عرض مشاركة مفردة
  #11  
قديم 16-03-2006
الصورة الرمزية لـ bolbol
bolbol bolbol غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 995
bolbol is on a distinguished road
تكمله المقال

أزمة معالجة

لم يؤد تسليم الملف القبطي إلى أجهزة الأمن إلى تسوية هذا الملف بل إلى تفاقمه. وحدث في أحيان كثيرة ما يشبه التوافق الصامت بين قيادات محلية فاسدة ترفع لواء الطائفية للتغطية على ضلوعها في فساد منظم وبين أجهزة أمن تسعى لتسكين الملف الطائفي من منطلق درء المفاسد، والحفاظ على أنماط علاقات مجتمعية-دينية وسياسية- دون مستوى المواطنة بهدف بلوغ التوازن بين رؤية تيارات وجماعات تسعى إلى حرمان المجتمع من بعض المكاسب المدنية التي تتمتع بها، وبين رؤية تيارات وقوى تسعى لتحقيق المواطنة الكاملة بكل ما تعنيه الكلمة من معان في إطار دولة حديثة. وعادة ما يؤدي هذا المسلك التوازني إلى الإخفاق في تحقيق المواطنة، فكرا وممارسة.

الأحداث التي وقعت في عام 2004 بدءا من شائعات التغرير بالفتيات المسيحيات في بعض المحلات التجارية، مرورا بالأحداث الطائفية في سمالوط انتهاء بما حدث في أسيوط والبحيرة يكشف ضرورة عودة الملف القبطي مرة أخرى إلى المؤسسات السياسية. فقد أدى غياب الخيال السياسي في المعالجة، وغلبة عقلية الاحتراس الأمني إلى تفاقم الأحداث، وتنذر سماء السياسة المصرية حبلى بغيوم طائفية مماثلة قد تمطر بشدة العام المقبل. ويبدو أن الاتجاه التفكيكي يسود في المجتمع بوعي أو بدون وعِ. فانتشار الشائعات الطائفية دون التصدي لها لفترة طويلة، وصمت الإعلام الحكومي- مرئيا ومقروءا ومسموعا- عن التصدي بشفافية لأحداث طائفية تتناولها الفضائيات على نطاق واسع، وتتصدر مانشيتات صحف المعارضة، واستمرار خطاب إعلامي تقليدي حول الوحدة الوطنية والمؤامرة الخارجية، والركون إلى المفاوضات الطائفية في تسوية المشكلات التي تعبر عن حالة ما قبل المجتمع الحديث سوف يقود حتما إلى وجود قنوات تعبير طائفية أكثر حدة، وهو ما يعني أن هناك ما يشبه الاتفاق الضمني اللا واعي على تمزيق عري المجتمع.

الوضع الراهن يتطلب هندسة سياسية جديدة. وقد يكون من الملائم عودة الملف القبطي مرة أخرى للمؤسسات السياسية بوصفه قضية مواطنة وحريات وليس قضية أمن وذلك في إطار من دولة القانون. ومن المفيد تشكيل لجنة عليا تضم شخصيات من مختلف القوى السياسية محل إجماع وطني عام للتعامل مع الملف القبطي باعتباره تعبيرا عن مواطنة منقوصة على غرار ما حدث مع ملف المرأة المصرية الذي أدير على نحو أفضل من الملف القبطي نظرا لاعتباره- منذ اللحظة الأولى- ملفا سياسيا وليس أمنيا، ملفا جامعا وليس فئويا.

إذا حدث ذلك فسوف يذهب الشباب القبطي للتظاهر أمام مجلس الشعب تعبيرا عن همومه ومشاكله ، وليس في ساحة الكاتدرائية، وسيخرج من حيز الفعل الطائفي إلى حيز الفعل السياسي. كل ذلك رهن بتغيير زاوية الرؤية في التعامل مع الملف القبطي، واعتباره ملف سياسي وليس أمني، ملف وطني وليس طائفي، ملف مستقبل وليس آني. في هذه الحالة فقط سيولد المواطن القبطي الذي يتحرك في الفضاء العام بناء على رؤية سياسية، ولن يختزل في مجرد عامل طائفي للضغط على مفاوضات تجري خلف الأبواب الموصدة.
الرد مع إقتباس