عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 13-09-2005
afanous afanous غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
الإقامة: NH, USA
المشاركات: 643
afanous is on a distinguished road
ازدهار العقلية الخرافية
من منطلق ذات نهج هذا الاستعراض لنتائج خطاب الكنيسة، المتمثل في بحث مواصفات وصفات القبطي المتشبع بتعاليم الكنيسة، وليس بحث الصحة العقائدية لهذا الخطاب، نأتي إلى الاعتقاد في "شفاعة القديسين"، وهو الاعتقاد الذي تؤيده نصوص الكتاب المقدس، لكن المشكلة في إساءة استخدامه من قبل الكنيسة، تحت سمع وبصر رعاتها، وفي معظم الأحيان بمبادرة أو تشجيع منهم، لتكون النتيجة ازدهار العقلية الخرافية، فنسمع عن عمليات جراحية أجراها القديسون قبيل ذهاب المريض إلى المستشفي لإجرائها، وهذا قبر قديس حفنة من ترابه، إذا ما أذيبت في الماء، فإنها تشفي الأمراض، ويوزع هذا التراب على زوار ذلك الدير، دون أي إحساس بالذنب أو تأنيب الضمير، عند من يفعل ذلك في السذج من المؤمنين، والذين أصبح كثير منهم يحمل شهادات الدكتوراه!!
قديس آخر شاله إذا ما وضع على مريض يبرأ، أو على صاحب أمنية تتحقق أمنيته، والأيقونات في الكنائس والبيوت تنضح بالزيت المقدس، وأخري تتحرك، ومياه في ماجور بكنيسة في دلتا مصر، مازالت كما هي لم تنقص منذ أن استخدمتها السيدة العذراء أيام زيارتها لمصر، وكان من الطبيعي أن تجمع تلك الكنيسة ألوفاً مؤلفة من أموال المؤمنين الفقراء، ليهرب بها الأسقف إلى بلاد لا تركب الأفيال، ومع ذلك فالنقود المسروقة لا تعنينا رغم ضخامتها، فالذي يعنينا هو تدمير العقل المصري، تحت سمع وبصر ومباركة سادتي الآباء الكهنة والأساقفة، فيما قداسة البابا المعظم مشغول بعودة القدس لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية، كأن مجهودات السيد عمرو موسى وحماس والجهاد غير كافية لتحقيق المراد!!

سلبية وبلادة وطغيان
يتدرب القبطي في الكنيسة على المواظبة على حضور الطقوس الكثيرة الطويلة، المورثة لنا من عصور الزراعة والفراغ، وليست تلك المشكلة، إنما في أن المؤمن يتدرب أن يقف بالساعات الطوال والكاهن يصلي نيابة عنه، وحتى المقاطع في الصلوات المفروض أن يؤديها بنفسه، هناك من يقوم بذلك نيابة عنه، وهو كورس المرتلين وقائدهم (المعلم)، وكل ما على المؤمن التقي فعله، هو أن يقوم ويجلس مع الكورس، ويردد بين الحين والآخر "آمين"، ونظرياً على المؤمن خلال تلك الصلوات الطويلة أن يتأمل في رحمة الله ومحبته، وأن يحاول أن يتابع الصلوات مستعيناً بكتاب، ويفعل البعض هذا فعلاً ، لكن الأغلبية تتدرب على قول "آمين"، وعلى عدم الإحساس بالوقت، هو تدريب ناجح بامتياز، على البلادة والانقياد، وترديد "آمين"، وهي الكلمة الأكثر طلباً في جميع مؤسساتنا، بداية من المنزل حتى مجلس الوزراء!!
والانقياد الذي يتلقنه القبطي في الكنيسة ليس فقط للأحياء من الكهنة والأساقفة، لكن أيضاً للقديسين الذين رحلوا عن عالمنا، فهو يستشيرهم في الهام من أموره، وقد يتحدث إليهم مباشرة أمام أيقوناتهم الخاصة، أو يرسل لهم خطاب يدسه من زجاج الصناديق التي تحوي رفاتهم، والتي يوجد عدد منها في كل كنيسة الآن، وهذه الظاهرة انتشرت في الربع قرن الأخير، وهي الفترة المسجل عنها الردة والتدهور الحضاري في الفكر المصري بصفة عامة.
نعيد التأكيد أننا لا نعرض الأمر لنقرر صحته من الوجهة الدينية، فهذا الأمر متروك للقادرين عليه والمهتمين به، لكننا نتحدث من وجهة نظر علمانية محضة، عن تأثير تلك الأفكار والممارسات على أداء المواطن القبطي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعلمي، في عصر العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات، ولكي أكون واضحاً، أنا لا أحاول التشكيك في سلامة وصحة العقيدة القبطية الأرثوذكسية، لأنها عقيدتي وعقيدة أهلي، لكن هذا لا يمنع بل يدفع لمراجعة تأثير كل ذلك على عقل وأداء الإنسان المصري، المتعثر على عتبة التاريخ، والمهدد بالاستبعاد من ركب الإنسانية إلى الأبد!!
