عرض مشاركة مفردة
  #24  
قديم 26-11-2005
Room* Room* غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2004
المشاركات: 55
Room* is on a distinguished road
في أصول الرد علي متطرفي أقباط المهجر



بقلم‏:‏د‏.‏ حسن أبوطالب

في ظل حالة الحراك السياسي التي تشهدها مصر الآن‏,‏ ويعبر عن بعض جوانبها‏,‏ ما يجري في المراحل المختلفة من الانتخابات البرلمانية الجارية‏,‏ يصبح لكل القضايا الوطنية معني مختلف تماما حيث تطرح للنقاش العام‏,‏ وذلك مقارنة بما كان في أوقات سابقة‏,‏ فهناك طموحات مشروعة من كل القوي والتيارات الوطنية جنبا الي جنب مصادر قلق مشروعة أيضا مما قد يحدث بعد الانتخابات‏.‏ والمهم ليس وجود الطموحات أو المخاوف‏,‏ وإنما هو كيف يمكن أن نعالج الأمرين معا بأكبر قدر ممكن من الحرية والحرص علي المصلحة الوطنية العامة ومستقبل الوطن ووحدته وتماسكه‏,‏ والسير بخطوات أسرع وأشمل فيما يتعلق بالإصلاح السياسي والاجتماعي‏.‏

فالمسألة إذن تتعلق بترسيخ حالة الحرية والمسئولية الوطنية في آن واحد‏,‏ وبدون هذين العاملين المتكاملين يصبح الأمر معرضا لقدر من التراجع أو الانتكاس لاقدر الله‏,‏ وفي ظل هذه البيئة السياسية الجديدة التي تتبلور بعض ملامحها في الداخل‏,‏ بالاضافة الي سمات البيئة الدولية التي تتيح التدخل بأشكال مختلفة في شئون الدول والمجتمعات الأخري‏,‏ سواء عن حق أو باطل‏,‏ يصبح من حق المصري أيا كان موقفه الفكري والسياسي أن يناقش أخوة في الوطن دفعتهم ظروف وطموحات وأسباب مختلفة للهجرة إلي الخارج منذ زمن‏,‏ وباتوا الآن يشعرون بأن عليهم مسئولية تجاه وطنهم‏.‏ وفي ظل هذا الإطار العام ليس من حق أحد أن ينكر حق الأقباط المصريين في الخارج‏,‏ بداية من الولايات المتحدة ومرورا بأوروبا ونهاية باستراليا‏,‏ في الاهتمام بأوضاع اخوة لهم في الداخل‏.‏ ولكن يظل السؤال المشروع عن طبيعة هذا الاهتمام وتوجهاته وأهدافه الكبري‏,‏ القريبة والبعيدة معا‏,‏ ويظل أيضا مشروعا السؤال عن موقف الأقباط في الداخل مما يجري لهم في الخارج؟

والواضح هنا أن خريطة أقباط المهجر مركبة الملامح والأبعاد‏,‏ وفيها تنوعات كثيرة من الأفكار والمنظمات والشخصيات الفاعلة في مجتمعاتها الجديدة‏,‏ كما أن فيها تنافسات شخصية ليست قبطية أصلا‏,‏ ولكنها تحمل توجهات معينة تجاه ما يجري في مصر كالمنظمات الأمريكية التي تحمل توجهات صهيونية‏.‏ وهو ما يضع هناك قيودا شديدة علي مسألة زعم أي طرف أنه يمثل أقباط مصر أو أنه هو الوحيد القادر علي طرح همومهم في الخارج والدفاع عن مطالب معينة لهم‏.‏ ونحن نعلم ان هناك الكثير من الأقباط المصريين في الخارج يعتبون علي الإعلام المصري إما تجاهل أوضاعهم في الخارج‏,‏ أو النظر اليهم باعتبارهم كتلة واحدة يسودها التطرف الفكري والسياسي تجاه مسألة الوحدة الوطنية التي تمثل قضية مصيرية بكل المقاييس‏.‏ وهؤلاء يرون أن هذا التوصيف يقلل من قدرتهم علي طرح المشاكل القبطية في الداخل وفي الخارج بدرجة أعلي من الموضوعية‏,‏ مقابل الطرح الذي تقدمه شخصيات قبطية أخري ذات صوت زاعق وفكر يقوم علي تشويه ما يجري في مصر وإشاعة المزاعم والمبالغات والوصول الي وصف بعض مشكلات الأقباط بأنها إبادة بعد أن كانت من قبل اضطهادا منظما‏.‏

