3) الديموقراطية: رغم كل ما يقال (من قبل البعض) عن أن لكل ثقافةٍ ديموقراطيتها الخاصة بها، فإن الحقيقة التي لا مهرب منها أن جوهر الديموقراطية لا يتبدل من مكان لآخر. و جوهر الديموقراطية ثلاثة أمور: أولاً، أن يأتي الحكام للحكم بإرادة شعبية حرة. ثانيًا، أن يحكم الحكام بقواعد دستورية يكونوا خاضعين لها كما يكونوا قابلين للمساءلة أثناء و بعد فترة الحكم. ثالثًا، أن يترك الحكام الحكم بشكل دستوري و ألا تكون فترة (أو فترات) حكمهم مؤبدة.
و مما لا شك فيه أن كل القوى التي هي غير ديموقراطية بطبيعتها تحاول الآن في العديد من المجتمعات أن تختزل الديموقراطية في عملية الاقتراع أي في صندوق الانتخاب. و الحقيقة أن جوهر الديموقراطية الحقيقي ليس هو الانتخاب و إنما تدرج عملية الاختيار من البداية للنهاية. فالديموقراطية هي دستور عصري بمجتمع مدني ناضج، و مؤسسات فاعلة بهذا المجتمع المدني، و أحزاب متساوية في الحقوق و الواجبات و الفرص، و قضاء عصري مستقل، و نظم لضمان المساءلة و الشفافية، و اعلام ناضج تجاوز طور الصراخ و الفضائح، ثم أخيرًا عملية الاقتراع.
و لا شك أن هناك عـلاقة جدلية واضحـة و مؤكـدة و فاعـلة بين قضيتي الهوية و التعليم من جهة وبين قضية الديموقراطية من جهة أخرىِ. فالارتباك الحادث في منطقة الهوية يؤثر تأثيرات سلبية بالغة على عملية الاختيار التي هي جوهر الديموقراطية و يجب أن يقال نفس الشىء عن التعليم. فالتعليم العصري الحر القائم على الابداع و إطلاق العنان للتفكير و حرية النقد و الاعلاء من شأن العقل هي كلها عناصر تحوّل العملية الديموقراطية من أطر شكلية و هيكلية إلى آلية حقيقية لتحويل الاختيار إلى قرار.