هل يستطيع أقباط المهجر تكوين لوبي مسيحي مصري بالخارج؟؟
15/01/2009
بقلم جرجس بشرى
في ظل الأوضاع الكارثية التي تمر بها الأقلية المسيحية المصرية -برغم أنها أكبر أقلية عدداً- وبرغم أنها ليست دخيلة على مصر، وبرغم أنها تُشكل 15% من إجمالي عدد السكان، بات الحديث عن ضرورة تكوين لوبي مسيحي مصري في الخارج مطلباً مُلحاً بل ومصيرياً، خاصة بعد أن نجحت الحكومات المصرية المُتعاقبة في فرض سياسة إستراتيجية خاصة بالأقلية المسيحية المصرية، وهي سياسة خلق انطباع لدى العامة من الناس بأنه لا يوجد مسيحيون بمصر وإن كان هناك مسيحيون فلا حقوق لهم في هذه الدولة المسلمة، وإن كان لهم حقوق فإنها تُمنح لهم وأنه على المسيحيين أن يقبلوا وهم صاغرين بالفُتات الساقط من موائد الحكومة المصرية!!
إن هذه السياسة الإستراتيجية التي خلقتها الحكومة المصرية وتنفذها الآن على الأرض ستكون لها تداعيات خطيرة ومرعبة في حالة استمرارها، وهذا يجعلنا أكثر وعياً ويقظة لمقاومتها والتصدي لها بكل الطرق السلمية والمشروعة لإبطال مفعولها الكارثي على مصر أولاً والأقلية المسيحية المصرية تحديداً، ولا يمكن بحال من الأحوال إبطال مفعول هذه السياسة الحكومية الغبية إلا برفع درجة الوعي لدى المسيحيين المصريين وتعريفهم بما سيؤول إليه حالهم ومصير أجيالهم القادمة في حالة استمرارهم على هذا الوضع المُتردي من العزلة واليأس، خاصة وأن الغالبية العظمي من المسيحيين المصريين رضيت بقبول سياسة الأمر الواقع التي فرضتها عليهم الحكومات المصرية المتتالية وترى أنه لا أمل في إصلاح الأحوال -وهذه هي الكارثة- حينما يفقد أصحاب قضية مشروعة الأمل في حصولهم على حقهم المسلوب بحجة الواقع المُر الذين يعيشونه، وتذرعاً بالكم الكبير من الحقوق التي دافع عنها كثيرون بدون فائدة.
وهؤلاء المسيحيون المغيبون الذين قبلوا بسياسة الأمر الواقع رضوا وآمنوا بها لا يعلمون أن الحقوق لا تُمنح سواء من الحكومة أو غيرها، وأن الحقوق مهما طالت سترجع لأصحابها وأن الحكومة بعدم تلبيتها لمطالب مشروعة للمسيحيين المصريين فأنها تزيد وزراً على أوزارها وترفع من سقف التجاوزات ضد المسيحيين وتزيد من حجم التراكمات في الانتهاكات التي تلحق بهم وهو ما يجعل حسابها عسيراً.
إن تكوين لوبي مصري مسيحي في الخارج يحتاج إلى إرادة وإدارة واعية تستطيع أن تنفذ إلى صُناع القرار في الدول المقيمين بها، ولن يتأتى ذلك بالشعر والخُطب والكلام فقط بل من خلال أن يكون المسيحي المصري بالخارج أكثر تعليماً ومُشاركة وتطوعاً لخدمة المنطقة المُقيم بها ودعم المشروعات التي تخدم القضايا العامة هناك، فالتعليم والمشاركة والتطوع هم المثلث السحري -إذا جاز لنا هذا التعبير- لجعل صُناع القرار في هذه البلاد يضعون مطالبهم في الاعتبار.
لقد استطاع اليهود الذين لا تتعدى نسبتهم الـ 2%من سكان الولايات المتحدة الأمريكية أن يجعلوا المرشحين في الانتخابات الأمريكية يتهافتون عليهم ويغازلونهم ويستميلونهم بالوعود بدعم قضاياهم وحل مشكلاتهم، وهذا إنما يرجع إلى تأثير الصوت اليهودي في الانتخابات الأمريكية، فمعروف أن قوة هذا التأثير ترجع إلى أن اليهود في أمريكا من أكثر الناس تعليماً ومن أكثرهم حرصاً على المشاركة الأحزاب والنقابات والاتحادات ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى في أمريكا لدرجة إن أصبحت مشاركة اليهودي في هذه المؤسسات جزءاً لا يتجزأ –أبداً- من سلوك الشخصية اليهودية ليس في أمريكا فحسب بل في كل مكان، فالمرشحين للانتخابات يعملون ألف حساب للصوت اليهودي ويدركون مدى تأثيره.
والمُثير للدهشة أن اليهود برغم وجود بعض الصعوبات والمشاكل في الاندماج مع المجتمع الأمريكي والمجتمعات الأوروبية الأخرى في بداية قدومهم إليها إلا أنهم نجحوا في الوصول إلى أهدافهم بالتنظيم الجيد والإصرار على النجاح، لقد بلغ جبروت الصوت اليهودي مداه عندما اعترف الرئيس هاري ترومان بدولة إسرائيل في خمس دقائق!!!! وهو ما أثار انتقاد الكثيرين له وقتها بأنه لا يعمل حساباً لمشاعر العرب في نيويورك مما جعله يسأل الذين انتقدوه على هذا القرار قائلاً لهم: وكم عدد أصوات هؤلاء العرب في نيويورك؟ ومن ثم أصبح معروفاً أن المرشحين لمناصب كبرى لا يهمهم في المقام الأول إلا الصوت الانتخابي ومدى تأثير مَن سيصوتون له في الانتخابات!
لقد حان الوقت الآن للبدء في تكوين نواة لـ "لوبي مصري مسيحي" في الخارج يضغط لصالح مصر والقضية القبطية من خلال تأثيره على المرشحين وصناع القرار هناك، ولن يتأتى هذا التأثير إلا بإيمان المسيحي المصري في المهجر بأهمية هذا العمل ومردوده الإيجابي على مصر وأخوته المسيحيين في الداخل، وكذلك بتسلحه بالعلم ومشاركته في الدائرة التي يقيم بها ودعم القضايا العامة للبلد التي يسكنها كمواطن صالح.
كما حان الوقت أيضاً أن تقوم القيادات والمنظمات القبطية بالمهجر بتنظيم ندوات ولقاءات ومقالات لحث أقباط المهجر على ضرورة التكاتف والترابط والتنسيق فيما بينهم لتدعيم هذا المطلب الذي سيجعل من الصوت المسيحي المصري تأثيراً في المستقبل بالطريقة التي تجعل المرشحين يدعمون مطالبهم المشروعة.
ويجب أن نبدأ في ذلك الآن قبل فوات الأوان وقبل أن تصبح القضية القبطية في خبر كان، وأتمنى أن تكون النواة الأولى في ترجمة هذا المطلب المشروع إلى واقع ملموس، المنظمات القبطية الحقوقية بالمهجر وقياداتها التي تبذل جهوداً مضنية من مالها ووقتها وعرقها لصالح مصر والقضية القبطية