عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 03-03-2005
الصورة الرمزية لـ makakola
makakola makakola غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,270
makakola is on a distinguished road
تابع موضوع عن الجهاد كما وعدت العزيز معتز

قال القرطبي (وقسم ثانٍ من واجب الجهاد فرض أيضًا على الإمام .. إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة، يخرج معهم بنفسه، أو يخرج من يثق به ليدعوهم إلى الإسلام، ويرغمهم ويكف أذاهم ويظهر دين الله عليهم حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد، ومن الجهاد أيضًا ما هو نافلة، وهو إخراج الإمام طائفة بعد طائفة وبعث السرايا في أوقات الغرة وعند إمكان الفرصة والإرصاد لهم بالرباط في موضع الخوف وإظهار القوة) القرطبي 8/152.
القول الثاني : أن يجب غزو الكفار في عقر دارهم كلما أمكن ذلك من غير تحديد بعدد .
قال ابن حجر عن هذا القول : (وهو قوي) الفتح 6/28
وقال القرطبي : (والتثاقل عن الجهاد مع إظهار الكراهة حرام) القرطبي 8/141.
وهذا القول وإن لم يقل به الجمهور فإنه هو الذي تبرأ به الذمة في نظري والله أعلم بالصواب وذلك لما يلي:

1ـ أن النصوص الآمرة بالجهاد لم تحدده بعدد، فالتحديد زيادة على النصوص، وأما القول بأن الجزية لا تجب إلا مرة واحدة في العام وهو بدل عنه فلا يسلم، فالجزية حكم شرعي له حكمة عظيمة، منها إظهار ذل الكفار وعز المؤمنين، ومنها إعطاء الكفار فرصة بمخالطتهم للمسلمين تحت أحكامهم، فإذا رأوا أحكام الإسلام العادلة، أسلم من فيه خير منهم، فليست الجزية بدلاً عن الجهاد مطلقًا، فللمسلمين أن يصالحوا الكفار مدة من الزمن، ولا يقاتلونهم وقت الصلح وليس الصلح بدل الجهاد .

