هناك موضوعات أخرى ينبغى التوقف أمامها بالبحث والتمحيص والرد فى مقدمتها الحوار الذى أجرته الأستاذة إقبال السباعى مع الدكتورة هالة البنا أستاذ علم الوراثة بجامعة الأزهر، والذى أعتبره نموذجا لما وصلت إليه أحوال الجامعات فى مصرنا؟! وكيف يفكر جانب ليس قليلا من أساتذة العلم.. فى العلم؟! وهو نموذج أيضا كاشف لما وصلت إليه أحوال بلادنا بين العالمين من هوان. الأستاذة الدكتورة المفترض أنها بهذه المرتبة عالم باحث متخصص منجز منتج مكتشف، لأن الغرض الأساسى هو إضافتها الجديدة إلى العلم بكشف لم يعرفه العلم من قبل كسبيل للحصول على درجة الأستاذية فى علمها التخصصى، والمفترض بهذا المعنى أن تكون مصر أكثر تقدما فى كل العلوم عن الولايات المتحدة الأمريكية لأن الحاصلين على درجة الدكتوراة فى مصر يزيد عددهم على عدد أمثالهم هناك، ورغم ذلك فإن البون هائل وفادح ولا مجال لإجراء أية مقارنة بيننا وبينهم، وهى شهادة واقع ماثل وليست حكما أو رأيا، فهل يا ترى هذا السيل من الشهادات هو أحد عوامل انتكاسة العلم فى مصر بعد أن حل فيها الفكر الدينى محل العلم؟! تعالوا نتأكد من صحة هذه الفروض من عدمها بمراجعة ما قالت أستاذ علم الوراثة! قالت: «إن إثبات أية حقيقة يحتاج إلى دليل عقلى ونقلى، وإذا كان داروين قد ذكر فى نظريته أن الإنسان أصله قرد، فهذا الكلام مخالف للدين تماما». بداية أوضح أنه لا يشغلنى شخص الدكتورة بقدر ما يشغلنى أموال الوطن المهدرة لتخريج علماء الوراثة فى بلادنا، وعلاقة الأستاذة بالعلم والبحث العلمى ومنهجه وكيف تفكر، لأن كل ذلك سينعكس على شبابنا الذين يتلقون مثل هذا العلم منها. ولأننا يجب ألا نتوقف أمام الأشخاص، فإن ما قالته الدكتورة يصبح ملك الجميع، مادام تم نشره وتعميمه، وهو ما سيكون مناط الحديث ومحاولة الفهم. ونظرا لعدم تخصص صاحب هذا القلم فى علوم البيولوجيا على أنواعها، فإننى أطرح عليها التساؤلات لنفهم ونتعلم، لكن ما لا خلاف عليه ويفترض أن يجمعنا معا هو الاتفاق على منهج التفكير العلمى وأصوله وشروطه وخطواته فى التعامل مع الموضوعات المعرفية، وفى علومنا الإنسانية، وهو مع شديد الأسف تحديد المنهج الذى لم نجده فى كلام الدكتورة بالمطلق. تقول الدكتورة: «إذا كان داروين قد ذكر فى نظريته أن الإنسان أصله قرد». إن هذه الجملة بمفردها دون شطرها الثانى، تفصح بجلاء عن كارثة، بل مصيبة قومية، إذا كان هذا هو حال دكاترة العلم فى بلادنا، وللأسف هو الأوضح والأكثر جلاء وانتشارا. إن السيدة الدكتورة لا تعلم ماذا قال داروين تحديدا، وليست متأكدة إن كان قد قال أن الإنسان أصله قرد من عدمه، فكيف أصبحت الدكتورة دكتورة فى علم الوراثة؟! ومن أشرف عليها؟ ومن منحها الدرجة؟ ومن أوصلها لدرجة الأستاذية؟ انظر إلى أساس الشرط «إذا» هنا ومرجعيته، فإذا كان قد قال: «فهذا الكلام مخالف للدين تماما»، أستاذة الوراثة كل ما يشغلها فى الموضوع هو الاتفاق مع الدين من عدمه، مع عدم معرفتنا لدرجة معرفتها بالدين وكيف نفهمه بهذا الصدد والذى قدم فيه المشاركون بالملف قراءاتهم لإثبات «إن هذا الكلام غير مخالف للدين تماما»، وهم فى ميدانهم اتفقنا معهم أو اختلفنا أساتذة أكفاء. الملحوظة الثانية أن السيدة أستاذ علم الوراثة تتحدث عن نظرية النشوء والارتقاء كما يتحدث عنها العامة الذين يسمعون أطراف كلام مختزل فى عبارات لا تشغلها الدقة العلمية ويبنون عليها مواقفهم، فهى بطول ما قالت كانت تشير إلى النظرية باسم «نظرية داروين»، لأن الفكرة العبقرية التى طرحها داروين بعد حشده الباحث وراء الأدلة عبر العالم فى رحلته مع السفينة بيجل وطرحها من بعد فى كتابه «أصل الأنواع»، ليست خاصة بداروين وإن اشتهرت مقترنة به، لكنه كان واحدا ضمن سلسلة طويلة من العباقرة منهم لويس بوفون، ولامارك، ووالاس، ومئات العلماء الفدائيين الذين عاشوا سنوات أعمارهم فى الغابات والأحراش يبحثون وراء الكائنات الدقيقة والكبيرة على الشجر وتحت الأرض وفى الصحارى وتحت البحر وفى قاع المحيط لتصبح النظرية مدعمة بآلاف الشواهد التى يبدو أنها لم تشغل الأستاذة فى شىء، وربما لا تعلم عنها شيئا. بينما هى متاحة للجميع متخصصا وغير متخصص، حتى إن هذه النظرية