مشاركة: عم عدلي و المسأله القبطية
أكتب هذه السطور كجزء من شهادة لوجه الله والتاريخ ومصر أنني رأيت وسمعت أسماء كبيرة سعت إليه لاسترضائه ودعوته للتهدئة لكنه كان دائماً يرد ببساطة قائلاً "لا أريد مغانم ولا مكاسب ولم تعد تعنيني الثروات فقد جربتها وشبعت منها، ولا أحلم بمناصب وأنا في هذا العمر، فكل ما يعنيني هو حقوق الأقباط، وهي باختصار شديد أن يعاملوا باعتبارهم أصحاب بلد، وليسو مجرد مواطنين من الدرجة الثانية".
وبمناسبة الثروة فلم أعرف في حياتي رجلاً لا يعير المال أدنى اهتمام مثل "عم عدلي"، الذي قال لي مرة إنه أشهر إفلاسه رسمياً عدة مرات لكنه في كل مرة كان مثل طائر الفينيق يخرج من وسط الرماد ليحلق مرة أخرى في عوالم الملايين، ثم يصمت لحظات ليستدرك متحدثاً بلهجة صعيدية قحة: "ورحمة أمي سنية ما فيه بلد في الدنيا أحلى من بنت الأيه مصر دي"، حينها غرغرت عيناه بالدموع وكان مشهد دموعه ثقيلاً على عيني وقلبي، فأن تشاهد رجلاً في عمر جدك يبكي أمامك.. لابد أن تنتفض داخلك كل خلية حية في جسدك وكيانك كله، ويزداد الأمر صعوبة حين تكون مقتنعاً بأن هذا الرجل قوي، عنيد.. صلب، و"دكر"، وتصل الصعوبة إلى أقصى مداها عندما يكون هذا الرجل هو "عم عدلي" تحديداً.
"يا إلهي.. معقولة مش حاشوفك تاني يا عم عدلي؟"، سؤال يسري في خاطري ويلّح على رأسي، لكن المشكلة هي من يمكن أن أتوجه له بهذا السؤال إلا
"الكبير"، سيد الكون ومهندسه الأعظم، وكم من أعزاء فقدتهم واهتزت لرحيلهم مشاعري، من أبي الذي توفي فجأة في مرحلة كنت في أمس الحاجة فيها إلى أب.. إلى "سند وظهر"، إلى أصدقاء عمري "حازم شحاتة" الذي احترق في مسرح بني سويف، و"أحمد جودة" الذي راح ضحية حادث سير عبثي، وصولاً إلى "العم عدلي"، الذي لا يحزنني رحيله، فقد أدى الرسالة وكما ينبغي أن يكون أصحاب الرسالات، ولكن الوجيعة فقط لافتقاد أريحيته وحضوره العاطر المفعم بالبهجة والإنسانية.
الذين اتهموه بالطائفية لم يعرفوا عنه شيئاً، ولعلي لا أذيع سراً حين أقول إن "عم عدلي" لم يكن متديناً على النحو التقليدي الشائع وسط المجتمع القبطي، كما أنه لم يكن متعصباً، بل كان يهمل الكثير من الطقوس، ويعول دائماً على أن الإله العالم بالسرائر لا يريد منا سوى القلب السليم، وربما لهذا السبب ظل "عم عدلي" حتى مات مسكوناً بطفل.. قد يشيخ جسده دون أن تقترب الشيخوخة من روح البراءة والتلقائية التي تحكم كل سلوكه وقراراته وحتى طريقة كلامه البسيطة العفوية، لكنها مع ذلك كانت حاسمة.. قاطعة وصارمة، فلا تقبل التمييع أو النفاق، ولا ترضى بالمواقف الباهتة والانتماءات المواربة.
__________________
واجب علي جميع المصريين المساهمه في بناء مصر لتكون دولة ديمقراطية . ليبراليه . منتجه . و
لنتعاون جميعا حتي تتغلب رسالة الحب و النور و الحياة علي ثقافة الكراهية و الظلم و الموت
|