2ـ أن مجاهدة الكفار وغزوهم في ديارهم كلما أمكن ذلك هو اللائق بغاية الجهاد فإن من أهم غايات الجهاد إزالة الفساد من الأرض ومد سلطان الإسلام على الأرض كلها ولا يسقط وجوب الجهاد عن المسلمين إلا بعد تحقيق الغاية العظمى وهي الاستيلاء على الأرض كلها، حتى لا يبقى شبر واحد إلا وهو خاضع لحكم الإسلام، أو بعد أن يبذلوا وسعهم في سبيل تحقيق غاية الجهاد، فعند ذلك يسقط عنهم الوجوب، لا لأن الغاية تحققت، بل لأنهم بذلوا ما استطاعوا ولم يكلف الله نفسًا إلا وسعها، قال تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) ومن أجل ذلك قال ابن حجر عن هذا القول ـ أعني وجوب الجهاد كلما أمكن ـ أنه قوي كما تقدم، إضافة إلى أن القول بأن غزوة واحدة في السنة يسقط بها الوجوب، ربما جرأ من يتولى أمر المسلمين ممن لم يكن لديهم إخلاص شديد لنشر الإسلام على التساهل في أمر الجهاد، والقيام بغزوة واحدة لا يعد لها العدة الكافية خروجًا من الوجوب، فحسب كما حصل في بعض العصور الإسلامية إبان ضعف بعض حكام المسلمين وانشغالهم بتوافه الأمور عن عظائمها .
3ـ تعليق غزو الكفار بالإمكان أولى من تعليقه بعدد معين، لأن الجهاد معناه بذل الوسع والطاقة في مجاهدة الكفار، وليس ممارسة الجهاد في جهة واحدة من جهات المسلمين بكافية، بل الواجب على المسلمين في حال الاستطاعة مجاهدة من يليهم من الكفار .
قال ابن عابدين في حاشية رد المحتار (وإياك أن تتوهم أن فرضيته تسقط عن أهل الهند بقيام أهل الروم مثلاً ..)4/124
ويكون غزو الكفار في عقر دارهم فرضًا عينيًا في صور ذكر منها العلماء ما يلي :
1ـ إذا عين إمام المسلمين شخصًا بعينه للجهاد .
2ـ إذا كان النفير عامًا، كأن يستنفر الإمام أهل قرية أو ناحية .
3ـ إذا كان للمسلمين أسرى عند الكفار حتى يستنقذوا ما بأيديهم .
4ـ إذا حضر المسلم جيش المسلمين في حال قتال مع الأعداء، فإته يجب عليه الجهاد .
ويشترط لوجوب جهاد الابتداء والطلب على المسلم خمسة شروط :
1ـ التكليف .
2ـ السلامة من الضرر .
3ـ الحرية .
4ـ الذكورية .
5ـ الاستطاعة .
والكلام على هذه الشروط مبسوط في كتب الفقه .
وما تقدم مما نقلناه عن العلماء لا يعد إلا نزراً يسيراً من جملة كلامهم في تقرير فريضة جهاد الطلب، ورغم كثرة أقوالهم في مسألة جهاد الطلب وبسطهم للأدلة فيها إلا أن الله أعمى عنها طائفة ممن ينتسبون للعلم فزعموا أن الجهاد جهاد دفع فقط، وحصروا الجهاد بالدفع وحاولوا لي أعناق النصوص وتأويل أقوال العلماء لنفي فريضة جهاد الطلب وغزو الكفار في عقر دارهم، فتارة يتحدثون عن قول الله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدو إن الله لا يحب المعتدين) وأخرى يتحدثون عن سماحة الإسلام وقوله تعالى (لا إكراه في الدين) وأن الإسلام لا يجبر الناس على الدخول فيه، وطلب الكفار وغزوهم في دارهم لإدخالهم للإسلام بالقوة يخالف هذه الآية، ومنهم من ادعى كاذباً أن كل غزوات النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت جهاد دفع لا طلب، إلى غير ذلك من الحجج والأباطيل الواهية التي حاولوا بها طمس حكم تواترت فيه النصوص وتوارد عليه العلماء وعملت به الأمة قرناً من بعد قرن، وحالهم كحال مريد لحجب ضوء الشمس بكفه نسأل الله لنا ولهم الهداية والاستقامة على طريق الحق .
النوع الثاني:
جهاد الدفاع
وحكمه : فرض عين على المسلمين عمومًا حتى يندفع شر الأعداء وهذا بإجماع علماء الإسلام .
قال الجصاص : (ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ولم تكن فيهم مقاومة فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم، أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم من المسلمين، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة، إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم) الجصاص 3/114
وقول القرطبي : (إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بحلوله بالعقر، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافًا وثقالاً، شبابًا وشيوخًا، كل على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه، ومن لا أب له، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم و جاورهم أن يخرجوا على حيب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم، وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضًا الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها، سقط الفرض عن الآخرين .
ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضًا الخروج إليه حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة، وتحفظ الحوزة، ويخزى العدو ولا خلاف في هذا)القرطبي 8/151.
ولا أطيل بذكر نصوص العلماء في هذا الشأن فإن كون جهاد الدفاع فرض عين محل إجماع
(أهمية الجهاد124 - 135)
إلا أن حكم تعين الجهاد إذا داهم العدو بلاد المسلمين أو قارب المداهمة، لم يسلّم به طائفة من المنهزمين ممن ينتسبون للعلم أيضاً، وأنزلوا نصوص جهاد الطلب وحكمه على هذا النوع من الجهاد، فكان منهم نفي تعيّن الجهاد وإثم مجموع الأمة بالتخلف عن الدفاع عن ديارها بغير عذر، ولهم في ذلك حجج واهية فمنهم من أنزل أقوال العلماء في نوع جهاد الطلب على نوع جهاد الدفع فألغى جهاد الطلب وجعل الجهاد نوعاً واحداً وحكمه فرض كفاية ونسب هذا القول الآثم لجمهور العلماء، ومنهم صاحب ورع ممقوت ويقول لا يمكن تصور تأثيم الأمة جميعاً بترك دفع العدو عن بلاد المسلمين ولم يعجبه الإجماع على تأثيم كافة الفقهاء للأمة إذا تركت جهاد الدفع، ومنهم من يقول الإجماع في هذه المسألة من الناحية النظرية صحيح ولكن لا يتصور تطبيقه عملياً، ومنهم من يقول إذا تعين جهاد الدفع فمعنى ذلك أن المسلمين خرجوا جميعاً للجهاد فمن يبقى في الديار، ولهم كثير من الحجج الباطلة التي تحتاج إلى مصنف مستقل لبسطها فضلاً عن الرد عليها .
الرد مع إقتباس