عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 16-06-2005
2ana 7or 2ana 7or غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2004
المشاركات: 745
2ana 7or is on a distinguished road
أبكى معنا على مصر الحديثة!؟

نبيل شرف الدين يبكى معنا...
GMT 16:00:00 2005 الخميس 16 يونيو
أيمن السميرى
-----------------------------------------------------------------

عـائـد لـتـوى من القاهرة الى الصين بعد إجازة قصيرة ضاعفت ركام المرارة بداخلى وفاقمت أوجاعى. عائد الى الصين المشتعلة عملا وحيوية تبعث على الذهول. عائد من وطنى.. وأحر قلباه.. خمسة عشر يوما تركت فيها زوجتى وطفلتى التوأم "خمس سنوات" ببكين بعدما رفضن مشاركتى الإجازة. زوجتى وبناتى مصريات ويعشقن مصر بالمناسبة. خمسة عشر يوما كانت كافية لتنشيط ذاكرتى بأوجاع مزمنة علمنا الوطن منذ خمسينيات القرن الماضى أنها أمر طبيعى ينبغى أن نتعايش معه ونرضى به من قبيل الوطنية. أحسست بمصر منذ اللحظة التى بدأ فيها ضابط الجوازات الصينى ليو نانج يحدق خلال صفحات جواز سفرى الفولكلورى وهويبحث عن رقمه الذى إعتاد فى كل جوازات السفر ذات الحجم الواحد الستاندرد لكل بلاد الدنيا أن يلمحه بنظرة واحدة، لم يدر بخلده يوما أنه سيطالع جواز السفر الأخضر الكبير المكتوب بخط اليد الردىء، جواز سفر تعلن أولى صفحاته أن حامله أدى الخدمة العسكرية وليس مطلوبا من قبل أمن الدولة وأنه الفقير إبن الفقراء الذين مإنفكوا يقبعون بقرية من قرى المنصورة يدعون له كل صباح أن " يحبب الله فيه خلقه ويوسع فى رزقه "، ولأنى بخبرة السفر أعرف أين تكمن المشكلة،أنقذت ضابط الجوازات من حيرته وأشرت له بإصبعى على رقم الجواز الموجود بصفحة أخرى غير صفحة الصورة التى يبحث فيها، ولمزيد من الغموض فإن عبارة" رقم الجواز" مكتوبة باللغة الفرنسية وليس الإنجليزية،إتسعت دهشة الضابط الباسم وهو يعقب باللغة الصينية : أوه.. أى جى !! والكلمة تعنى : ياللعجب... مصر !! فالرجل كانت بلاده حتى الخمسينيات ترى مصر نموذجا تسعى الصين الى إستلهامه ولم يتخيل أن يكون جواز سفر رعاياها بهذا الشكل المتدنى. تبادلنا ضحكات سريعة وهو يحاول بإنجليزية ركيكة أن يشرح لى كيف أنه شاهد فى التلفزيون الصينى وهو صغير مسلسلا عن حياة مفكر مصرى كفيف، كان يقصد مسلسل الأيام للنجم أحمد زكى عن حياة العظيم طه حسين. هو المسلسل المصرى الوحيد الذى عرضه التلفزيون الصينى ويتذكره الصينيون دائما عندما يتحدثون عن مصر.

خمسة عشر يوما كانت كافية لشحن بطارية الهوان والخضوع بداخلى بداية من موظف الجمارك الذى هالة كونى قادما من الصين فقام بعمل " فرش متاع " لحقائبى بحثا عن خبيئة ربما تكون جهاز dvd أو كاميرا ديجتال أو أى من "الممنوعات" الشهيرة التى يحملها غالبا العاملون والمدرسون بالخارج لأولادهم بعد سنوات العرق تحت سوط الكفيل الخليجى. لم يعثر مفتش الجمارك الهمام إلا على هدايا بسيطة لبسطاء يلهج لسانهم بالدعاء ليل نهار للغائب فى أخر بلاد المسلمين والبوذيين. أخلى موظف الجمارك سبيلى وتركنى أجمع أشلاء الحقيبة وأحاول إغلاقها بلا فائدة. قبلها تجاوزت ضابط الجوازات المتجهم، وفى الممر لاحقنى صغار درجات الشرطة والعمال وعاملات النظافة المنتفخات بعبارة واحدة : " حمدالله عا السلامه ياباشا " والترجمة المهذبة لها " أين البقشيش ؟"

