الأصولية والعسكر
وفي البرنامج السياسي للحزب الجديد يطالب المحامي محسن لطفي السيد، وكيل مؤسسي الحزب الجديد، بإلغاء خانة الديانة من جوازات السفر وبطاقات إثبات الشخصية، وكافة المحررات الرسمية في البلاد، مؤكداً أن الأصوليات الدينية المتطرفة لم يتنام دورها وتأثيرها على هذا النحو الحاصل الآن في المنطقة بأسرها، إلا بعد قيام الانقلاب العسكري في 23 من تموز (يوليو) من العام 1952، حين تحالف الضباط حينئذ بشكل مرحلي مع جماعة "الإخوان المسلمين" على النحو المعروف للجميع، وورد حتى في مذكرات الضباط أنفسهم.
وحسب برنامجه السياسي الذي اطلعت عليه (إيلاف)، يهدف الحزب الجديد إلى فك الارتباط بالعروبة، وإعادة ربط المصريين بقوميتهم المصرية وحدها، بعيدا عن العوامل الأخرى التي اعتبرها الحزب أنها يمكن أن تسبب لهم الفرقة والتشتت مثل تجربة "العروبة السياسية" التي وصفها بأنها "كانت كارثة حقيقية ليس على مصر وحدها، بل على كل المنطقة خلال العقود الخمسة الماضية، ولعل أحدث نتائجها ما يجري الآن في العراق".
ويستند البرنامج السياسي للحزب في العديد من أفكاره إلى أدبيات أحمد لطفي السيد عم رئيس الحزب، ومنها عبارته الشهيرة التي نشرت في الخامس من شباط (فبراير) من العام 1908 ، والتي قال فيها :
"إن من بيننا من لا ينفك يفخر بانتسابه للعرب الأولين، كأنما انتسابه إلى الجنس المصري نقص وعيب، كما أن منا من يفضل الرابطة الدينية على رابطة الجنسية الوطنية، فإن لم نذهب عنا هذا التحلل نمت أسبابه، وفشت نتائجه وتعذر علينا أن نوسع دائرة المشابهات وتضيق دائرة الفروق".
الغزو والاحتلال
ويوضح البرنامج السياسي للحزب الجديد أن كون اللغة العربية هي اللغة السائدة الآن، فإن ذلك لا ينبغي أن ينسينا لغتنا القومية وهي "العامية المصرية" التي يدعو الحزب إلى تدريسها بتطوراتها المختلفة، من الهيروغليفية إلى الديموطيقية إلى القبطية، وصولا إلى المرحلة الحديثة المسماة بالعامية، في المدارس والجامعات المصرية، ويدعو إلى إعادة كتابة التاريخ المصري الحديث بعيداً عن الدعايات التي رسختها السياسة التعليمية لحركة الضباط، وتبنتها الجمهوريات اللاحقة حتى اليوم.
ويصف البرنامج السياسي لحزب "مصر الأم" دخول العرب إلى مصر بالغزو، الذي أدى إلى خسارة قيم مصرية كثيرة "حيث اعتمد المصريون على الزراعة لعدة آلاف من السنين، وبالتالي فهم مستقرون مدنيون واعتمدوا كذلك على التوقيت الشمسي وشكلوا بينهم مجتمعا قوميا، كما أنهم تعودوا على التعددية الفكرية والدينية طوال آلاف السنين” ثم يقارن بين القومية المصرية وبين القومية العربية الغازية"، على حد تعبيره، مشيراً إلى أن هؤلاء الغزاة ينتمون إلى بدو أقل حضارة ويعتمدون على القمر في توقيتهم كما أنهم نشأووا على احترام التكوين القبلي وليس المجتمع المدني، كما أنهم أحاديو الفكر، عصبيو المزاج يستبيحون دماء مخالفيهم، وليست في ثقافتهم مسألة قبول الاخر، فضلاً عن مواقفهم السلبية حيال كثير من الفنون والآداب".
لطفي السيد
وجد مؤسس الحزب الجديد هو المفكر والسياسي المصري الراحل أحمد لطفي السيد شارك في تأسيس حزب الأمة سنة 1907، وتولى منصب سكرتيره العام، ورأس تحرير صحيفته المعروفة باسم "الجريدة"، وظل على مدار سبع سنوات يبشر بفكرة "مصر للمصريين"، وهاجم الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وعبر أحمد لطفي السيد عن هذا الاتجاه بقوله: "نريد الوطن المصري والاحتفاظ به، والغيرة عليه كغيرة التركي على وطنه، والإنكليزي على قوميته، لا أن نجعل أنفسنا وبلادنا على المشاع، وسط ما يسمى بالجامعة الإسلامية".
وعين لطفي السيد مديراً للجامعة المصرية، وفي عهده اتسعت الجامعة فضمت إليها كليات الهندسة والتجارة والزراعة والحقوق، والطب البيطري وغيرها، كما قبلت الجامعة سنة 1929 أول مجموعة من الفتيات للالتحاق بها، وكانت ثلاث طالبات في كلية الآداب وواحدة في كلية الحقوق.
وحرص لطفي السيد على استقلال الجامعة، فحين أُقصي طه حسين عن عمله سنة1932 قدم استقالته احتجاجا، ولم يعد إلى الجامعة إلا بعد تعديل قانونها بما لا يدع لوزارة المعارف الحق في نقل أستاذ من الجامعة إلا بعد موافقة مجلسها، ولم يدخل الجامعة إلا وهو يتأبط يد طه، ويتوجه به إلى أكبر مدرجاتها ليلقي محاضرة حضرها كل طلبة الجامعة، ثم عاد لطفي السيد لتقديم استقالته مجدداً عام 1937 احتجاجا على اقتحام الشرطة للحرم الجامعي، إثر مظاهرات طالبية، ولم يعد للجامعة ثانية.
نبيل شرف الدين
|