بالتحديد ولمخالفتها معهودا ثابتا منذ عصر الأساطير حتى اليوم، فقد كان ذلك مدعاة لحث العلماء الناشطين وراء الكائنات على مختلف الأصناف، مما حشد لهذه النظرية قرائن بالآلاف تراها العين وتشهدها الحواس، كما لم يحشد لنظرية علمية من قبل، وقد أوضح الدكتور المليجى فى نفس الملف أن كتاب «أصل الأنواع» المشهور لداروين لم يرد فيه ما يشير إلى قردية الأصل الإنسانى، إنما ساق احتمالا فى سطر واحد يضع احتمالا أن يكون التطور الذى ينطبق على جميع الكائنات قد حدث أيضا مع الإنسان المتطور عن كائنات حية أخرى. بينما تناول داروين مسألة الإنسان والقرد فى كتاب مستقل لا يقول بتطور الإنسان عن القرد، إنما بانحدار كليهما عن أصل واحد مشترك، ومن هنا لابد أن نتساءل عن مدى معرفة أستاذة الوراثة بنظرية النشوء والارتقاء أو التطور وهى تتساءل: «إن القرود موجودة ولم تندثر، ولم نلحظ أن هناك قردا تحول إلى إنسان أو أنه ولد إنسانا؟!»، لذلك تصدر حكمها بقولها : «فنظرية داروين فى هذه الجزئية نظرية ساقطة تماما». إن الدكتورة لاشك تعلم كما يعلم العوام أمثالى أنا والقراء من قراءات بسيطة بهذا الصدد أن العلماء قد عرفوا الكثير من المعلومات عن نبات وحيوان تعود إلى أزمان سحيقة فى القدم من حفرياتها، وأننا نعلم أن أجدادنا البشر أو الأناسى أو الإنسان - حسبما يرى الموفقون بين العلم والدين - قد أصبحوا إنسانا حقيقيا بالمصطلح المعتاد منذ إنسان جاوه المحدود الذكاء لأن حجم جمجمته كان 900 سم 2، ثم إنسان بكين الأكثر ذكاء والذى عاش منذ 100 ألف سنة وبلغ حجم جمجمته 1200 سم2، ثم إنسان دوسلدورف وعاش منذ 100 إلى 40 ألف عام بتفوق أكثر فى القوى العقلية، ثم كرومانيون الذى عاش ما بين 30 و40 ألف عام والذى ينتسب إليه الإنسان الحالى العاقل الهوموسابينس. السيدة الدكتورة تقول: «إن التطور يكون فى إطار الكائن الواحد، وليس هناك تحول كائن إلى كائن آخر»، لكن ألا ترى الدكتورة أن تطور الإنسان عبر المراحل المذكورة هو تحول من كائن إلى كائن آخر؟! وبالفرض أن هذا التطور كان داخل نوع واحد هو الإنسان، فما كان أغبى أبينا آدم بهذا المعنى، وهو حسب إيمان الدكتورة نبى لا يمكن وصفه بالغباء، وإذا كان هذا ما نعلمه من تطور إيجابى يزيد كل حلقة تحسنا وذكاء وتطورا، ألا يعنى هذا أننا بالعودة إلى الجانب السلبى فى الاتجاه المعاكس، إننا سنلتقى حتما مع القردة فى جد مشترك؟! ثم ألا ترون معى أن موقف الدكتورة ضد كل ما تعلمته كأستاذ وراثة، وأنها ترفض هذا العلم؟ فلماذا هى إذن حتى الآن تعمل بهذا العمل؟! لماذا لا تتركه وتتفرغ للدعوة؟ وهل كانت مراجع الدكتورة العلمية حتى حصولها على هذه المرتبة كانت الحديث والفقه والتفاسير أم كانت مراجع علمية تقوم كلها على نظرية النشوء والارتقاء؟ ألا ترون الشخصيتين بداخل كل منا، كل فى ميدانه، حتى فى ميدان الأحكام القانونية نتعامل مع القانون المدنى فى كل حياتنا، لكننا نرجع أخص خصائص ضميرنا إلى الفتوى الشرعية؟ وقد قالت الدكتورة مبهرات كثيرة كقولها السالف: «إن إثبات أى حقيقة يحتاج إلى دليل عقلى ونقلى»، ونقلى أى نقلا عن الكتب المقدسة، ويضاف إليها أحيانا كتب الأصول كتفسير. المبهر أنها بعد ذلك تقول: «لا تعارض بين العلم والدين»، فلماذا تفرق هى بين العقل والنقل، ولماذا لا نلجأ للعلم وكفى مادام يتفق مع الدين؟ الدكتورة كأنها تقول إن النقل يختلف عن العقل ثم تقول إنه لا يختلف، فهل هناك إرباك فى المفاهيم أبعد من هذا؟! بينما لو أرادت الدكتورة إثبات إيمانها مع عدم تخليها عن العلم الذى أعطته عمرها درسا فى النشوء والارتقاء وقراءة ومتابعة حتى تصل إلى منصبها، كان أولى بها أن تقول إن الدليل النقلى هو دليل عقلى، يليق بمعقول زمانه، فقد كانوا أصحاب فكرة مناهج خاصة تجعل معقولهم غير معقولنا اليوم،
__________________
We will never be quite till we get our right.
كلمة الصليب عند الهالكين جهالة و اما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله "كور 1 -1:18"
( سيظل القران اعجاز لغوى فى نظر المسلمين الجهلاء فقط.
لان معظمهم لايستطيع الكتابه بدون اخطاء املائيه )
آخر تعديل بواسطة Zagal ، 16-01-2005 الساعة 09:44 PM
|