عرض مشاركة مفردة
  #44  
قديم 18-05-2004
da3eef da3eef غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2003
المشاركات: 8
da3eef is on a distinguished road
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية على خمسة أقوال [وما زال الكلام للقرطبي رحمه الله] :

الأول : أنها منسوخة ، وهي في أهل الأوثان ، لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم . والناسخ لها عندهم قوله تعالى : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " (التوبة : 5 ) وقوله " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم " (الأنفال : 57 ) وقوله : "وقاتلوا المشركين كافة " (التوبة : 36) الآية ، قال قتادة والضحاك والسدي وابن جريج والعوفي عن ابن عباس ، وقاله كثير من الكوفيين . وقال عبد الكريم الجوزي : كتب إلى أبي بكر في أسير أسر ، فذكروا أنهم التمسوه بفداء كذا وكذا ، فقال اقتلوه ، لقتل رجل من المشركين أحب إلي من كذا وكذا .

الثاني : أنها في الكفار جميعا . وهي منسوخة على قول جماعة من العلماء وأهل النظر ، منهم قتادة ومجاهد . قالوا : إذا أسر المشرك لم يجز أن يمن عليه ، ولا أن يفادى به فيرد إلى المشركين ، ولا يجوز أن يفادى عندهم إلا بالمرأة ; لأنها لا تقتل . والناسخ لها " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " (التوبة : 5) إذ كانت براءة آخر ما نزلت بالتوقيف ، فوجب أن يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومن يؤخذ منه الجزية . وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة ، خيفة أن يعودوا حربا للمسلمين . ذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة " فإما منا بعد وإما فداء " قال : نسخها " فشرد بهم من خلفهم " . وقال مجاهد : نسخها " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " [ التوبة : 5 ] . وهو قول الحكم .

الثالث : أنها ناسخة ، قال الضحاك وغيره روى الثوري عن جويبر عن الضحاك : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " (التوبة : 5 ) قال : نسخها " فإما منا بعد وإما فداء " . وقال ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء : " فإما منا بعد وإما فداء " فلا يقتل المشرك ولكن يمن عليه ويفادى ، كما قال الله عز وجل . وقال أشعث : كان الحسن يكره أن يقتل الأسير ، ويتلو " فإما منا بعد وإما فداء " . وقال الحسن أيضا : في الآية تقديم وتأخير ، فكأنه قال : فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها . ثم قال : "حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق " . وزعم أنه ليس للإمام إذا حصل الأسير في يديه أن يقتله ; لكنه بالخيار في ثلاثة منازل : إما أن يمن ، أو يفادي ، أو يسترق . [أقول : وهذا قول ضعيف مخالف للنصوص ، كما سيأتي]

الرابع : قول سعيد بن جبير : لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف ، لقوله تعالى : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " (الأنفال : 67 ) . فإذا أسر بعد ذلك فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل أو غيره .

الخامس : أن الآية محكمة ، والإمام مخير في كل حال ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وقاله كثير من العلماء منهم ابن عمر والحسن وعطاء ، وهو مذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأبي عبيد وغيرهم . وهو الاختيار ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فعلوا كل ذلك ، قتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث يوم بدر صبرا ، وفادى سائر أسارى بدر ، ومن على ثمامة بن أثال الحنفي وهو أسير في يده ، وأخذ من سلمة بن الأكوع جارية ففدى بها أناسا من المسلمين ، وهبط عليه عليه السلام قوم من أهل مكة فأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم ومن عليهم ، وقد من على سبي هوازن . وهذا كله ثابت في الصحيح ...