من الطبيعي وفق ما تقدم، من حرص الكنيسة على "التسليم والتسلم"، وما ترتب عليه من استبعاد الإبداع والمراجعة، أن تكتمل المنظومة شديدة المحافظة تلك بالطغيان، فالشعب قسمان، رعاة ورعية، والرعاة ينبغي أن يتقنوا دور الراعي، وهذا جيد وجميل، لكن الرعية عليهم أيضاً أن يتقنوا دور الخراف المهذبة، التي تتوجه تلقائياً إلى حيث تشير عصا الراعي، ولغير المسيحيين أوضح أن الكلمتين راعي وخراف ليستا من عندي، إنما هما مستخدمتان وبإفراط في خطاب الكنيسة، بما يرسخ في ذهن القبطي فعلاً روح القطيع، وروح الانصياع لتعليمات الراعي، حتى لا يكون كالابن الضال، وقد تكون العلاقة بهذا الشكل هي الصحيحة دينياً، لكن ماذا عن تأثيرها على مجمل حياة الإنسان؟!!
أدت فلسفة الكنيسة ورؤيتها لدورها في الحفاظ على العقيدة أيضاً، إلى أن تصور الرعاة لدورهم أنهم في خدمة العقيدة، وليسوا في خدمة الرعية، ورغم أن السيد المسيح كان في خدمة الناس العاديين، خطاة وأبرار، ورغم أنه لم يكتب عقيدة ولم يملي على أحد وصايا، بل كان كما يقول الإنجيل "يجول يصنع خيراً"، والخير بالطبع هو خير للناس، إلا أن الرعاة الأرثوذكس معنيون بخدمة العقيدة، التي صكها الآباء الأوائل، ولا يعنيهم تخفيف معاناة الإنسان القبطي مع قوانين الزواج والطلاق الأرثوذكسية، وغير معنيين بالتأثيرات الاجتماعية المدمرة، بل وما تسببه في أحيان كثيرة من حالات تحول عن الدين، تضع البلاد على شفا فتنة طائفية!!
كم أحزنني كإنسان أولاً وكقبطي ثانياً، وأنا أشاهد برنامج تليفزيوني عن زواج الأقباط، ونيافة الأسقف وقد حاصرته المذيعة الجميلة اللامعة، ونصبت له فخاً وقع فيه، معلناً أن العقيدة تفرض هذه القوانين، لتجاوبه المذيعة بابتسامة دهشة واستهجان: والناس، ماذا يفعلون؟!!
هذه هي رؤية رعاة الأرثوذكسية لدورهم، وهم أكثر الناس حديثاً عن المحبة، التي من الواضح أنها محبة نظرية لتدبيج العظات وتأليف الكتب، أما عند الممارسة العملية، فإنهم يتجهون لما يرونه دورهم في الحفاظ على العقيدة وليس الحفاظ على المؤمنين، رغم أنهم يعرفون أن الكتاب يقول: "أريد رحمة لا ذبيحة"!!
أرجو أن يكون من الواضح أننا لا نتحدث عن أشخاص نوجه إليهم الاتهام، فلو كان الأمر كذلك لكان علاجه بسيطاً وفي متناول اليد، لكن المشكلة في النظام، في فلسفة الكنيسة وتقاليدها الممتدة عبر العصور، تلك الفلسفة التي أعانتها على مهمتها المقدسة في حفظ الإيمان القويم، لكنها في المقابل أدت إلى ما نستعرض بعضاً منه.
خطاب الكنيسة والعظات التي لا يملون من تكرارها، وقلبها على كل وجه، تحريض سافر وغير منطقي على السلبية، وعلى الوقوف من العالم موقف المتفرج، مستخدمين بعض الآيات استخداماً شائهاً، بعد اقتطاعها من سياقها، مثل: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم"، "ليس لنا هنا مدينة باقية، لكننا ننتظر العتيدة"، "الرب يحارب عنكم وأنتم تصمتون"، "لو كنتم من العالم لكان العالم يقبلكم، لكنكم لستم من العالم"، "ملقين كل همكم عليه، لأنه هو يعتني بكم"، "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم".
كل هذه الآيات يمكن فهمها بطريقة مختلفة غير التي تقدم بها في خطاب الكنيسة، فقط لو كان لدينا الوعي بما يحتاج إليه الإنسان في عصرنا الراهن، أيضاً لو قرأنا كتابنا المقدس بطريقة مختلفة تكشف لنا عما نتجنبه من آيات تدفعنا لتعمير العالم، ولجعله مكاناً أفضل لنا ولأولادنا!!
لحسن الحظ فإن خطاب الكنيسة في هذا المجال لا يحدث تأثيراُ كاملاً، لأن اهتمام الناس بتدبير معيشتهم يتغلب على أناشيد الزهد والسلبية التي تصب في آذانهم خلال ساعات الصلوات والعظات التي لا نهاية لها، ومع ذلك من السذاجة تصور انعدام تأثيرها، فهناك فرق بين أن يكون الفكر عامل دفع للأمام، وبين أن يكون فرملة لاندفاع الإنسان لتحقيق ذاته، كما أن الموقف السلبي من الحياة يتبدى في مساهمة القبطي في الحياة العامة، السياسية والاجتماعية، وفي مساهمته المادية في إنشاء المدارس والمستشفيات مثلاً، بدلاً من السير على ذات نهج أجدادنا الأوائل الذين لم يخلفوا لنا غير المعابد والمقابر.
من الممكن أن يكون الإنسان سلبياً تجاه الحياة، وهو يعرف أنه مخطئ، وربما يعدل عن موقفه إذا ما أتيحت له الظروف المناسبة، لكن السلبية التي يتربى الإنسان عليها في الكنيسة ترتدي ثوب القداسة، ومدعمة بالنصوص بذات الطريقة التي تسيء القراءة والتفسير، وبالتالي يكون الحض على الإيجابية مؤثماُ، باعتباره بمثابة إلهاء النظر عن الحياة الباقية السمائية!!
الرد مع إقتباس