فعندما يتم الخلط المتعمد بينما يسمى بالهوية القبطية وبين المسيحية كدين تتحول تلك الهوية التى هى جزء من تاريخ مصر الذى يملكه كل المصريون إلى مقدس مثل الدين تصبح اللغة القبطية مقدسة وكذلك الآثار القبطية وكل هذا لا يوجد له شكل مادى إلا داخل الكنيسة فبذا تتحول الكنيسة إلى أعلى مستويات التدين ثم تختصر الكنيسة فى رجال الدين فيصبحون مقدسين بديلا عن الدين ذاته وهذا هو ما يتم الآن حول تقديس رجال الدين ذلك التقديس الذى ينتج عنه ثقة عمياء تؤدى إلى انحراف بعض رجال الدين مثل الأمثلة التى نشاهدها. وهنا فمن الذى قال إن الحقبة الفرعونية والحقبة القبطية هى ملك لمسيحى مصر من الأرثوذكس فقط. ومن الذى أعطاهم حق هذه الملكية؟ وهل التاريخ هو تركة عائلية تقسم على البعض ويحرم منها البعض الآخر؟ التاريخ المصرى بكل حلقاته ملك لكل المصريين من الفرعونية حتى الإسلامية. أيضا ما هى اللغة القبطية؟ هل يعتبرون اللغة القبطية هى لغة مقدسة لأنه يتم بها بعض الصلوات الكنسية؟ ولذا يعتبرونها لغة خاصة بالمسيحيين فى مقابل اللغة العربية الوافدة من الجزيرة والتى يجب أن تكون خاصة فى نظرهم للمسلمين خاصة أنها لغة القرآن الكريم. وهنا أولا: إن اللغة القبطية هى إحدى مراحل تطور اللغة الفرعونية القديمة. ثانيا: أنها ليست مصرية خالصة بل هى اللغة اليونانية مضافا إليها سبعة حروف، أى أن جذورها وافدة من خارج مصر مثلها مثل اللغة العربية، والأهم أن اللغة القبطية قد أصبحت فى عداد التاريخ المصرى الذى هو ملك لكل المصريين كما أنه لا علاقة البته بين تلك اللغة وبين العقيدة المسيحية، فهل كل مسيحى فى العالم يتحدث اللغة القبطية، وما هذه الشوفينية المنغلقة تلك التى تريد أن تستحوذ على دين من أجل اللغة وليس العكس؟ وماذا يحدث إذا لم يتم الصلاة بتلك اللغة فى الكنائس فى الوقت الذى لا يجيدها أغلبية المصليين. وأخيرا فإنها لغة ميتة لا حياة فيها، حيث إن اللغة كائن حى يتأثر ويتطور بالمتغيرات العالمية. فمثلا ما معنى كمبيوتر وتليفزيون وصاروخ... إلخ. باللغة القبطية وهل توجد معطيات حياتية بالهوية القبطية خارج الإطار الكنسى الموروث؟ وهل تلك الدعوة تعنى تكريس الانكفاء على الكنيسة والانعزال عن المجتمع والمختلف دينيا؟ والأهم ما هو الهدف الأساسى لإحياء ما يسمى بالهوية القبطية؟ إن فكرة الهوية القبطية دائما ما تتأثر وتتداخل مع المناخ السياسى، فكما أوضحنا ارتباط تنظيم الأمة القبطية أوائل الخمسينيات بالمناخ السياسى المطروح كذلك فى أوائل القرن العشرين كان هناك مناخ طائفى بعد عقد مؤتمر الأقباط فى أسيوط عام 1911، والذى كان لاحقا لمقتل القبطى الخائن بطرس غالى والذى استتبعه مؤتمر للمسلمين فى الاسكندرية عام 1912، فقد ظهر أيضا فى تلك الفترة نغمة الهوية القبطية واللغة القبطية والأمة القبطية وكان هناك صحف قبطية طائفية مثل جريدة مصر وغيرها حيث كانت تسير فى ركاب الاستعمار الانجليزى حينئذ، فهل التاريخ يعيد نفسه فنجد أن السياسة الأمريكية فى المنطقة، ودور أقباط المهجر وبعض أقباط الداخل يستغلون المناخ الطائفى للمشاركة فى تمرير سياسات يتصورون خطأ أنها المنقذ لهم أو هكذا يتصورون للعامة من الأقباط. فى الوقت الذى يعلمون فيه أنهم يقومون بمهمة سياسية لا علاقة لها بالأقباط. فهل إعلان الهوية القبطية الآن يعنى مواجهة للهوية الإسلامية، واللغة القبطية فى مواجهة اللغة العربية؟ وإذا كان هذا الطرح الذى يتداخل مع المشاكل الطائفية للأقباط والذى يتم من داخل الكنائس، مع تصور خاطئ لبعض الأقباط أن أمريكا هى التى تملك الحل لمشاكلهم فهل هذا يعنى الاقتناع بالسياسات الأمريكية فى المنطقة فيكون هؤلاء المتشددون مع احتلال فلسطين وافغانستان والعراق وتقسيم المنطقة، وإثارة النعرات الطائفية، وتفتيت الدول عن طريق إثارة مشاكل الأقليات الدينية؟ الكلام خطير والتصرف أحمق فالدعوة سلفية متخلفة. وليست فى صالح الكنيسة أو فى صالح المسيحيين أو فى صالح المصريين جيمعا، بل هى دعوة تضع أصحابها موضع الشك الوطنى، والتبعية للأجنبى وتمرير سياسات ضد الوطن. فهل هذا هو الحل؟.
http://www.al-araby.com/articles/929...-929-opn01.htm