أصل الى شقتى بمدينة العبور بضواحى القاهرة لأجد ورقة ملصقة على بابها تفيد بأنه سيتم مصادرة الشقة...! نعم مصادرة، لأن الشقة تتمتع بقرض حكومى وهى غير مسكونة، أزعم أن الحكومة لم تجروء على التفوه بلفظ مصادره فى وجه لصوص قروض المليارات المهربة للخارج وهى تسترضيهم وتحاول التصالح معهم.أدخل شقتى المائة متر لأجد الكهرباء مقطوعة وكذلك الماء، ألقى بحقائبى وأهرع بملابس السفر الى جهاز المدينة ( الجهة الحكومية المشرفة على المدينة ) حاملا معى مايثبت ملكيتى وسدادى للأقساط فى موعدها بل ولعام مقدما وكذلك جواز سفرى الذى يثبت وجودى وأسرتى خارج البلاد، عبثا أحاول إقناع الموظف وأنا أقف مذعورا أمامه وهو يضع كاسيت على مكتبه يترامى منه صوت عمرو خالد وهو يبكى ويدعو وخلف المكتب عشرات الملصقات لأيات قرأنية وأحاديث وأوراد الصباح والمساء. أرسلنى الى مكتب رئيس الجهاز بمبنى أخر عرفته من السيارة الشيروكى التى تقف أمامه قالت سكرتارية مكتبه أنه فى إجتماع عدت الى جيش الموظفين بعدما أسعفتنى ذاكرتى بأدبيات التعامل مع مثل هذه النوعية من البشر بدءا من " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " مرورا " ببارك الله فيك يا أخى وجعلها فى ميزان حسناتك " مع عدم نسيان إضافة لاحقه الى كل جمله أقولها مثل " بمشيئة الرحمن سبحانه وتعالى " أو الدعاء للموظف أو التعبير عن السماحة والإيمان الذين يشعان من وجهه ومن زبيبة الصلاة. أفلحت محاولاتى وطلب منى أن أكتب تعهدا جامعا مانعا بأنى فلان الفلانى القاطن بالعقار رقم... أقسم أننى متواجد خارج البلاد وأننى أسكن بالشقه محل البحث، سألنى عن العنوان فقلت حى الشباب بشارع مدرسة القديس يوسف، إنتفض من مكانه وقال: لقد أسمينا جميع شوارع المدينة بالإرقام ؛ شارع 7..شاع 17 وهكذا عدا هذا الشارع هو الوحيد الذى أسميناه شارع عمر بن الخطاب بعدما لاحظنا أن كثيرا من الأخوه يسمونه شارع مدرسة القديس يوسف مثلك. هللت لملاحظته الثمينة وغيرته على الإسلام وقلت الله أكبر.. أكثر الله من أمثالك اللهم أعز الإسلام يارب !!.أفلح النفاق الرخيص، ختم على ورقة وناولها لى وأنا أتنفس الصعداء لإستعادة شقة أولادى ووعدنى بإعادة الكهرباء والماء خلال يوم او يومين وكأن الأمر يحتاج هو الأخر الى بحث. بعد أسبوع من إستعارة الكهرباء من جارى المسيحى بسلك وفيشة، جاء مندوب الجهاز وعامل الكهرباء، شاهدوا الشقة وأثاثها المترب، شاهدوا ملابس أولادى ملقاة على أريكة منذ أخر مرة خلعوها قبل السفر، شاهدوا نتيجة الحائط وهى متوقفة على اليوم الذى غادرت فية وطنى، شاهدوا إنهزامى وغربتى فى بيتى وهم يباركون لى عودة الكهرباء وينتظرون منى أن أكافئهم ماديا وأدعو لهم.

فى الطريق الى المنصورة فى الحافلة المكيفة كما هى العادة تصدعت رأسى بشريط تغييبى فرضه السائق على الجميع لداعية من الدعاة الجدد صب من خلاله كل أمراضه النفسية وعقده الجنسية فى أذاننا على مدار ساعة ونصف الساعة ثم أتبعة بشريط قديم لكشك يشتم فية عبد الحليم حافظ وعفاف راضى.

فى مصلحة الشهر العقارى بإدارة مرور المنصورة ذاق أبى المسن - المتماثل للشفاء من متاعب العمود الفقرى - العذاب صنوفا ونحن نتنقل بين المكاتب الضيقة وننتظر ساعات فى مكان ضيق حار حشرنا فية، كل هذا كى أحرر له توكيلا ببيع سيارتى الصغيرة أثناء غيابى. تعاقب علينا الموظفون بساديتهم حتى إنتهى بنا الأمر الى رئيسة مكتب الشهر العقارى بمرور المنصورة التى لم نرى منها سوى عينين خلف سواد كامل، لم تحتمل تبرمى من كل هذا الإذلال وعقبت فى حدة بصوت عال " إحنا مش ناقصين فلسفة فارغة "

فى الصباح ذبح الباشكاتب رئيس تحرير الصحيفة الحكومية بسكينه المسموم الفنان والمثقف المبدع عبد العزيز مخيون. كان الباشكاتب يعرض بتشف وخسة لدقائق الحادث الذى تعرض له الفنان عبد العزيز مخيون والذى قد يتعرض له أى إنسان، مارس رئيس التحرير- الذى يزعم أنه "بالحق يقول" فى جريدة دينية من مطبوعات مؤسسته- كل أحقاده وغله فى شخص مثقف كعبد العزيز مخيون لمجرد أنه عضو بحركة "كفاية "نسى الكاتب كل تراث الإسلام الذى تتغنى به مطبوعته الدينية عن الستر وستر المؤمن ومداراة عورات المسلمين أحسبه يظن أن عبد العزيز مخيون هندوسيا أو بوذيا.
1/2
الرد مع إقتباس