http://www.copts-united.com/gnews/mi...from=&ucat=12&
كفر سلامة .. عن الوحدة الوطنية أتكلم
نجاد البرعي . المصري اليوم (عدد 564 /29/12/2005)
في خضم الحديث عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، وفى وسط الهول الذى سببه الحكم الجاثر بحق الدكتور أيمن نور، توارت أحداث كفر سلامة عن الأنظار، وحظيت فقط بخبر فى الصفحة الأخيرة من جريدة «المصرى اليوم » فى العدد 560 تتوسطه صورة تمثل قيادات مسيحية وإسلامية ، أمامها زجاجا: المياه المعدنية ، التى بالقطع لا يشرب منها أى شخص من أهالى الكفر الفقير، ولمن لا يعرف فإن كفر سلامة هي قرية صغيرة من أعمال مركز منيا القمح فى محافظة الشرقية ، تعرضت لحادثة يمكن أن تحدث كل يوم بين سكان أية قرية صغيرة فى مصر، خلاف بين جارين ضرب أحدهما . الذى تصادف أنه كان مسيحيا . إلآخر. الذى تصادف أيضا أنه كان مسلما . ضربة عشواثية لم يكن يقصد بها قتله ، ولكنها . والأعمار بيد الله . أدت إلى وفاته .
وهنا هبت العصبية الدينية ، فقام أهل القرية من المسلمين على منازل المسيحيين فيها حرقا وتدميراً، انتقاما لمن مات ، وتدخلت الشرطة لإقرار النظام وقبضت على القاتل وعائلته .
حتى هنا يبدو الأمر عاديا ، فهناك عقوبات لابد من توقيعها على من أدت فعلته إلى موت الضحية ، وهي عقوبات قد تصل إلى السجن سبع سنوات ، وهناك عقوبات أخرى لابد أن توقع على من أخذوا العدالة بأيديهم ، واستباحوا ممتلكات جيرانهم وإخوانهم فى الوطن وأشاعوا فيها الحر ق والتدمير. ذلك هو المفترض من دولة يحكمها القانون ، دولة مدنية بحق ، يعرف فيها الجميع العقوبات التى يمكن أن توقع عليهم ، فيما لو انتهكوا محارم القانون ، ولكن ما حدث كان أفظع وأدهي .
لقد ترك القانون جانبا، وشكل مجلس للصلح حضره سكرتير عام المحافظة ومأمور مركز منيا القمح ، وأمين الحزب الوطنى، وبعد أن أشاد الجميع بالوحدة الوطنية والود والإخاء، الذى يحكم العلاقة بين عنصرى الأمة حكم المجلس بما يلى:
ا . دية القتيل المسلم نصف مليون جنيه يدفعها، ليس فقط القاتل ، ولكن عائلته وذويه وكل المسيحيين الموجودين فى القرية
2. يخرج الجانى وأبناؤه من القرية . أى ينفوا من أوطانهم . إلى أى مكان آخر، فأرض الله واسعة
3 . يبيع المسيحيون من أبناء القاتل وذويه منازلهم إلى أبناء القتيل وتخصم قيمتها من قيمة الدية ، وذلك باعتبار أنهم ما عادوا يحتاجون إليها بعد أن تم نفيهم من القرية .
4. لا حديث عن الخسائر التى أصابت المسيحيين من جراء قيام المسلمين ، بإشعال النار فى منازلهم انتقاما من مقتل أحد المسلمين على يد مسيحي، باعتبار أن العوض على الله .
5. لا حديث عن عقاب الجناة الذين أشعلوا النار فن بيوت مسيحيين آمنين لا لشىء إلا لأنهم يشتركون فى الديانة مع الجانى، فهؤلاء كانوا فى حالة غضب ، والغاضب معذور.
لإن ما حدث في كفر سلامة ، حتى على النحو الذى نشرته "المصرى اليوم" . وأنا أملك معلومات أكثر تفصيلا وصورا أكثر من فاضحة وكاشفة . يمثل جريمة يتعين على السلطات أن تحاسب كل من اشترك فيها، بدءا بسكرتير عام المحافظة ، وانتهاء بمأمور القسم ، الذى ترك واجبه فى تعقب الجناة وذهب يشرب المياه المغدنية على أنقاض منازل الضحايا .
أن القانون لابد أن تعلو كلمته ، فيقدم القاتل وحده إلى العدالة ، ويدفع وحده . إن ثبتت إدانته . جزاء ما اقترفت يداه ، لا يجوز أن يتحمل وزره أحد معه من أبنائه أو أقاربه أو أصدقائه أو من يدينون بديانته من المسيحيين .
لا يمكن السماح بالاستيلاء على بيوت ذوى الجانى وأقاربه وأصهاره وجيرانه لمجرد اشتراكهم معه فى الديانة ، إن البيع الذى يتم وسط هذه الظروف هو بيع يشوبه إكراه ويقع باطلا لا قيمة له ، ولكن الأهم هو قيمة دية القتيل المسلم ، فهل سمعنا عن تعويض لقتيل يبلغ نصف مليون جنيه ؟ يموت الرجل تحت التعذيب فى أقسام الشرطة وبين يدى حماة القانون ، فيعطى القضاء أهله خمسين ألف جنيه أو أقل ، فهل تقدر قيمة الدية . وهى فى حقيقتها تعويض . وفقا لديانة القاتل والقتيل ؟ أم أن لها معايير منضبطة تقدر عليها ؟ ثم من يقدرها؟ ومن يؤديها ؟
هل يمكن إخراج مواطن مصرى من بلده وقريته لأن قريبه أو حتى والده ارتكب جرماً أيا ما كان هذا الجرم ؟ أم أن للمصريين المسيحيين قانونا مختلفا ؟.. هل وصل بنا الحال إلى أن ننفى بعضنا بعضا من بلادنا وقرانا، تحت سمع وبصر رجال السلطة التنفيذية ؟ ألا يعرف هؤلاء أن تلك الواقعة قد تشكل جريمة تطهير عرقى، وهي جريمة معاقب علي دوليا؟ ألا يخشون أن يعتبر الحل الذى وصلوا إليه فى كفر سلامة مثالا يحتذى فى باقى القرى ، فيخرج الأعز منها الأزل ، فتكون لدينا قرية مسيحية وأخرى مسلمة ، ثم نبدأ حديث التقسيم .
أننى أكتب لبنى وطنى أحذرهم مما يحدث بين ظهرانيهم وهم عنه غافلون . أننى أدرك أن أهل المتهم الذين أخرجوا من أرضهم سوف يجدون أبواب سفارات كثيرة مفتوحة لهم ، وجمعيات كثيرة فى الخارج تحتضنهم وتروي قصتهم ، فهل يدرك من تورط فى جلسة الصلح التى نشرتها "المصرى اليوم"معنى ذلك ونتائجه ؟ لا أظن .