عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 03-06-2005
yaweeka yaweeka غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2003
الإقامة: USA
المشاركات: 3,170
yaweeka is on a distinguished road
طارق البشري يضحي بالأقباط دفاعًا عن الوطن!!

طارق البشري يتحدث عن الجماعة الوطنية:

التضحية بالأقباط دفاعًا عن الوطن!!

قد يفاجأ القارئ في بداية تصفحه لكتاب «الجماعة الوطنية.. العزلة والاندماج» للمفكر والمستشار «طارق البشري» والصادر عن كتاب الهلال مؤخرًا باستهلاله لكتابه بالحديث عن تعداد المسيحيين في مصر، وبالحديث عن «الخط الهمايوني» باعتبار أن له ما يماثله من قيود علي بناء المساجد. ولكن بوصول القارئ إلي الصفحات الأخيرة من الكتاب، سيكون قد فقد دهشته الأولي، ليحل محلها دهشة «أكبر.. وخوف علي الوطن».

من المفترض أن الكتاب يتحدث تفصيلاً عن الجماعة الوطنية (المصرية) خوفًا عليها، ورغبة في توضيح ما يخفي علي الأعين، لتقوية أواصر هذه الجماعة في زمن يتربص فيه الشر بالوطن، وتتغير فيه ملامح العالم بأسره لتتشكل من جديد. إلا أن الكتاب وعلي مدي فصوله العشرة، يكرس أوراقه لتأسيس نظرية لا يمكن سوي أن تسمي «إجحافًا» بالأقباط وإن تجملت بأسماء أخري يراد بها باطل.

ورغم أن المستشار «طارق البشري» يحاول إظهار أنه يدافع عن المسيحيين من فتاوي وآراء متطرفة، إلا أنه هو نفسه يشرع أدبيات لاضطهاد الآخر.

وفي كل الفصول يتعامل المستشار «البشري» مع الأقباط علي أنهم الآخر، وكأنه يسلبهم حق المواطنة المصرية، حتي أنه في آخر فصول الكتاب «الولاية العامة لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي»، يسترجع - وبقوة - مناهج للتفكير أصبحت تاريخًا، ورمي بمائتي عام من تطور مجتمعنا في سلة المهملات، متهمًا إياها بأنها سنوات غريبة عن مجتمعنا المصري، واستحضر سنوات كان «المصري» يعامل فيها باعتباره «رعية» لخلافة لا يملك منها شيئًا ولها عليه كل الحقوق. وبناءً علي ذلك فإن تقييمه لمفهوم المواطنة يبني علي أساس الدين، ليكون المصري هو المسلم، أما المسيحي فهو من أهل الذمة، وليس له من حق إلا بقدر ولائه للجماعة المسلمة!!!

والمؤسف.. أن نقرأ كلامًا كهذا في القرن الواحد والعشرين، وبعد تاريخ ثري ومشرف للمجتمع المصري في معني المواطنة، أما الأكثر أسفًا، فهو براعة المستشار «البشري» في كل فصول كتابه، لترسيخ مبدأ التعامل مع «القبطي» علي أنه ليس من الجماعة المصرية، وما يترتب علي ذلك من ضرورة إعادة النظر في حقوقه وواجباته!

وينكر الكتاب علي «الكنيسة المصرية» تدخلها في شئون الأقباط، والحديث باسمهم أمام الدولة، علي اعتبار أن الكنيسة بهذا تنصب نفسها ندًا للدولة، وتتدخل بين الدولة ومواطنيها!! في حين لم يتعرض المستشار لكل المؤسسات الإسلامية التي تنصب نفسها كولي علي المسلمين وترهبها الدولة وتخشاها، وتحسب لها ألف حساب.

