الأساطير كانت متوافقة مع عصرها لكنها تشبه اليوم الفلكلور اللطيف
· العقيدة الإسلامية مليئة بالأساطير، كيف يمكن تنقيتها من كل هذه الشوائب؟
كل الأديان مليئة بالأساطير وليس الإسلام وحده، بل ربما كان الإسلام هو أقل الأديان احتواء على الأساطير ، لكنه يعتمد كسر قوانين الطبيعة بالمعجزات كأدوات دالة على النبوة والاتصال بالقوى السماوية، فهو يعتمد كثير من الأساطير عن الملك الإسرائيلي سليمان ، ولمحمد معجزة خاصة في الإسراء بالبراق الأسطوري ثم المعراج إلى السماء على سلم من نور، وأساطير عربية مثل ناقة صالح التي أنجبتها صخرة وغيرها. لكن لا أعتقد أن مهمتنا عصرنه الإسلام بهذا المعنى أو تنقيته من الشوائب كما تقول، لأنها لم تكن شوائب في زمنه بل متوافقة مع منطق قائم في أديان أخرى تصدقها أمم بكاملها على أنها حقائق. وقد قبل مسلمو عصر النبوة هذه المعجزات واعتبروها دلائل على صدق النبوة. لكن المشكلة أن مسلمي اليوم لم ينغرسوا في مناهج عصرنا كما إنغرس أهل الغرب، لذلك تحولت أساطير الكتاب المقدس إلى ما يشبه الفولكلور اللطيف، وليس عن اقتناع بإمكان كسر قوانين الطبيعة اليوم كما هو حال الاعتقاد الإسلامي في انتظار خلاص إعجازي أدى إلى تبلد عقلي طويل. ومع التبلد تغيب الحقائق ومن ثم الإرادة والعقل والفعل انتظاراً للحل الإعجازي. لذلك علينا أن نقبل مأثورنا كما هو دون غربلة ولا تنقية إلا فيما هو ضروري كإضافة للموجود فعلاً وليس مزيحاً له ولا مغيباً له، لأن في قراءته فوائد جمة تضئ لنا ذلك الزمن وكيف كان يفكر وماذا كان منطقة في القبول والرفض، إضافة إلى أنها تلقى ضوءاً على أشكال المجتمع ونظمه لمن أراد درسها بغض النظر عن الإيمان بهذه الأساطير ( الشوائب) من عدمه.
تفعيل الجهاد اليوم دون اعتبار للمتغيرات الكونية جعلنا نحن الغنائم
* ترفع الجماعات الإسلامية شعار الجهاد في العراق وفلسطين فهل ترى أنه مازال بوسع هذا التيار تحريك الشارع ؟ أم أنه شعار ينتمي إلى الماضي ولا يصلح للفكر المعاصر والقرن الحادي والعشرين؟
مسألة تحريك الشارع ليست وحدها الدافع الأمثل لاعتماد الجهاد من عدمه، لأن هذه الحركة قد يكون لها مضار أكثر من المنافع، لأن المطلوب هو الحركة الرشيدة المنتجة وليس الحركة العشوائية التي قد تأتى بكوارث. وإذا كان تطبيق هذا المفهوم في زمنه مجدياً فلأنه كان هناك فراغ قوي دولي يحتاج إلى من يملأه وقد ملأه العرب، ولأن موازين الضعف والقوة تحولت إلى صالح العرب فقد أقاموا إمبراطورية في حينها، وهي ذات القوانين التي تفعل فعلها اليوم لكن بعد أن انقلبت المعادلة لغير صالحنا وأصبحنا الطرف الأضعف إزاء قوى تملك السيطرة على البر والبحر والجو وما تحت الأرض بمناهج وفلسفات تختلف بالمرة عن زمن الجهاد . وإذا كان الجهاد قد حقق للمسلمين زمن ظهوره الغنائم، فإن تفعيله اليوم دون اعتبار للمتغيرات الكونية عبر أربعة عشر قرناً جعلنا نحن الغنائم .
