يتبع
؟ إن التساوى عند العريان هو فى خضوع الجميع على قدم المساواة فى الخضوع، فهو يخضعنا سلفا وبافتراض غير قابل للنقاش أن الإسلام هو المرجعية للدولة لأنه عقيدة الأغلبية، لذلك هو حضارة الجميع مسلم وغير مسلم، ولا يلتفت العريان إلى استخدامه لمفردات باطلة لا معنى لها مطلقا، مفترضا لها معنى يعرضه علينا، كقوله «إن الإسلام حضارة الجميع»، لأن الإسلام ليس بحضارة فالحضارة منجز الإنسان، أما الإسلام فهو منجز سماوى، وفى مسألة الأقلية والأغلبية لا تخضع الأغلبية والأقلية لدين طائفة الأغلبية لأنها أغلبية، فهذا هو الظلم عينه، وانعدام المساواة الكامل، بل إن دول الغرب الحر اليوم تتحسس مسألة الأقلية بشدة، وتبالغ فى تكريمها وإعطائها حقوقا تفوق حقوق الأكثرية. المساواة إذن بخضوعنا مسلمين ومسيحيين وسنة وشيعة وملحدين لذات الشريعة، الشريعة التى تفرق ليس بين المسلم وغير المسلم فقط، إنما بين المسلم والمسلم حسب المراتب الاجتماعية التى قننها ونفذها عمر بن الخطاب فى توزيع الخراج والفىء والسبايا حسب منازل العرب. المساواة ستتم تحت ما يقول أنه «سقف هذا المجتمع .. شريعته الإسلامية التى يحتكم إليها كل أفراد المجتمع ويحترمونها بمن فيهم المسيحيون لأنها شريعة محترمة»!! المساواة الإخوانية تطلب خضوع المسيحيين للشريعة الإسلامية لأنها شريعة محترمة؟! وماذا عن الشريعة المسيحية، وماذا عن غيرها من الشرائع هل كلها غير محترمة؟ وماذا عن شريعة القانون الوضعى؟ إنه يهين نصف الوطن ويترفع عليه برؤيته المحترمة التى تبرر له السيادة على الجميع، فيتساوى الجميع فى الدولة الإسلامية المدنية ولا يعد على المسلم هينا قول عريان «إن الشعب من حقه أن يولى الحاكم وأن يحاسبه وأن يعزله» ثم يتذكر أنه ليس فى الإسلام عزل للحاكم ويستطرد موضحا «لفترات محددة» يعنى عزلا تأديبيا لمدة محددة يعود بعدها الحاكم للحكم؟ أى نظام هذا؟ ومتى حدث فى تاريخ الإسلام؟ ومتى حدث أن قام الشعب بتولية الحاكم، إن النموذج الراشدى نفسه يقول أن العرب لم يحضروا بيعة أبى بكر، ولم يوافقوا عليها فشن عليهم أبو بكر حروب الردة، ورفض الموافقة على هذه البيعة كبار الصحابة مثل على والزبير والعباس وغيرهم الذين اجتمعوا فى بيت فاطمة فأمر أبوبكر عمر أن يأتى بهم ليبايعوا ويعلنوا موافقتهم وقال له «إن أبوا فقاتلهم وحتى يخرجوا أخذ نارا ليشعل عليهم البيت، هكذا كان ترشيح أول خليفة، وهكذا كانت بيعته؟ وهو من رشح عمر من بعده وليس الشعب، ومن عارض تم قتله حتى لو كان صحابيا جليلا مثل سعد بن عبادة، وعمر هو من رشح ستة بشروط كانت لابد أن تفضى إلى خلافة عثمان، ولم يكن الشعب حاضرا للمرة الثالثة.. ولم يحضر بعدها أبدا إلا لقتل الخليفة عثمان. وفى دولة الخلافة تم قتل الخلفاء الراشدين الأربعة بمن فيهم أبو بكر فى معظم الروايات التى تؤكد موته بالسم شهيداً ولا تعلم كيف يقتل الراشدون العادلون؟! بعدلهم؟! تعالوا نتذكر كيف حكم الراشدون وهم القدوة العليا للإخوان لنعلم كيف سيحكمنا الإخوان لا قدر الله. قامت دولة الراشدين على سلطة ضميرهم كصحابة، وكانت هذه السلطة هى العمود الرئيسى لخلافتهم وأيضا للدولة، فلم تكن عندهم أية خبرات إدارية ولا سياسية ولا تنظيمية ولا رقابية ولا تشريعية بعد انقطاع الوحى، قامت الدولة على بركة الله وبركة المبشرين بالجنة، لذلك لم تتمكن من حماية حكامها، حتى تقاتل الصحابة صراعا على السلطان، دون أن يستطيع أحدنا لومهم وهم أهل الجنة بقرار سماوى، فهل إخواننا الإخوان يصلحون لنا صلاحية الراشدين لزمانهم؟ هل يصونون لنا أرواحنا عندما يحكمون اعتمادا على سلطة الضمير؟ لأنهم حتى يحكموا إسلاميا سيحكمون بالشريعة كما أكد عريان من هنيهة، وهو ما يحيل إلى سلطة الضمير التى انتهت بانتهاء الصحابة، ولا يستطيع أحدنا اليوم أن يزعم امتلاكها، فهل يرى عريان نفسه كفؤا لأبى بكر أو عمر أو حتى عثمان؟ وهلا يتذكر عريان أن دولة السلف الصالح التى يحلمون بها لم تستمر سوى ستة عقود، فما أن ذهب الصحابة حتى ذهبت معهم دولتهم؟ لأنها كانت قائمة على ضمير مبرر بصحبة الرسول وتأدبهم بأدبه، وبذهابهم ذهبت معهم سلطة الصحابة وسلطة الضمير، إنهم يسمونها دولة وما كانت بدولة، الدولة لها آليات كانت تعرفها. شعوب الحضارات حول الجزيرة من حدود جغرافية إلى هوية تاريخية ومجتمعية إلى قانون ونظام حكم وموارد ثابتة واقتصاد متين لا يعتمد على منتجات الحرب من جزية أو بيع بشر، كانت دولة المدينة اتحادا فيدراليا للقبائل حرفتها جميعا الكر والفر ومهاجمة القوافل والدول الغنية المجاورة بالفتوحات، ولغياب آليات الدولة لإدارة هذه الرقعة الشاسعة تفككت الدولة وانتهت بمقتل جميع من حكمها. فإذا قال الإخوان أنهم يريدون هذا الشكل من الحكم فإننا نرفضهم فوراً لأننا لسنا فى حاجة إلى إعادة مرارة التجربة الأولى التى هى درس لنا للعظة، وإن قالوا بالمساواة بين المواطنين وبالقانون وبالدستور وبهياكل إدارة الدولة، فكله قول لا علاقة له بالإسلام، وعليهم إعادة تسمية جماعتهم بما يوافق ما يطلقونه هذه الأيام من مفاهيم واصطلاحات محدثة ومبتكرة إنسانية الصنع لا علاقة لها بأى دين من الأديان. أما ثالثة الأثافى فى قول العريان فهى إيمان الإخوان بفصل السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، وفى عهد رسول الله قد جمع فى يديه جميع السلطات بما له من سلطة دينية فكان هو المشرع وهو القاضى وهو المنفذ وهو قائد الجيوش وهو من يوزع الأموال التى تأتى بها الغزوات، بيده كل شأن تقريبا، إلا فى حالات شواذ نوادر قال فيها المسلم رأيا لخبرته فيه، فتم الأخذ به وعلى سنة الرسول سار خلفاؤه.
|