محمد هشام عبيه
بص وطل
في مسرحية "في انتظار جودو" الشهيرة، التي كتبها الكاتب البريطاني الراحل "صمويل بيكت"، لا يظهر على خشبة المسرح سوى شخصيتين فحسب، كل منهما يمر بالعديد من المشاكل والأزمات التي لا يحاولان معالجتها أو الخروج منها، بل يظلان معا في انتظار "جودو" وهو شخص وهمي قيل لهما بأنه يملك كل مفاتيح الحل.. وتنتهي المسرحية والأبطال لا يزالون في مكانهم محلك سر دون أي تطور أو تقدم.. لأنهم لا يزالون في انتظار "جودو" الذي لا يأتي أبدا!
وهكذا تبدو الحياة السياسية في مصر الآن بعد نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أكدت بشكل حاسم أن الحياة السياسية في مصر تنقسم إلى قوتين أساسيتين فحسب؛ الحكومة التي يمثلها الحزب الوطني، والإخوان المسلمون، وهكذا بات الجميع في انتظار "جودو".. هو ذلك الحزب أو التيار السياسي الثالث الذي يمكن أن يضيف التوازن إلى الحياة السياسية في مصر.. الخوف كل الخوف أن يكون هذا الحزب المتوقع "جودو" آخر لا يأتي أبدا!
الحديث عن حزب ليبرالي جديد بات ملحا وبشدة مؤخرا، خاصة بعد أن انحسر تأثير التيار الجديد في الحزب الوطني وسيطر التيار التقليدي على انتخابات مجلس الشعب، وبخاصة في جولتيها الثانية والثالثة، مما أوحى للبعض بأن التيار الجديد خسر معركته مع التيار القديم، للدرجة التي جعلت أنصاره يفكرون في الخروج من الحزب الوطني لتأسيس حزب جديد.
في نفس الوقت كانت الأحزاب الليبرالية الموجودة بالفعل تعاني من كومة أزمات قد تنهي -أو لعلها أنهت بالفعل- أي أمل في أن تعود من جديد للمشاركة بفعالية في العمل السياسي في مصر.
فحزب الوفد يعاني من خروج معظم كوادره الإصلاحية، بعد أن فرض رئيسه د."نعمان جمعة" سيطرته على معظم نقاط القوة في حزبه، وبعد أن بات يتعامل بتسلط واضح، وبانفعال ملحوظ في كل قراراته التي همشت من دور الحزب، وأرجعته إلى أعوام ما قبل ثورة 1919 أي قبل إنشاء الحزب نفسه.
حزب الغد هو الآخر يبدو أنه سيلقى المصير نفسه ولو كانت الأسباب مختلفة، فالحزب الذي أعطى -فور ظهوره- بصيصا من الأمل لدى الكثيرين، وأوحى للبعض بأنه سيعيد تجربة الليبرالية المصرية وأنه قد يكون بديلا حقيقيا للـ"الوفد"، وقع في فخ المؤامرات والدسائس والانقسامات، فتقلصت الطموحات والأحلام التي وصلت إلى كرسي الرئاسة وأصبحت محدودة ضئيلة ربما يصل أقصاها في ألا يبقى رئيسه د."أيمن نور" وراء القضبان لفترة أكبر.
وهكذا بدا أن ظهور "جودو" أصبح أمرا مهما للغاية..
"منير فخري عبد النور" نائب رئيس حزب الوفد الأسبق والذي تم فصله مؤخرا بقرار منفرد من رئيس الحزب، أعلن صراحة أنه لا يمانع مطلقا في أن ينضم إلى الإصلاحيين في الحزب الوطني من أجل تأسيس حزب ليبرالي جديد يحمل المسئولية التي فشل في تحملها الأحزاب القائمة.
في الضفة الآخرى، كان د."أسامة الغزالي حرب" عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني، يؤكد ضرورة أن يظهر حزب ليبرالي في مصر، نفس الرأي اتفقت عليه د."منى مكرم عبيد" الأستاذة بالجامعة الأمريكية وسكرتير حزب الغد السابق... رتب الأقوال والأوراق معا ثم تعال لنقرأ النتيجة لنكتشف أن الحزب الجديد قد يضم "جمال مبارك"، "أسامة الغزالي حرب"، و"منير فخري عبد النور" و"منى مكرم عبيد".. هل يمكن أن يحدث هذا فعلا؟
على الورق كل شيء ممكن، والتعريف المختصر المباشر للسياسة هو "فن المتاح"، وهو ما يعني أن هذا يمكن أن يحدث فعلا، إلا أن الأمر -عمليا- يبدو مليئا بالكثير من المعوقات..
فالحزب سيمر على لجنة الأحزاب التي –رغم تغيير بعض أعضائها- فإنها لا تزال تتعامل بكثير من التوجس والأرتكارايا مع أي حزب جديد، فما بالك إذا كان هذا الحزب ليبراليا يضم الكثير من الإصلاحيين بشكل قد يهدد الأحزاب القائمة بالفعل؟ إلا أنه في نفس الوقت لو ضمت تركيبة الحزب الجديد شخصا مثل "جمال مبارك" فالأكيد أن الإجراءات القانونية الروتينة ستكون لصالح الحزب الجديد.
لكن يبقى الأهم.. تواجد الحزب في الشارع.. هذا يتطلب مقرات.. وأعضاء كثر.. وصحيفة قوية.. وما إلى ذلك.. وهي أشياء من الصعب أن يتم توفيرها في وقت وجيز إلا إذا صاحب ذلك تخطيط محكم ودقيق وإمكانيات لا حد لها..
حسنا.. ليس علينا سوى التوقع والانتظار.. فربما.. ربما.. يأتي "جودو" هذه المرة!
http://www.boswtol.com/5gadd/sahsah_71_01.html