وعودة إلي مقدمة الكتاب، فقد بذل فيها المؤلف جهدًا كبيرًا، للبحث في تعدادات عدد المسيحيين في مصر، ليثبت أنهم قليلون للغاية، مما يعني وضع ذلك في الحسبان، للرد علي مطالب بعض منهم بزيادة عددهم في المناصب ورغم أن الحديث في الظاهر، يبدو أنه يريد الإشارة إلي أنه لو هناك قلة في عدد المسيحيين في المناصب العليا، فهذا طبيعي ومتناسب مع تعدادهم، فإن الهدف المقصود هو إغفال رغبة الجماعة القبطية في حقوق متساوية بالنسبة للحصول علي المناصب والتمثيل في الوظائف العليا.

ورغم إصرار الكاتب علي الحديث عن الديمقراطية والجماعة الوطنية، لكنه دائمًا ما يلبس ذلك ثوبًا إسلاميا.. «ليظهر بذلك ما يمكن أن يدعم بناء هذه الجماعة مما يسعه فقه العقيدة الإسلامية، وكيف يمكن أن يستوعب فقه المسلمين الآخذ من عقيدتهم أوضاع المساواة والمشاركة في إطار الجماعة الوطنية».. أي جماعة وطنية يقصد؟ فما معني الوطن في مفهومه؟ أهو وطن للمسلمين فحسب؟!

أما ما هو شديد الإيلام، فما ورد في الفصل الذي يحمل عنوان «الوضع الديني في مصر.. بين المنطوق والمسكوت عنه» في إشارة إلي بعض دعاة الصهيونية في مصر، في بداية القرن الماضي، وكيف أن المصريين وقتها لم ينتبهوا لخطورة هذه الدعوة مبكرًا، وذلك في إشارة واضحة وصريحة، إلي كل من يطرح الحديث عن أوضاع تمس الأقباط في مصر! وأنه يجب اتخاذ الحيطة والحذر كي لا نفاجأ في المستقبل بما لا تحمد عقباه!!

وبالطبع: لا وجه للمقارنة فهذا شيء بديهي، لكن الغريب أن يتم الحديث عن مواطنين مصريين بهذه الكيفية، وتشبيههم بأعداء الأمة جهارًا نهارًا، وأعجب بشدة أن يقول المستشار «البشري» هذا، وهو الذي يصر في بداية كتابه علي أنه يريد إزالة اللبس، الذي يحدثه مصريون مهاجرون، عن أوضاع الأقباط في مصر، مما يزرع الخوف في نفوس المسيحيين المصريين! فأي خوف يمكن أن يتولد، أكبر من الخوف الذي سيتولد لدي مسيحي مصري يقرأ كلمات تشبهه بالحركة الصهيونية؟!

المستشار «طارق البشري» يذكر أن هناك مغالطات تاريخية وقعت في كتاب تحدث عن تاريخ أقباط مصر.. حسنًا لنكتب التاريخ مرة أخري، تاريخًا لا يحابي فئة علي أخري، تاريخًا يحكي مظالم وقعت من حكام غير مصريين.. علي كل المصريين، وتاريخًا لا يحابي أحدًا علي حساب أحد.

وإذا كان المستشار «البشري» يري أن هناك ضغائن مكبوتة لدي الأقباط، باعتبارها جماعة تعيش وسط جماعة أكبر عددًا، فالحل ليس في تهميش الأقباط، ولا أي جماعة أخري بل في مناخ ديمقراطي، يتيح للجميع التعبير عن أنفسهم ومواجعهم، وحينها لن تكون هناك أسرار مدفونة، ولا فرص للتدخل الأجنبي.

بقي أن نقول: إن الكتاب قبل أن يتعامل مع الأقباط باعتبارهم جزءًا منفصلاً، فإنه يهدم أسس المواطنة المصرية، ويردم مشروع النهضة المصرية علي مدي قرنين.. والسؤال هو: لصالح من يفعل ذلك؟

فاطمة خير



http://www.al-ahaly.com/Archive/1-6-2005/Art2.htm
الرد مع إقتباس