عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 17-09-2005
الصورة الرمزية لـ babylonian
babylonian babylonian غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2003
المشاركات: 7,663
babylonian is on a distinguished road


تابع ( 2 )

مقال بسام درويش :

سبعة وعشرون عاماً مضت على حياتي مع الشعب الأمريكي.

عملتُ معه. جاورتُه. عاشرتُه. صادقتُه، فخبرتُهُ.. فلم أجد شعباً يدانيه في سرعة تعاطفه مع الآخرين في وقت النكبات. كذلك لم أجد شعباً يدانيه في أدبه واحترامه وطيبته وإنسانيته.

ليس هناك بالتأكيد شعب كاملٌ، ولكن إذا كان للكمال من حدود ملموسة، فإنّ هذ الشعب أقرب ما يكون إلى الكمال.

*****

في شرقنا نتحدث عن النخوة العربية وعن الكرم العربي وعن وعن.. وما أبرعنا في الحديث عن مزايا لا نملكها. أما في أميركا فلا أحد يتحدث عن نخوةٍ أميركية أو كرمٍ أميركي..

النخوة والكرم هنا عملٌ وليس حديثاً وتفاخراً.

هنا لا أحد يدعوك إلى مشاركته طعامه إذا مررت به وهو يأكل، أما إن قلت له أنك جائع فلسوف يسارع إلى شراء الطعام لك.

هنا نسمع عن عابرِ سبيلٍ يندفع إلى داخلِ بيت تشتعل فيه النيران لإنقاذ طفل أو امرأة أو عجوز دون خوف من الموت، أو يقفز خلال إعصارٍ في نهر أو بحيرة لإنقاذ إنسان لا يعرفه، دون أن يكون الدافع إلى نخوته طمع في جنة أو في حورياتها و*****ها. النخوة والكرم هنا طبيعة إنسانية أصيلة وليست شعارات مزيفة.

عندما يموت تلميذ في حادثة سير أو يفقد عضوا من أعضائه او يُضطر للذهاب إلى المستشفى، تجد رفاقه في المدرسة يُسَخّرون عطلتهم الأسبوعية لجمع المال لمساعدته أو مساعدة ذويه. يتجمعون على زوايا الشوارع ويقيمون مغسلاً مؤقتاً للسيارات طوال عطلة نهاية الأسبوع، ويعملون بكدّ لا مثيل له من اجل زميلهم. وإذ يعرف أصحاب السيارات أن سياراتهم لن تحصل على عملية غسلٍ جيدة كتلك التي تتم في المغاسل الآلية الكبيرة، ولكنهم مع ذلك يتوقفون عند هؤلاء الطلبة لغاية تشجيعهم وتقديم العون.

وعندما تُصاب مدينةٌ بكارثةٍ طبيعية كبيرة في أي مكان من العالم، فإن جمع التبرعات لا يقتصر على طلاب المدارس وأعضاء الكنائس أو المنظمات، إنما ينشط أيضاً لجمعها الموظفون في الشركات، صغيرةً كانت أو كبيرة، وكذلك تفعل شبكات السوبر ماركيتات وما شابهها. الناس لا ينظرون على الإطلاق إلى جنس البلد أو دين أهله حين تمتد أياديهم إلى محافظهم لتقديم التبرعات.

عندما كانت حملة التبرعات قائمة على قدم وساق لمساعدة منكوبي التسونامي في إندونيسيا، خطر بفكري أن أسأل سيدة مسنة قدّمت مبلغ عشر دولارات لجامع التبرعات الذي اتخذ له مركزاً على باب إحدى الشركات الكبيرة، فقلت لها، ـ والناس هنا بشكل عام لطفاء يتقبلون المزاح من أناس لا يعرفونهم ـ "هل تعرفين إلى أين تذهب هذه التبرعات؟"، فأجابت، "إلى ضحايا التسونامي". قلت، وهل تعرفين في أي بلد وقع هذا التسونامي؟" فهزّت رأسها وفكّرت ثم قالت "لا.. نسيت!.. هل تعرف أنت؟"..

من هم ضحايا التسونامي؟.. رعايا دولةٍ عدوة؟.. صديقة؟.. مسلمون؟.. بوذيون؟.. مسيحيون؟.. هذا لا يهم!.. المهمّ أن هناك أناس بحاجة إلى هذه الدولارات العشر.

إذا كنت تريد أن تجني ثروة سريعة فما عليك إلا أن تأتي إلى أميركا وتدّعي أن ابنك مريض بحاجة إلى علاج، فهنا ستجد شعباً طيب القلب كريماً ـ وليس ساذجاً ـ يؤمّن لك الطريق إلى هذه الثروة!

الشعب الأمريكي لا يكتفي بالتبرع بأمواله فقط، إنما يقف في كنائسه حداداً على أرواح الضحايا، ويخصّهم بجزء كبير من صلواته في خدماته الدينية.

*****

لماذا المسلمون وحدهم دون غيرهم من بني أمم العالم يُسرّون ويهللون لمصائب غيرهم ويشمتون بهم؟..

في مشاركتي القصيرة مع هذه الحفنة من التعساء، لم أستطع أن أقول اكثر مما قلت ثقة مني بأن مقص الرقيب لن يسمح بكل أقول. أما هنا، وعلى موقع الناقد، حيث مفتاح الحل والربط بيدي، فلسوف "أبقّ البحصة" وأقول في هذه الأمة ما تستحق أن يُقال فيها. سأقولها كما يجب ان تقالَ دون لفّ ولا دوران.

*****

إنَّ أمةً تفرح لمصائب غيرها من أمم العالم لا يمكن أن تكون جزءاً من المجتمع الإنساني. لا بل إن وصفها بحثالة الأمم وبأنها لطخة في جبين الحضارة الإنسانية، ليس في الحقيقة إلا كرمَ أخلاقٍ يُسبَغُ عليها.

ماذا نتوقع من أمةٍ مؤسِّسُها وواضعُ مبادئِ "تسامُحِها" همجيٌّ كان يقتلُ الناسَ ببترِ أوصالهم وسملِ عيونهم ورميهم على أرض الصحراء حتى يموتوا، ثم يجلس ليتلذذ بعد ذلك بعذابهم وهم يصرخون من الألم ويرجون منه جرعة ماء؟!!

ماذا نتوقع من أمة تقدّس هذا الهمجي الذي لم يتورّع عن اغتيال رجل عمره مائة وعشر سنوات، وكذلك اغتيال أمٍّ مرضعة داخل بيتها، لا لسببٍ إلا لأنهما انتقداه ببضعة أبيات من الشعر؟!!

أمةٌ تُقدِّسُ هذا الهمجي وتعتبره أسوةً حسنة، لا يجبُ أن نستغرب منها فرحها وتهليلها لمصائب البشر.

أمةٌ كهذه لا يعقل أن تمتّ إلى المجتمات الإنسانية بأيّة صلة.

هذه ليست أمة من الناس، إنما قطيعُ ماعزٍ يسيّره طنينُ جرسٍ مربوطٍ بعصا راعٍ فطسَ منذ ألفٍ وأربعمائة سنة.

******************


مقال رائع بالفعل .. دام صليب بسام !
الرد مع إقتباس