قال النحاس : وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما ، وهو قول حسن ; لأن النسخ إنما يكون لشيء قاطع ، فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول بالنسخ ، إذا كان يجوز أن يقع التعبد إذا لقينا الذين كفروا قتلناهم ، فإذا كان الأسر جاز القتل والاسترقاق والمفاداة والمن على ما فيه الصلاح للمسلمين . وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد ، وحكاه الطحاوي مذهبا عن أبي حنيفة ، والمشهور عنه ما قدمناه ، وبالله عز وجل التوفيق .. (تفسير القرطبي \ مختصراً)

أما قول الله تعالى "حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا" قال مجاهد وابن جبير : هو خروج عيسى عليه السلام . وعن مجاهد أيضا : أن المعنى حتى لا يكون دين إلا دين الإسلام , فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة ، وتأمن الشاة من الذئب . ونحوه عن الحسن وال***ي والفراء والكسائي . قال الكسائي : حتى يسلم الخلق . وقال الفراء : حتى يؤمنوا ويذهب الكفر . وقال ال***ي : حتى يظهر الإسلام على الدين كله . وقال الحسن : حتى لا يعبدوا إلا الله . (تفسير القرطبي) .. فالذين ينعقون بنظريات الحمام عليهم مراجعة كتاب رب الأنام : لن يوضع السيف حتى يُقتل الدجال على يدي عيسى عليه وعلى نبينا السلام ..

جاء في الكشاف للزمخشري "ومعنى الإثخان‏ :‏ كثرة القتل والمبالغة فيه من قولهم ‏:‏ أثخنته الجراحات إذا أثبتته حتى تثقل عليه الحركة‏.‏ وأثخنه المرض إذا أثقله من الثخانة التي هي الغلظ والكثافة يعني حتى يذل الكفر ويضعفه بإشاعة القتل في أهله ويعز الإسلام ويقويه بالاستيلاء والقهر‏.‏ ثم الأسر بعد ذلك‏" (انتهى) ..

لقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالإغلاظ على العدو لما في ذلك من مصلحة إرهاب أعدائه ، فإنهم كانوا يستضعفون المسلمين ، فكان في هذا الإغلاظ على الأعداء تحريض على عقوبتهم ، لأنهم يستحقونها. وفي ذلك رحمة لغيرهم لأنه يصد أمثالهم عن التفكير في الإعتداء على المسلمين ويكفي المؤمنين شرهم. ولا تخالف هذه الشدة كون الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين ، لأن المراد أنه رحمة لعموم العالمين وإن كان ذلك لا يخلو من شدة على بعضهم ، كقوله تعالى "ولكم في القصاص حياة" ، وهذا معنى قوله تعالى :

"فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ" (الأنفال : 57)

نقل القرطبي عن الزجاج في تفسير قوله تعالى " فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ" : افعل بهم فعلا من القتل تفرق به من خلفهم . (انتهى) ..

وقال الزمخشري في الكشاف : "‏فشرد بهم من خلفهم" ‏ففرق عن محاربتك ومناصبتك بقتلهم شر قتلة والنكاية فيهم من وراءهم من الكفرة حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد اعتباراً بهم واتعاظاً بحالهم . (انتهى) ..

قال البغوي في تفسيره : " أنذر بهم من خلفهم . وأصل التَّشريد : التفريق والتبديد ، معناه فرق بهم جمع كل ناقض ، أي : افعل بهؤلاء الذي نقضوا عهدك وجاؤوا لحربك فعلاً من القتل والتنكيل ، يفرق منك ويخافك من خلفهم . (انتهى) ..

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : أي نكل بهم . قاله ابن عباس والحسن البصري والضحاك والسدي وعطاء الخراساني وابن عيينة .. ومعناه : غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلا ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم ويصيروا لهم عبرة " لعلهم يذكرون " وقال السدي : يقول لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك . (انتهى) ..

وقال الطبري رحمه الله : قال ابن زيد ، في قول الله : "فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم" ، قال : أخفهم بما تصنع بهؤلاء وقرأ "وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم" . (انتهى) ..

وبعد أن عرفنا الحكمة من التعامل بهذه الغلظة والقوة مع الأعداء من كتاب الله ، فلنعرّج على أحكام الأسير في الشريعة الربانية ، ليعلمها المسلمون ، ويحصل لهم بهذا العلم حصانة من فيروسات وفطريات المنافقين والنائحين على أشلاء الصليبيين ..
الرد مع إقتباس