المحكمة الجنائية الدولية وقضية الأقباط
د. سليم نجيب
2003 / 6 / 30
نبذة تاريخية
في مدينة روما يوم 17 يوليو 1998 وافقت مائة وعشرين دولة على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية. وهذه المحكمة تختلف عن محكمة العدل الدولية من حيث الاختصاص. فمحكمة العدل الدولية تختص بالفصل في المنازعات بين "الدول" فقط بينما المحكمة الجنائية الدولية التي نحن بصددها تختص بالفصل في الجرائم المرتكبة من "أفراد مسئولين في دولة ما". ولقد حدد قانون إنشاء تلك المحكمة الجرائم الواقعة تحت طائلة القانون مثل جرائم الإبادة وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.. الخ التي سوف نراها تفصيلا فيما بعد.
إن تأسيس المحكمة الجنائية الدولية لهو حدث تاريخي لأنه ينشئ –ولأول مرة- محكمة جنائية دولية. محكمة مستقلة محايدة تختص بمحاكمة ومعاقبة أفرادا مسئولين في دولة من الدول لارتكابهم جرائم دولية منصوص عليها في قانون إنشاء المحكمة الجنائية. فتستطيع المحكمة، عند إدانتها هذا المسئول الذي ارتكب تلك الجرائم ضد أفراد هذه الدولة، أن تحكم على الجاني بالسجن أو بالغرامة أو مصادرة ممتلكاته.
إن نجاح هذه المحكمة سيتوقف على مدى استعداد الدول في احترام ميثاقها والتعاون والعمل على تنفيذ أحكام قانون المحكمة. إن إنشاء تلك المحكمة لهو خطوة إلى الأمام لخير البشرية والأفراد وردع كل مسئول في أية دولة في العالم أن يراعي احترام القانون وحقوق الإنسان حتى لا يقع تحت طائلة المحكمة الجنائية الدولية.
هذا ولقد وقعت 120 دولة بالموافقة على تأسيس وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية في مدينة روما يوم 17 يوليو 1998. ولقد وقعت مصر عليها يوم 26 ديسمبر 2000 ولكنها لم تصدق عليها حتى يومنا هذا. وللعلم فمنذ أول يوليو 2002 بدأ تنفيذ العمل بالمحكمة فتم تعيين القضاة يوم 12 فبراير 2003 والمدعي العام عين يوم 21 أبريل 2003. وستبدأ المحكمة الجنائية الدولية النظر في الشكاوي المرفوعة أمامها منذ النصف الثاني من هذا العام. أما بالنسبة للنظر في القضايا فلن تكون قبل نهاية عام 2004 طبقا لما قرره الخبراء في هذا الصدد.
وللعلم فان اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لن تنظر إلا في الجرائم التي ارتكبت بعد أول يوليو 2002. وهو تاريخ بداية نفاذ أحكام قانون تلك المحكمة. وذلك طبقا للمواد 11و22 من النظام الأساسي لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية.
حاجة المجتمع الدولي للمحكمة الجنائية الدولية
لقد أدركت الدول أن ثمة روابط مشتركة توحد جميع الشعوب وأن ثقافات الشعوب تشكل معا تراثا مشتركا وأن هذا النسيج الرقيق يمكن أن يتمزق في أي وقت.
لقد وضعت الدول في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الماضي ضحايا لفظائع هزت ضمير الإنسانية بقوة وأن هذه الجرائم تهدد السلم والأمن في العالم. ولا شك أن هذه الجرائم تثير قلق المجتمع الدولي بأسره فيجب ألا تمر دون عقاب لتكون عبرة لمن يعتبر مستقبلا. فالمجتمع الدولي أراد أن يضع حدا لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب.
فمن أجل هذه المبادئ والغايات قد عقدت الدول العزم -من أجل بلوغ هذه الغايات ولصالح الأجيال الحالية والمقبلة- على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات الاختصاص على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره.
أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
مقر المحكمة في لاهاي بهولندا (الدولة المضيفة)حيث تعقد جلساتها وللمحكمة أن تعقد جلساتها في مكان آخر عندما ترى ذلك مناسبا كما ذكرنا يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام الدولي بأسره وللمحكمة اختصاص النظر في الجرائم التالية:-
ا- جريمة الإبادة الجماعية
ب- الجرائم ضد الإنسانية
ج- جرائم الحرب
د- جريمة العدوان (المادة 5)
ولسوف نقتصر على نوع الجرائم التي قد تهم القضية القبطية وما يحدث للأقباط من قتل واعتداء.. الخ.
فنبدأ بجريمة الإبادة الجماعية كما نصت عليها المادة 6 من النظام الأساسي. تعني "الإبادة الجماعية" أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكا كليا أو جزئيا:-
1- قتل أفراد الجماعة
2- إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة
3- إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا.
الجرائم ضد الإنسانية
تنص المادة السابعة من النظام الأساسي أنه يشكل أي فعل من الأفعال التالية "جريمة ضد الإنسانية" متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم:-
1- القتل العمد
2- الإبادة
3- اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموعة محددة من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو اثنية أو ثقافية أو دينية أو لأسباب أخرى من المسلم عالميا بأن القانون الدولي لا يجيزها
4- الأفعال اللا إنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.
أما وقد أوردنا جريمتي "الإبادة الجماعية" و "الجرائم ضد الإنسانية" وهناك العديد من الحالات التي ارتكبت ضد الأقباط في مصر ولكن كما سبق أن قلنا أن المحكمة لا تختص بالنظر إلا في الجرائم التي ارتكبت بعد أول يوليو 2002 وهو تاريخ بداية نفاذ أحكام النظام الأساسي للمحكمة وذلك تطبيقا للمواد 11و22 من هذا النظام.
اختصاصات المدعي العام (المادة 15)
يجدر بنا أن نبحث اختصاصات المدعي العام وهو الذي توكل له مهمة مباشرة التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة. ويقوم المدعي العام بتحليل جدية المعلومات المتلقاه. ويجوز له التماس معلومات إضافية من الدول أو أجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الحكومية الدولية أو غير الحكومية أو أية مصادر أخرى موثوق بها يراها ملائمة. ويجوز له تلقي الشهادة التحريرية أو الشفوية في مقر المحكمة.
إذا استنتج المدعي العام أن هناك أساسا معقولا للشروع في إجراء تحيق يقدم إلى دائرة ما قبل المحاكمة طلبا للإذن بإجراء تحقيق مشفوعا بأية مواد مؤيدة يجمعها. ويجوز للمجني عليهم إجراء مرافعات لدى دائرة ما قبل المحاكمة وفقا للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات.
إذا رأت دائرة ما قبل المحاكمة بعد دراستها للطلب وللمواد المؤيدة أن هناك "أساسا معقولا" للشروع في إجراء تحقيق وأن الدعوى تقع على ما يبدو في إطار اختصاص المحكمة كان عليها أن تأذن بالبدء في إجراء التحقيق. وعلى فرض أن رفضت دائرة ما قبل المحاكمة الإذن بإجراء التحقيق فان هذا الرفض لا يحول دون قيام المدعي العام بتقديم طلب لاحق يستند إلى وقائع أو أدلة جديدة تتعلق بالحالة ذاته. وفي حالة ما يقرر المدعي العام -بعد الدراسة الأولية- أن المعلومات المقدمة لا تشكل أساسا معقولا لإجراء تحقيق، كان عليه أن يبلغ مقدمي المعلومات بذلك. وهذا لا يمنع المدعي العام من النظر في معلومات أخرى تقدم إليه عن الحالة ذاتها في ضوء وقائع أو أدلة جديدة.
يتبع
|