ثم نعود إلى زينب ، ونقول أن خبر تنصيرها كان طعنة في ظهر المسلمين ، ليس لأن فتاة تنصرت ، فهذا أمر لا نجد فيه حرجاً للمسلمين في ظل الانتكاسة المزمنة لوزارتي الأزهر والأوقاف وتحولها إلى ألعوبة في يد أجهزة الأمن ، ولكن لأن الخبر جاء لإرضاء إرهاب الكنيسة ، ولتهدئة شبابها ، ولتفادي جنوحهم ، ولإطفاء ثورتهم ، فكانت لهم عودة وفاء ، وكانت لهم سرقة زينب ، أما المسلمين فكانت لهم صاعقة وقائع عودة وفاء تحت سطوة القوة والعنف والإرهاب ، وأخذلتهم سلبيتهم ، وقلة حيلتهم ، وهوانهم على حكومتهم وعلى أنفسهم ، وسوء صمتهم ، وهم يقرؤون خبر سرقة واحدة من بناتهم ، فكانت الحسرة حسرتان ، والمصيبة مصيبتان ، والكبيرة كبيرتان ، دون أن يعترض واحد منهم كبيراً أو صغيراً ، وقد ألجمهم الخوف والرعب من الشرطة التي طالما استأسدت عليهم وعلى آبائهم وأمهاتهم وأعراضهم ، فأورثتهم الخزي ، وأصبح الهوان من مكونات شخصياتهم ، فلم يجدوا مخرجاً إلا أن يكونوا أحد ثلاثة :
ــ أناس صامتون مستسلمون لا جمل لهم ولا ناقة فيما يدور حولهم أو يتعلق بشأن دينهم .
ــ أو أناس قد منحوا أنفسهم وظيفة عسكري أمن الدولة في رقابة المجتمع الذي يحوطهم ، فينصحون ذلك بمنع ابنه من ارتياد المسجد ، وينصحون هذا بمنع ابنه من إطلاق لحيته ، وينصحون ذلك بمنع ابنته من ارتداء النقاب ، ويرتفع صوتهم دفاعاً عن الوحدة الوطنية إذا ما ذكر عالم أو داعية آية قرآنية تتعلق بكفر من يقول بصلب المسيح عليه السلام ، أو درس علم حول نفي إلوهيته .
ــ أما الصنف الثالث فقد ارتمى في حضن وزارة الداخلية استجابة لعروضها السخية ، فأصبح مألوفاً أن نجد في كل مجلس إدارة مسجد أو جمعية خيرية أو مجلس نقابة أو أعضاء هيئة تدريس أو اتحاد أهلي أو منظمة مدنية ، واحد أو اثنين أو ثلاثة يفخرون بعلاقتهم بمحمد باشا ، وبمصطفي بك ، وبمعالي على بيه الضباط بوزارة الداخلية .
حتى فضلاء الشيوخ والعلماء والدعاة وأصحاب القلم وأنا واحد منهم ، لا يملك واحد منا أن يدعو أو يعمل في سبيل الله ، إلا بإذن سابق منهم ، فأصبح المسلمون جميعاً بلا استثناء ، ابتداءً من شيخ الأزهر ووزير الأوقاف ومفتى الديار ، وانتهاءً بالشيخ فلان والشيخ علان وأبو إسلام ، لا نستطيع دخول بيت الخلاء إلا بإذن سبق ، والحصول على موافقتهم باعتبارهم أرباب البلاد ونحن أولاد الـ ... ـلاب .
والنتيجة التي ارتاحت إليها السلطة الحاكمة ، وباركها فضيلة الإمام الأكبر ، واستراح لها فضيلة مفتي الديار ، ورضي بها فضيلة وزير الأوقاف ، وغض الطرف عنها فضيلة رئيس أكبر مؤسسة دينية في العالم الإسلامي وهي جامعة الأزهر ، وهي عودة وفاء قسطنطين مرتدة عن الإسلام برغبتها أو غصباً عنها ، ولو لم تفعل ذلك ما عاد البابا شنودة لشعبه ، فقد راهن شنودة العالم كله على إرضاخ السلطة المصرية له ، ورهن ممارسة سلطاته لرئاسة الجمهورية الأرثوذكسية بتسليم وفاء له .
أما شيوخنا رحمة الله عليهم ، فقد قاموا بكل ما أملته عليهم شريعة الوحدة الوطنية من مناسك وطقوس ، فأقنعوا وفاء بالردة ، وباركوا لزينب كفرها بالإسلام ، وكان بعض (المخابيل) من المسلمين قد ظنوا سوءاً وتبجحاً أن قادة المؤسسات الدينية في مصر سوف تكون لهم غضبة من أجل زينب مثل تلك التي غضبها البابا شنودة من أجل وفاء ، فيطالبون الدولة بإعادة زينب أو يعتكفون في مسجد عمرو بن العاص .
بينما تصور بعض السذج من المسلمين أن البابا شنودة سوف يرد الجميل للرئيس مبارك الذي أعاد له وفاء ، فيعيد له زينب ، لكن شنودة لم يفعل ولن يفعل في يوم من الأيام ، لأنه صاحب مبادئ لا يتزحزح عنها حتى لو زحزحوه عن رئاسة جمهوريته الأرثوذكسية ، وعلى رأس هذه المبادئ الحفاظ على أبنائه من خطر التوحيد ، والسعي الحثيث على هداية المسلمين إلى عقيدة المسيح الإله الخروف (حسبما يعتقدون) ، فتعود وفاء إلى حظيرة يسوع ، ولا تعود زينب إلى حظيرة الكفر المسماة بالإسلام .
وصاح الديك صيحته التي أنامت القوم جميعاً ، ولم تستيقظ شهرزاد من نومها ، مستمتعة بالغفلة والسُبات العميق والغطيط ، فلم تيقظها بعد ذلك عودة طبيبتيّ الفيوم من الإسلام إلى المسيحية ، ولم تؤرق نومه تحول خلود ودعاء ونادية وفاطمة من الإسلام إلى المسيحية من بعد زينب .
لكن الله شاء ــ ولا راد لمشيئته ــ أن تعود خلود إبنة الموظف الصغير ، وأن تعود دعاء بنت المدرس الملتحي ، وأن تعود نادية بنت المحامي الكبير ، وأن تعود فاطمة ابنة طبيب القلب اللامع ، كل هؤلاء وعشرات غيرهم ممن جاءت إلينا أخبار تنصيرهم قد عادوا إلى عقيدة التوحيد بعد أن أغراهم الكفار بكفرهم والمشركين بشركهم ، ثم من بعدهم عادت زينب على غير وقع أو سابق خبر ، وهو الحدث الذي هز جدران الكنيسة المصرية من داخلها ، كما اهتز له وجدان المسلمين الذين علموا بالخبر ، ومرت الأيام ثقيلة وغير مريحة بداية من رحلة عودة زينب من المسيحية إلى الإسلام تحمل الكثير من الأسرار غير المعلنة ، والقليل من الأخبار التي تسربت بغير قصد أو قصد إلى وسائل الإعلام ، ومن بين الذي لم يتسرب هو استضافتنا لزينب في حضور أحد القسس الذين كانت تختفي زينب في بيوتهم ، وقد ألبسناها النقاب وجلست بين العديد من الأخوات اللائي جئن للترحيب بها ، والتعبير لها عن سعادتهم بعودتها إلى الحق .
|