هذه الملامح العامة للحالة القبطية المصرية في الخارج تقود بالضرورة الي النظر الي وقائع ومطالب المؤتمر الذي عقد في واشنطن في الاسبوع الماضي تحت مسمي مؤتمر عام أقباط المهجر ولمدة أربعة أيام‏,‏ باعتباره مؤتمرا يعبر فقط عن جزء محدود من أقباط المهجر وليس كلهم‏,‏ ووراءهم بعض منظمات أمريكية وأوروبية تعني أساسا بتوفير بيئة سياسية ومعنوية تتيح التدخلات في شئون المجتمعات العربية والإسلامية تحت شعارات ومزاعم الاضطهاد الديني القائم في هذه البلدان تجاه الأقليات الدينية الموجودة فيها‏,‏ والطرفان يجمعهما هدف استدعاء الضغوط الدولية علي الحكومة المصرية‏,‏ وبالتالي فلا يمثلون الاتجاه العام بين الأقباط المصريين في الخارج‏,‏ وبالقطع لايمثلون سوي شريحة لاتذكر من أقباط مصر العائشين في قلبها ووجدانها‏.‏

ومع ذلك فمن غير الحكمة تجاهل ما جري في هذا المؤتمر‏,‏ لا من مسلمي مصر ولا من أقباطها‏.‏ فالمؤتمر يعكس في شق منه توجها منهجيا يحمل الشر كله لهذا البلد‏,‏ ينكر علي مصر سعيها في ترسيخ مفاهيم المواطنة والحرية والمشاركة فيها بين كل أبنائها‏,‏ وتشويه ما يجري في الداخل‏,‏ وإهالة ما هو بذيء علي دين الغالبية‏,‏ والتبشير بفصل أبناء المجتمع عن بعضهم بعضا‏,‏ والمؤكد أنه لاتتوافر في اللحظة الجارية معطيات جارية تدعم هذه التصورات الخطيرة‏,‏ بيد ان معالجة الأمور لاتؤخذ بما هو جار وحسب‏,‏ بل بما يمكن تحقيقه في ظروف معطيات اخري يمكن بلورتها وتشكيلها في المستقبل‏,‏ وبالرؤية العكسية فإن إفشال هذا المخطط الخطير مستقبلا يبدأ في اللحظة الجارية‏,‏ ويبدأ أولا بأن تعزل الغالبية القبطية الساحقة في الداخل وفي الخارج معا‏,‏ والتي تحب وطنها وتؤمن بوحدته واستقراره وتطوره‏,‏تعزل نفسها تماما عن هؤلاء الذين يريدون لهم كل شر تحت شعارات براقة وخادعة‏,‏ ويعرفون من كل قلوبهم انها الويل قبل الغنيمة‏,‏ والخطر قبل المصلحة‏.‏

هذا العزل يجب ألا يكون مجرد بيانات وتصريحات عابرة بقدر ما يكون جهدا منظما ومضادا‏,‏ يحمل صوت العقل والحكمة والتضحية من أجل الوطن الجامع‏,‏ ومد الأيدي مع كل القوي السياسية في الداخل للوقوف أمام هؤلاء الأكثر تطرفا وحقدا حتي علي اخوتهم في الدم والدين‏.‏ ولعل إقامة مؤتمر قبطي مصري خالص‏,‏ في ربوع الوطن‏,‏ يدعي اليه الأصوات العاقلة في الخارج‏,‏ ويشارك فيه مسلمو مصر المخلصون لها‏,‏ ويطرح رؤية موضوعية لما يجري وما يراد مستقبلا‏,‏ يكون هو الرد الأمثل علي مؤتمرات خارجية ستظل محل شبهة وخطر جسيم مهما فعل أصحابها‏.‏
الرد مع إقتباس