الفقهاء أحلوا أنواع الربا التي لا تتضمن استغلالاً للحاجة
أما في نطاق المعاملات المدنية فلم ترد نصوص قاطعة من ذلك الآية القرآنية : "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" وهى وصية عامة لا تنظم العقود ولا ترتب جزاءات، ولا تبين طرائق الفسخ ووسائل التعويض. والآية " وأحل الله البيع وحرم الربا" دون أن تبين الآية ما هو البيع وما هو الربا، ولم يثبت أن النبي حدد هذا أو ذاك، وإنما ترك الأمر للفقهاء، وكان بعضهم متشدداً كما كان بعضهم ميسراً، ومع كل فإن الفقهاء اعتبروا بعض العقود حراماً مثل عقود المضاربة وبيع الغرر ( المجهول)، رغم أن القرآن لم يحدد بيوعاً محرمه، وكذلك فإن الفقهاء أحلوا بعض أنواع من الربا، مثل ربا الفضل أي الربا الذي يعطى فيه الدائن عند السداد زيادة فضلاً منه وليست اشتراطاً عليه. وكذلك أحل بعض الفقهاء أنواع الربا التي لا تتضمن استغلالاً للحاجة. ويلاحظ أن إيران الدولة الإسلامية لها دستور، هو الدستور الإسلامي الإيراني، كما يلاحظ أن نظام المعاشات الذي يتمتع به كبار السن والأرامل واليتامى والأطفال في كثير من البلاد الإسلامية، هو في حقيقته تطبيق لعقد من عقود الغرر، أي المضاربة لأن الموظف أو العامل يدفع حصة من راتبه مقابل الحصول على المعاش، ولا يعرف المواطن ولا الحكومة متى سيموت الموظف؟ ومن الذي سوف يستحق المعاش؟ وإلى أي مدى سوف يصرف المعاش؟ فبالمعنى الحرفي تعتبر كل المعاشات نتيجة لعقد من عقود الغرر التي تكون باطلة، ولا يجوز صرف هذه المعاشات التي يستفيد منها شيوخ الأزهر والمفتيين وعلماء الدين وهنا نذكر بيت شوقي:
أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس
الإسلام دين ودولة عبارة ببغاويه، ولم يرد لفظ دولة لا في القرآن ولا في المعاجم
أما عبارة " الإسلام دين ودولة " فهي عبارة ببغاويه، لا أساس لها على الإطلاق في العقيدة الإسلامية، ولا في التاريخ الإسلامي، ففي القرآن إشارة للمسلمين بأنهم أمة، والأمة كما ذكرنا من قبل لفظ من أصل عبري،يعنى القبيلة وقد رفع الإسلام معناه لتكون الرابطة بين أمة المسلمين، تقوم على الوشائج الروحية والمنساك المعتقدية والأخوة الإيمانية، بدلاً من رابطة الدم القبلية، وكان أعداء النبي يتصورون أنه ملك أو أنه يسعى إلى الملك، وهذا ما جاء عن لسان أبى سفيان عندما قال للعباس عم النبي يوم فتح مكة: " إن ملك ابن أخيك اليوم عظيم" فرد عليه العباس قائلاً: "إنها النبوة وليست الملك"، غير أن أبا سفيان قال:"أما هذه _ يقصد النبوة _ ففي نفسي منها شئ"،أي أنه لا يعتقد فيها. ومثل أبو سفيان كثيرون، رأوا أن الإسلام ‘مْلك، خاصة وأن الخلفاء والأمويين والعباسيين عززوا هذا المفهوم، وفى كل الولايات التي انفصلت عن السلطة المركزية كانت التسمية لها "إمارة" أو"سلطة" أو"مملكة" لكن واحدة منها لم تتسم باسم "الدولة " أبداً. فلفظ الدولة لم يرد في القرآن ولا معاجم اللغة العربية، الذي يوجد في القرآن هو لفظ "‘دْوَلة" قال تعالي"لكي لا يكون ‘دولة بين الأغنياء منكم"، بمعنى التداول وصار يجرى على ألسنة بعض الناس عمن تدور له الدنيا، أي تعطيه الدنيا المال أو الأولاد أو السلطة، أن الزمان دال له،أو أن هذه الأيام هي دولته.
نابليون عندما غزا مصر ذكر لأول مرة كلمة "دولة"
وعندما غزا نابليون بونابرت مصر، كتب منشوراً إلى المصريين يقول فيه، أنه جاء ليقضي على دولة المماليك، ويقيم للمصريين دولة خاصة بهم، وهو في هذا الاستعمال إما أنه كان يقصد بدولة المماليك انقياد الدنيا لهم، أو كان متأثراً باللفظ الفرنسي الذي كان قد نشأ مع الثورة الفرنسية. ومع الوقت بدأ استعمال لفظ دولة بمعنى state الإنجليزية، وفى الدستور المصري الذي وضع سنة 1923 استعمل المشرعون للتعبير عن مصر لفظ الدولة، فبدأ الدستور بعبارة الدولة المصرية، ولعلهم قصدوا بذلك ألا تنسب إلى الملك فتسمى مملكة. ومن هذا الوقت استقر لفظ الدولة بذاك المعنى في الاستعمال العربي الدارج، وخاصة وأن مصر كانت ولازالت هي المنارة الفكرية للعالمين العربي والإسلامي. وفى مجلة "المحاماة الشرعية" العدد الأول الصادر أول أكتوبر سنة 1929 كتب الدكتور عبد الرزاق السنهوري مقالة عنوانها"الإسلام دين ودولة"، وكان ذلك نتيجة لحصوله من جامعة فرنسية على رسالة دكتوراه عن الخلافة وخلال كتابة ومناقشة هذه الرسالة، وقع تحت تأثير المستشرقين والأساتذة الفرنسيين الذين خلطوا التاريخ الإسلامي بالعقيدة الإسلامية، وفهموا أن النبي كان ‘ينشئ ‘ملكاً على أساس الدين، ولم يؤسس ديناً يكوّن أفراداً مؤمنين على مستوى كفء وعال. وبهذا أدخلوا في ذهنه أن الإسلام دولة ودين.
تلقف حسن البنا عبارة السنهوري، كما تلقف عبارات السلطان عبد الحميد
ووصف الرسول بالزعامة فيها إساءة لمقام النبي
ولما نشر هو هذه العبارة كما سلف البيان، تلقفها حسن البنا وجعلها من شعاراته كما تلقف شعارات السلطان عبد الحميد التي مفادها " القرآن دستورنا" و"الشريعة هي قانون المسلمين" أما قوله "الرسول زعيمنا" فهي إساءة لمقام النبوة، لأن الزعامة في اللغة العربية تتصل بالرياسة السياسية، والنبي نبي الله ورسوله ولم يوصف بالزعامة في أي آية قرآنية، أو في أي حديث صحيح أو متواتر أو مشهور، إنما كان القصد من الشعار هو نفى الزعامة المدنية التي كانت تؤرق الفرنسيين والإنجليز، الذين ساعدوه منذ نشأته حتى مقتله، فكان الهدف هو سحب بساط الزعامة من تحت قدم مصطفى النحاس زعيم الوفد وزعيم الشعب آنذاك، لكي تنسب الزعامة للرسول وحين توضع موازنة مخطئة ومغالطة مقصودة بين مقام النبي وشخص أي زعيم، فإن الفوز سيكون لمقام النبوة حتى ولو كان القول هزلاً وما هو بالجد.
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
|