تابع
ومما يدل على أن الجهاد إذا أطلق ينصرف إلى قتال الكفار ما يلي :
1ـ عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ .
قَالَ صلى الله عليه وسلم : لا أَجِدُهُ
قَالَ صلى الله عليه وسلم : هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلا تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلا تُفْطِرَ .
قَالَ : وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ !!!
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : (( إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ )) رواه البخاري ومسلم .
ودلالة هذا الحديث على المراد ظاهرة ، فالصيام والقيام هما من جهاد النفس ، ومع هذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((لا أجد ما يعدل الجهاد )) فدل على أن المراد بالجهاد إذا أطلق : هو جهاد الكفار لا مجاهدة النفس .
2ـ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ))
قالُوا : ثُمَّ مَنْ ؟
قَالَ : ((مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ )) رواه البخاري ومسلم
فالذي يتقي الله في شعب من الشعاب مجاهد لنفسه ، ومع هذا صرف النبي صلى الله عليه وسلم معنى الجهاد إلى قتال الكفار .
3ـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ))
فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ ؟
قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ و فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ )) رواه أحمد والبخاري
فقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم من جلس في أرضه غير مجاهد ، مع أنه يجاهد نفسه على الصلاة والصيام ونحو ذلك من الجهاد النفسي على التكاليف الشرعية .
وكل الآيات والأحاديث التي تدل على فضائل الجهاد فالمراد بها الجهاد الحقيقي وهو قتال الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى ، ولا تحمل على جهاد النفس ، وكذلك علماء الإسلام من محدثين وفقهاء إذا بوبوا في كتبهم للجهاد فالمراد به جهاد الكفار القتالي لا مجاهدة النفس .
وليس جهاد النفس هو الجهاد الأكبر على الإطلاق كما يزعمه المتصوفة ، وأدعياء العلم الذين يثبطون الناس عن الجهاد
أما حديث (( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر )) فهو حديث ضعيف لا يصح ..
ضعفه البيهقي والعراقي والسيوطي والألباني في ضعيف الجامع الصغير .. وغيرهم رحمهم الله .
كما أن الحديث مخالف لقول الله تعالى (( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا )) النساء (95)
وقال حسن البنا رحمه الله : (( شاع بين كثير من المسلمين أن قتال العدو هو الجهاد الأصغر وأن هناك جهادًا أكبر هو جهاد النفس وكثير منهم يستدل لذلك بما يروى "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، قالوا وما الجهاد الأكبر ؟ قال جهاد القلب أو جهاد النفس " .
وبعضهم يحاول بهذا أن يصرف الناس عن أهمية القتال والاستعداد له ونية الجهاد والأخذ في سبيله ، فأما هذا الأثر فليس بحديث على الصحيح ، قال أمير المؤمنين في الحديث الحافظ بن حجر في تسديد القوس : هو مشهور على الألسنة وهو من كلام إبراهيم بن عبلة ، وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر ، ورواه الخطيب في تاريخه عن جابر ، على أنه لو صح فليس يعطي أبدًا الانصراف عن الجهاد والاستعداد لإنقاذ بلاد المسلمين ، ورد عادية أهل الكفر عنها ، وإنما يكون معناه وجوب مجاهدة النفس حتى تخلص لله في كل عملها .. فليعلم )) .
كما أن وصف قتال الكفار بالجهاد الأصغر لم يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة ، ثم إن من جاهد نفسه حقيقة حتى تغلب عليها فإنه يسرع إلى امتثال أمر الله عز وجل بقتال الكفار ، ومن تأخر عن قتال الكفار فليس بمجاهد لنفسه على امتثال أمر الله ، فالتذرع بجهاد النفس من الحيل الشيطانية الصارفة للمسلمين عن جهاد أعداءهم .
ولو كان الأمر كما يدعون ما أمر الله سبحانه وتعالى ولا نبيه صلى الله عليه وسلم بقتال الكفار والحث عليه وبيان وجوبه وفرضيته ، وترغيب المؤمنين فيه بذكر ثواب المجاهدين والشهداء ، ولا جاء الوعيد الشديد والتوعد بالعقاب والعذاب الأليم لمن يتخلف عن الجهاد .
فالجهاد سبيل العزة والكرامة لهذه الأمة .. وهو سبب بقائها وانتشار دعوتها .. وما وقعت الذلة والمهانة على هذه الأمة وتسلط أحفاد القردة والخنازير عليها إلا بسبب تركها للجهاد .. وظنها أن العبادة تنحصر في الصلاة والصيام وبعض الأذكار .. حتى صار أبناء الأمة كالدجاج يحصدهم الكفار في جميع أنحاء العالم ويذبحونهم ويشردونهم ويسومونهم سوء العذاب .. والأمة جامدة لا تتحرك .. وكأنها تنتظر أن يأتي إليها الجزار ليقضي عليها هي الأخرى .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رصي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاً لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ )) رواه أحمد وأبو داود.
فهذا الموقف المخزي من الأمة .. ليس بموقف أهل الإيمان ، ولا أهل القرآن ، ولا موقف من يدعي إتباع النبي عليه الصلاة والسلام ..
فمن أراد أن يلبسه الله تعالى لباس أهل الإيمان .. فليستمع لقول الله تبارك وتعالى (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ )) .. الحجرات (15)
ومن أراد أن يكتب في سجل أتباع النبي صلى الله عليه وسلم فليستمع لقول الله عز وجل : ((لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) التوبة (88)
ومن أراد أن يكون من أهل الجنة فليستمع لقوله سبحانه : (( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ )) آل عمران (142)
فجاهد أخي الكريم .. هداك الله .. بمالك ونفسك في سبيل الله .. واسلك سبيل نبيك الكريم عليه الصلاة والسلام وأصحابه الأبرار .. يرزقك الله كرامة الدنيا والآخرة .
فإن أنت عشت فحر عزيز .. وإن أنت مت فشهيد كريم
(( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً ))
(( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ))
اللهم ابعث في هذه الأمة روح الجهاد ، وأخرج منها من يعيد لها العزة والرفعة والكرامة والتمكين .. ورد المسلمين إلى دينهم ردًا جميلاً .. إنك على كل شيء قدير.
واجعل إلهي بمنك وكرمك موتنا شهادة في سبيلك خالصة لوجهك الكريم ، وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
__________________
+
لا تخف من الباطل ... ان ينتشر او ينتصر .... إن الباطل لا بد أن يهزم امام صمود الحق مهما طال به الزمن .... وكل جليات له داهود ينتظره وينتصر عليه
"بإسم رب القوات"
(قداسة البابا شينوده الثالث )
|