مفهوم الجهاد اليوم مفهوم طائفي عنصري مرفوض بلغة العصر
واليوم هناك مفهوم الكفاح الوطني الذي لا يكافح لا من أجل الله ولا من أجل الجنة ولا من أجل الحور العين ولا لنصره الدين ولا الدفاع عن مسجد له رب يحميه، ولكنه يكافح لتحرير وطنه وإرادته من الاحتلال، ويشارك في هذا الكفاح أهل الوطن من كل ملة ودين وعنصر، ويكسب تعاطفاً عالمياً ودعماً لابد أن يؤدى إلى انتصاره في النهاية. أما مفهوم الجهاد فهو مفهوم طائفي عنصري ‘يقصى من العمل الوطني كل أبناء الوطن من غير المسلمين، ويدافع من أجل الله ومقدساته قبل وطنه. ويؤدى إلى نفور الضمير الدولي الذي تجاوز العنصرية والطائفية وأصبحت لغات مرفوضة بل ومرضية. ومع تقسيمه المواطنين واستبعاد بعضهم من الفعل _فيما يفعل مفهوم الجهاد _ فإنه يشق الصف الوطني شقاً ويمزق وحدته أشلاءً.
الجهاد كان صالحاً لزمانه ، ولم يعد يصلح الآن بالمرة
ثم أن مفهوم الجهاد مفهوم واسع وضع في زمن مفارق لزماننا على كل المستويات، لأنه استوعب ظرفه العالمي آنذاك ووضع على عاتق المسلمين فتح بلاد الدنيا وإخضاعها للمسلمين . وإن ذلك واجب على كل مسلم. وهو ما يحمل ضمناً العداء المسبق لكل شعوب الدنيا بسبب العقيدة وحدها وهى ما لا يكفى اليوم مبرراً، ويحتاج تفعيلة إلى قوة عظيمة لا نملك منها شيئاً ، دون أي محاولة لفهم سياسي ناضج لأحوال عالم اليوم وضرورات عقد التحالفات أو فكها على أسس مصلحية دقيقة ليس فيها مجال للعنتريات الطائفية أو العنصرية.
ما فعله المجاهدون عبر تاريخنا غير الجميل يحتاج الاعتذار عما ارتكبوه من فظائع
وعلى المستوى الأخلاقي فإن مفهوم الجهاد يفترض ملاحق له تتمثل في الإغارة والسلب والنهب والسبي وركوب نساء العدو، لأن الغنائم ‘أحلت لنا ولم تحل لأحد من قبلنا، كما قال النبي محمد في حديثه الصحيح، وصادق عليه القرآن بآيات تقفو بعضها بهذا المعنى. وهذه الملاحق قد تجاوزتها الدنيا واصبح للحروب قواعد أخلاقية مرعية بوثائق دولية ترعى كرامة الإنسان حتى لو كان محارباً. كذلك يحمل مفهوم الجهاد قوة دفع استعمارية لحوحة لاحتلال البلاد الأخرى ونقل ثرواتها وتغيير ثقافتها. لكن الجهاد عندنا ‘مبرر بأخلاق دينية ترى المجاهد في أرقى الدرجات حتى لو فتح البلاد وقتل الناس وانتهك الأعراض وسلب الأموال، بينما ترى المدافع عن بلاده وحياته وعرضه هو الآثم لأنه يمنع المجاهد من نشر دينه. وما أبشعه منطق أن صلح في زمانه فهو لم يعد صالحاً لزماننا بالمرة، بل أنه لم يعد مصدر فخز بأي معنى من المعاني ، بل إن ما فعله المجاهدون عبر تاريخنا غير الجميل يحتاج من العرب اعتذاراً واضحا عما ارتكبوه من فوادح الآثام العظام في حق الشعوب المفتوحة في تلك الأزمان البربرية.
|