأمريكا، المهم أن محاولة بناء كنيسة أهم أسباب اندلاع حوادث الفتنة الطائفية في مصر وأنا لست مستعدا لسماع إسطوانة الأكاذيب اليومية السخيفة حول سماحة المصريين وأن ما أقوله مبالغة وأن المسيحيين والمسلمين يعيشون سمنا علي عسل فهذا محض كذب ونفاق يردده المسلمون والأقباط علي حد سواء وهو كلام أكذب من بعضه، لكن المشهد هناك في كولونيا بألمانيا يحمل نفس الصفات لكن بصورة عكسية فالمسيحيون المتطرفون والمتعصبون هم الذين يعترضون علي بناء مسجد كبير في المدينة الألمانية الأشهر (زرت هذه المدينة منذ سنوات وهي من أجمل مدن الأرض ومازلت أذكر تجمعات الأكراد المسلمين السنة حول كنيسة كولونيا وهي الأضخم والأجمل والأقدم في أوروبا يتظاهرون ضد اضطهادهم في العراق وتركيا)، والحاصل أن مجلس بلدية مدينة كولونيا اتَّخذ قراراً في أغسطس الماضي لصالح بناء مسجد كبير للمسلمين في المدينة علي أن يبدأ بناء المسجد في مطلع العام القادم، كما سيكون بإمكان المسلمين الصلاة فيه مع نهاية عام 2010، لكن اليمين المتطرف الألماني والأوروبي اعترض ورفض وصرخ واحتج علي بناء المسجد وحاول جمع قادته ومناصريه لعقد مؤتمر في المدينة تحت شعار (مواجهة أسلمة كولونيا) ومنع بناء مسجد فيها. ولكن لم يتوقع أحد ردة الفعل الرسمية والشعبية العارمة التي استمرت يومين كاملين، دفاعا عن المسلمين في مدينة كولونيا الألمانية، فعلي مدي يومين جابت شوارع كولونيا وأحياءها وضفاف نهرها مظاهرات عدة ضمت أكثر من عشرة آلاف شخص للتنديد باليمين المتطرف والنازي وبمؤتمرهم التحريضي وأعلنوا تأييد الألمان المسيحيين لبناء جامع في كولونيا. وحاصر المتظاهرون، ظهر الجمعة الماضية قيادات اليمين الآتية علي ظهر مركب سياحي إلي كولونيا وألقوا الحجارة عليهم وأطلقوا الهتافات ضدهم ومنعوهم من النزول إلي اليابسة لمتابعة برنامجهم الاحتجاجي ضد المسجد، وصباح السبت أصدرت قيادة شرطة المدينة قرارا بمنع قادة اليمين المتطرف من عقد مؤتمرهم ومظاهرتهم وبينما كان المتطرفون المعارضون لبناء المسجد يتوقعون مشاركة 1500 شخص السبت الماضي في تجمع لرفض المسجد لم يحضر أكثر من خمسين شخصا، وهو ما اعتبره المراقبون انتصارا كبيرا علي اليمين المتطرف الذي كان يسعي إلي شحن النفوس ضد الإسلام والمسلمين وتخويف الناس من (أسلمة ألمانيا وأوروبا).
وأعرب محافظ مدينة كولونيا فريتس شرامّا، من الحزب الديمقراطي المسيحي (لاحظ اسم حزبه المسيحي) عن سعادته وفخره بالتظاهرة الضخمة التي ضمت الآلاف أمام كاتدرائية المدينة التاريخية تأييدا لبناء المسجد ووصف المظاهرة بـالمشهد العظيم.
و قال المراقبون إن قادة اليمين المتطرف تلقوا أكثر من لطمة علي وجوههم؛ إذ رفض التعامل معهم مواطنون عاديون أيضا، فقد رفض سائقو التاكسي نقلهم من المكان الذي حوصروا فيه علي النهر ورفض أصحاب المقاهي التعامل معهم وطلبوا منهم مغادرة مقاهيهم فورا. وسبق ذلك توافق أصحاب المقاهي في كولونيا علي عدم استضافة هؤلاء النازيين، وكلمة السر بينهم كانت: (لا كولش للنازيين). و(كولش) كما تشرح وكالات الأنباء هي التعبير الشعبي الذي يجمع بين اسم المدينة ومشروب البيرة المشهورة بها. هذا ما حدث من مسيحيي كولونيا دفاعا عن حق المسلمين هناك في بناء مسجد، ولعل هذه المدينة التي اشتهرت بصناعة العطور والروائح لدرجة أن أصبح عندنا أي بارفان أو عطر اسمه كولونيا دليل واضح علي أنها بلد اسمها منها، بلد ريحتها حلوة بس اللي يشم!!
منقول عن ((جريدة الدستور المصرية)) للكاتب ورئيس التحرير إبراهيم عيسى
بعنوان "ريحة حلوة" . !!
عنوان الرابط [
http://dostor.org/ar/index.php?optio...4321&Itemid=64 ]