عرض مشاركة مفردة
  #23  
قديم 20-01-2009
morco morco غير متصل
Silver User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2008
المشاركات: 443
morco is on a distinguished road
مشاركة: الاقبــــاط في مصر يختارون العُـــزله......(مدموج)

مستقبل التعايش بين المسلمين والأقباط

بقلم د.شريف دوس

٣/ ١٢/ ٢٠٠٧

يعيش علي أرض مصر شعب واحد يتكون من أغلبية تدين بالإسلام وأقلية مسيحية، وهذه الأقلية لا تمثل أقلية عرقية أو سلالية (اثنية) أو لغوية، وهو الأمر الذي ميز شعب مصر بدرجة عالية من التماسك (Social Cohesion) أو التكامل والاندماج الاجتماعي (social Integration) علي أن هذا لا يعني أن العلاقات بين المسلمين والأقباط قد خلت في هذه الحقبة أو تلك من الاحتكاك وأحيانا من الصراع، ولكن لم يؤد أي من هذه الصراعات إلي العزل أو الانعزال.

وقد أسهمت مشروعات بناء دولة حديثة في العصر الحديث في صياغة نموذج متقدم للتكامل بين المسلمين والأقباط، خصوصا في عصر دولة محمد علي باشا، مما أدي إلي تولي اثنين من الأقباط منصب رئيس وزراء مصر سنة ١٩٠٨ وسنة ١٩١٩، وتولي قبطي رئاسة مجلس النواب.

وجاءت ثورة سنة ١٩٥٢ ومعها التيارات الفكرية المتعاركة ومنها التيار الإسلامي الأصولي المتطرف، الذي اشتد بأسه بهجرة العمالة المصرية، وأغلبها من المسلمين إلي الجزيرة العربية، وعودة ٢ مليون عامل وموظف وفني ومهني إلي مصر من الجزيرة العربية، حاملين الأفكار والعادات الأصولية الإسلامية الوهابية، وبذات الوقت هجرة مليون مصري أغلبهم من المسيحيين إلي بلاد الغرب، التي تساند الفكر العلماني الديمقراطي العصري، وهذا كله أدي إلي التغير الاجتماعي في تركيبة الشعب المصري

. وفي خط مواز لهذا التغير مارست السلطة والدولة والحكومة بعد ثورة سنة ١٩٥٢ سياسة فكرية وعمليات التفرقة أدت إلي تقويض حقوق الأقلية المسيحية في مصر، مما أدي إلي صدمات شعبية بين المسلمين والأقباط، تتكرر سنويا دون حلول حاسمة من الدولة.

وقد كان السبب الرئيسي لهذه الصدمات هو القواعد والعرف السائد لمنع بناء الكنائس في مصر، والرقابة الأمنية علي بناء الكنائس، وباقي الحقوق المنتقصة، مثل تهميش التمثيل القبطي في المجالس المحلية والشعبية والنيابية وتخطي الأقباط في الوظائف العامة والشرطة وجهات الأمن والقضاء والخارجية والجامعات، مع استمرار التمييز ضدهم خلال خمسة عقود، مما أدي إلي انعدام وجودهم في كثير من القطاعات العامة للدولة.

كما شملت مناهج التعليم المدرسي والجامعي، خصوصا القطاع الأزهري منه، عدم احترام العقائد الأخري والتشكيك في الكتاب المقدس والتحقير بالأقليات، وأخذت الصحافة والنشر والإعلام المرئي والمسموع نفس المنهاج.

ولابد أن نشير إلي أن الدولة والحكومة والمسؤولين الكبار ومعهم الكثير من المستنيرين من المسلمين قد بدأوا في السنوات الأخيرة تدعيم حقوق الأقلية لتحقيق المواطنة في مصر. قد بدأنا لكن ببطء.

ماذا نفعل وماذا سيحدث؟

إن مستقبل التعايش بين الأقباط والمسلمين يعتمد علي ثلاثة محاور:

أولا: أن تدعم الدولة والحكومة المواطنة بقوانين تنفيذية لا تسمح بإهدار حق أي مواطن وإصدار التوجهات نحو رفع التمييز والتهميش ضد المسيحيين في كل القطاعات.

ثانيا: العمل علي تهدئة الاحتقان الشعبي بين المسلمين والمسيحيين بتفعيل المواطنة والإصرار علي أن ينال كل مواطن حقوقه المدنية والدستورية وممارسة حرية إقامة الشعائر الدينية. وهذا العمل المكثف تحتاجه المناطق الشعبية والعشوائية والقري والنواحي، ويحتاج هذا العمل سنوات عدة لتغيير المفاهيم غير الحضارية والخاطئة، وتربية أجيال جديدة تحترم الآخر وتسمح بالاندماج الاجتماعي والانصهار في المواطنة كما عهدناه في النصف الأول من القرن العشرين.

نحتاج لعمل مضن في التعليم والإرشاد الديني والأحزاب والمحليات ودور العبادة والصحف والكتب والمجلات والإذاعة المسموعة والمرئية والفضائيات، أي إعادة تثقيف الشعب بأكمله.

ثالثا: التأكيد علي وطنية الكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية الشرقية، بالشواهد التاريخية والمواقف الوطنية لرئاسة الكنيسة، وذلك لفصل المؤثرات العالمية المحيطة بقضايا الشرق الأوسط والخليج والسودان ولبنان علي العلاقة بين الأغلبية المسلمة والأقلية المسيحية في مصر.

إن الكنيسة القبطية لا علاقة لها دينيا أو اجتماعيا أو سياسيا بالمعتقدات المتطرفة لبعض الطوائف المسيحية الغربية وتأكيد فصل الظروف الدولية عن علاقة أبناء الوطن الواحد.

وللدولة دور رئيسي في المحاور الثلاثة عاليا. ويمكن للدولة توجيه الفكر الاجتماعي الشعبي إلي ما هو في صالح مصر وأبنائها، وإلا سنشهد في العقود القادمة مزيدا من الاحتقان الشعبي والانسلاخ الاجتماعي والانعزال، فنجد الأقباط أكثر ارتباطا داخل كنائسهم، والمسلمين أكثر التفافا حول أصحاب المعتقدات الخارجية المتطرفة مثل الإسلام البدوي الوهابي، وسيؤدي هذا إلي مزيد من الشرخ في علاقة الأكثرية والأقلية بعضها ببعض. إن سلوك الناس يمكن أن يؤدي إلي إفساد الأنظمة السليمة. كذلك فإن الأنظمة الفاسدة كثيرًا ما تؤدي إلي إفساد الناس.

----------------------------------
نقلا عن موقع"جريدة المصرى اليوم"
الرد مع إقتباس