عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 15-08-2003
yaweeka yaweeka غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2003
الإقامة: USA
المشاركات: 3,170
yaweeka is on a distinguished road
.....
اسمع يا سيدي الجنرال الطرابلسي، من بين أبرز قناعاتي المستقرة أن قدرنا كمصريين مع جيراننا من العربان كان دوماً أحمق الخطى، وعلى فكرة لابد هنا من تصويب معلومة خاطئة أوردتها في مقالك الأول، وهي ان العروبة السياسية الفاشية اختراع مصري، والصحيح انها أتت من لدن ضيف صدامكم ميشيل عفلق مؤسس البعث، والإرهاصات الشامية والعراقية الأولى التي سبقت عبدالناصر، وتم ترويجها في مصر وغيرها شأن بقية الخرافات السياسية والفكرية، حتى جاء عسكر يوليو فتبنوها بعد تخبط بين الإخوان والأمريكان، أما خبرتنا كمصريين مع العروبة فهي أقل ما توصف به أنها مريرة، ولا تشجع على التشبث بأوهام العروبة السياسية، وهنا أيضاً لابد من التمييز بين العروبة الثقافية، وهي تراث إنساني معتبر، والعروبة السياسية التي اعتلت العروش بالدبابات، كتلك التي ساهم عراق صدامكم ومن سبقه وأنجبوه وأتوا به في ترويجها والتمسح فيها وهدر ثروات شعبه من أجلها.



وفي دراسة أكاديمية عن "رؤية العرب لمصر والمصريين" ، رصد الباحث وهو طالب دكتوراه بقسم الاجتماع في جامعة القاهرة ما أورده أبو المحاسن بن تغري بردي الأتابكي في كتابه المعروف "مروج الذهب ومعادن الجواهر" (طبعة دار الأندلس بالقاهرة ، تحقيق يوسف أسعد داغر ، ص : 374) أن عمرو بن العاص وصف مصر بأنها "أرضها ذهب .. ونيلها عجب .. وخيرها جلب .. ونساؤها لعب .. ومالها رغب .. وفي أهلها صخب .. وطاعتهم رهب .. وسلامهم شغب .. وحروبهم حرب ، وهم مع من غلب".
وتعكس هذه الرؤية مفارقة غريبة في الإعجاب الشديد بالأرض والخيرات، والاحتقار الواضح لأهل البلاد الذين يصفهم عمرو بن العاص في موضع آخر أورده نفس المؤلف "ابن تغري بردي الأتابكي" في كتاب آخر هو "النجوم الزاهرة في حكام مصر والقاهرة" (طبعة بولاق – ج 1 – ص 32) حين يقول عن أهل مصر : "أهل ملة محقورة ، وذمة مخفورة ، يحرثون بطون الأرض ، ويبذرون بها الحب ، يرجون بهذا النماء من الرب ، لغيرهم ما سعوا من كدهم".
هكذا رأى عرب الفتح ـ أو بتعبير أدق الغزو ـ مصر، ولم يكن حال عرب الغزو الجديد أفضل من أسلافهم، ففي لحظة تاريخية دفعت فيها المحروسة ثمن عنتريات نفر من العسكر الذين اغتصبوها، وورطوها في معارك لم تكن لها ناقة فيها ولا بعير، وبينما هي مثخنة بجراح هزيمة حزيران (يونيو) 1967، روج الغزاة الجدد من أعرابك الذين تعتبرنا عبئاً عليهم، روجوا لمقولات مفادها أن الله فعل بمصر هذا لأنها تركت الله، ومن هنا ظهرت جماعات الجهاد والتكفير واستعر المد الإخواني المدعوم سياسياً من السادات، ومالياً من نفط أعرابكم، وبمرور الوقت صنعوا أجيالاً من المتطرفين والإرهابيين على النحو المعروف للجميع، ودفع السادات حياته ثمناً لمغامرته بالتعاقد مع شيطان الأصولية، ودفعت قبله وبعده مصر والمصريون الثمن فادحاً، ودفعت أطراف أخرى دولية وإقليمية أثماناً متفاوتة، ولم تزل تدفع، وستظل لسنوات وربما عقود.


......
الآن، هنا وهناك، تغرق "الامة" في حروبها الكلامية، ومعاركها الوهمية، بينما إسرائيل ـ كما يقول مظفر النواب ـ ترش علينا ماء الورد من الجو، وتنطلق الى العالم بدبلوماسيتها الواسعة ودعايتها السياسية الرابحة، ونحن لم نزل نراوح بين حروب داحس والغبراء، وملاسنات جرير والفرذدق، ونختزل الشعوب والأمم في سفهائها وراقصاتها كما تفضل الجنرال الطرابلسي، ونرى أن مشكلة بغداد تبدأ في القاهرة، كأنه كان لزاماً على المصريين أن يعلنوا الحرب على صدام ونظامه ليرضى عنهم الطرابلسي، فلا يزايد على مصر ويتهمها بكل نقيصة سمعها من رفاقه جنرالات المقاهي، نحن فعلاً لا نتعلم من التاريخ، لا نحسن توزيع الادوار، فتخوين بعضنا البعض لا يزال هو اللغة السائدة والمستساغة، وهو بهذه الاتهامات الظالمة والمجحفة يشكل الوجه الآخر من العملة الرديئة التي يمثل جنرالات القومجية والإسلامجية وجهها الأول، وبدلاً من أن يوجه حضرة الجنرال الركن الطرابلسي نيران مدافعه إلى هؤلاء، يختار ـ كأي جنرال عربي مدمن على النكبات والنكسات وأمهات المعارك ـ هدفاً كبيراً يسهل التصويب عليه، فيشتم مصر، ويتساءل عن مبررات دورها، كأنها تغتصب هذا الدور، تماماً كما صرح شارون قبل أيام، حين ربط بين دور مصر وإطلاق الجاسوس عزام عزام، يختزل جنرالنا الطرابلسي مصر في الراقصات و"الشعبولات"، ويختزل شعباً لم ينافسه شعب عربي آخر في أي مجال بدءاً من الفقه والأدب إلى الغناء والرقص حتى لا تغضب يا سيدي، وطوبى للقابضين على جمر العقل والإنسانية في أزمنة السعار الوبائي والخيارات المستحيلة بين الاحتلال والاحتيال.


.....
أخيراً:
كالمحبة تماماً تكون الكراهية.. لها نفس الاشتراطات والأعباء والمغنم والمغرم، وليست مجرد لفظ باهت يقفز من الحنجرة في سياق كلمات أغنية هابطة، أو سباق هوس محموم لتوزيع الاتهامات المجانية على خلق الله، وإسقاط الهزائم والفشل على الآخرين.
وللكراهية أيضاً أصولها .. أبسطها أن نعرف من ينبغي أن نكرهه، وماذا يضيره، وكيف نلحق به الضرر.. فلن يتأثر شارون ولا موفاز بهذا السباق المحموم في التحرش بعضنا بالبعض، ولن تصلح ديموقراطية الاحتلال ما أفسد الدهر بهذه البساطة، كما لن تصلح ديموقراطية الاحتيال في ترميم وجوه شاخت وتجاوزتها الأحداث، العبء ثقيل يا سيدي الجنرال الطرابلسي، فبالله عليك ارحمنا أو على الأقل دع رحمة الله تشمل عباده، وكما يقول المثل الشعبي المصري، "لا تعايرني ولا اعايرك، فالهم طايلني وطايلك".
والله المستعان



إيلاف خاص
http://www.elaph.com.:9090/elaph/ara...32500162343100
الرد مع إقتباس