عرض مشاركة مفردة
  #18  
قديم 03-08-2011
الصورة الرمزية لـ الحمامة الحسنة
الحمامة الحسنة الحمامة الحسنة غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2007
الإقامة: فى جنب يسوع المجروح
المشاركات: 6,398
الحمامة الحسنة is on a distinguished road
إبراهيم عيسى يكتب: رئيس في قفص

إبراهيم عيسى يكتب: رئيس في قفص





إبراهيم عيسى

الدستور الأصلي : 03 - 08 - 2011

كنت أقول للمئات المتحلقين حولى من المتظاهرين والمعتصمين نهار الإثنين 31 يناير: إن السؤال لم يعد، هل سيسقط نظام مبارك؟ بل متى سيسقط نظام مبارك؟
يحاول البعض أن يسمع بوضوح، وأحاول أن أرفع صوتى لأوضح..
لقد سقط جهاز مبارك الأمنى البوليسى وتهاوى فى ست ساعات، وسقط حزب مبارك واحترق فى لحظة، وسقطت هيبة مبارك أمام عيونكم وفى هتافاتكم وشعارات مظاهرات ملايين المصريين، فبقى أن يسقط مبارك نفسه.
وكانت الردود متقاطعة ومتداخلة.
- وماذا نفعل؟
فكنت أجيب:
- كل ساعة فى ميدان التحرير تختصر يوما من أيام نظام مبارك الباقية.
فيدوى الهتاف قادما من مسيرة آلاف تشق طريقها فى قلب الميدان بين المتظاهرين.
- «مش ح نمشى هو يمشى».
كان الهتاف مبدعا وحاسما وفيه من روح معيلة عنودة تواجه شيخوخة بليدة، كنت تسمع من يقول: «هو دماغه ناشفة واحنا أنشف»، وكنت تسمع وترى عشرات الهتافات والشعارات التى كانت تلخص حضارة سبعة آلاف سنة خلال ثمانية عشر يوما، هذا الشعب الصبور حتى التلامة فى تحمل الظلم، لا يرحم حين ينفجر، لا تأخذه شفقة، لكن ثمانية عشر يوما كانت كفيلة بتفسير آلية الثورة ضد الحاكم عند المصريين، أولا: الشعب يختار الموعد، ولو على أهون سبب وفى مناسبة لا تفرق إطلاقا عن سوابق لها سكت فيها ومررها بلا غضبة ولا انتفاضة ولا حتى عتاب!
ثانيا: هو شعب يعرف أن أنفاسه قصيرة، ولا يمكث طويلا فى الميدان، وليس له فى الحروب الطويلة منتصراً أو مهزوماً ولا فى الثورات الطويلة ناجحة أو فاشلة، لهذا هو يقضى على خصمه الفرعونى هنا بسرعة شديدة لأنه لا جولات فنية بل قاضية، لهذا كان يرفض أى التفافات على الطريق القصير للتغيير «هو يمشى إحنا نمشى».
هو ثالثا: مستعد أن يموت ولا يرفع صوته فى مواجهة حاكمه، لكن لو رفع صوته فإنه مستعد أن يموت فى مواجهة حاكمه.
ثم هو رابعا: لا يمكن أن يتنازل عن خفة ظله التى تساعده على الاستمرار، فهى بمثابة طاقة مساعدة تجديدية تزوده بالوقود لتشغيل الغضب، إنه يتبع استراتيجية إسقاط هيبة فرعونه قبل إسقاط كرسيه، وهذا بالضبط ما جعل المصريين يضربون هيبة مبارك فى مقتل، ويحولونه إلى أداة للسخرية السوداء الجارحة المحطمة للهيبة والمكانة، التى تنال من الرئيس، فتجعله عاديا ومضعضعا وساقط الاحترام والتقدير ومناطا للسخرية، فيتجرأ المتظاهر عليه وتنكسر صلابة الرئيس فى عيون مؤيديه أو الخائفين منه ومن سلطاته، خلاص رئيسك بيُهان ما الذى تنتظره إذن إلا أن يسقط، فلا يمكن أن يعيش رئيس فى حكمه بعدما بات سخرية الساخرين وموضع تطاول شعبه تنكيتا وتبكيتا!
شعب خفيف الظل يثور فى منتهى البهجة، كان ما يجرى هو نوع من بهجة الغاضبين فيما لا يمكن أن ترى له مثيلا فى العالم.. إلا عندنا.
خفة الظل التى لم تكن فى حاجة إلى أن تجهد نفسك كى تكتشفها فهى تحضرك وتحضنك من اللحظة الأولى، فضلا عن أنها كذلك تعبر عن جيل شاب تهكمى علمته رسائل المحمول الكثافة، والاختصار، والترميز، والتشفير فى الكتابة، وتدرب فى حوارات الشات والإيميلات على التهكم، والتريقة، والضرب الخشن على مواجع الألم بسخرية لا تشعر بأى شفقة، فيها من خفة ظل الشباب وعدوانيته كذلك!
كان لمبارك أن يمضى فى صمت، أن يرحل بلا تعلق وتشبث طاغية بمقعده، مقعده الرئاسى، كان يمكن أن يستجيب لهذا الغضب ويتعجل فى الخروج بعدما مزق الشعب هيبته ورهبة جهازه الأمنى القمعى الوحشى، لكنه ظل متمسكا وماسكا بحبال واهية لعلها تنقذه من الغرق، هى ذاتها الحبال التى التفت حول عنقه، حيث جعل عناده وتشبثه ومراوغته وانفصاله عن الواقع وانفصامه عن الحقيقة ملايين ميدان التحرير يومها يتحولون من نداء وهتاف «مش ح نمشى هو يمشى» إلى مطلب واضح قاطع وهو لا بد من محاكمته ووضعه فى قفص الاتهام والإدانة، أول من أدخل نفسه هذا القفص هو مبارك نفسه!





__________________

(من يُقبل اليَّ لا أُخرجه خارجاً )( يو6: 37)
(حينئذ يسلمونكم إلى ضيق و يقتلوكم و تكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل إسمي)
( مت 24:10 )
مسيحيو الشرق لأجل المسيح

http://mechristian.wordpress.com/
http://ibrahim-al-copti.blogspot.com/
الرد مع إقتباس