عرض مشاركة مفردة
  #55  
قديم 13-03-2005
mashmash1111 mashmash1111 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2005
المشاركات: 145
mashmash1111 is on a distinguished road
ناقوس الخطر
رضوخ الدولة للكنيسة يفتح الباب لمطالبات طائفية
د. رفيق حبيب
تتوالي أحداث التظاهر القبطي، منذ حادثة السيدة وفاء قسطنطين، ومن مظاهرات العباسية حتي مظاهرات الفيوم، يتكون موقف وممارسة سياسية، لها توابعها بالتأكيد، بل نقول إن ما يحدث في هذه الأحداث المتتالية، يمهد لما يأتي بعده، وهو ما سيكون أكثر أهمية وتأثيرا، لا علي مستقبل ووضع الأقباط في مصر، بل علي مستقبل الجماعة المصرية ككل. علينا إذا التركيز علي دلالات تكرار الحدث، والكيفية التي يحدث بها، لنحاول معرفة تأثير الحدث علي صانعيه، وكذلك تأثيره علي المستقبلين له. فبعد تكرار المطالبة بتسليم من تشهر إسلامها للكنيسة، ورضوخ الدولة لهذا النوع من المطالب، نتوقع تكوٌن موقف لدي الأقباط، أو بعضهم يدفعهم للتمادي في هذا النوع من المطالبات. وعلي الجانب الآخر، نتوقع تزايد حالة الضيق العام من التصرف القبطي، لأنه جاء في موضع غير مبرر للعامة.
وكي نصل لتحديد خطورة الموقف وكيفية التصدي له، علينا أولا فهم دلالة التأثير المتكون لدي كل الأطراف. فالأقباط سيتكون لديهم شعور بأنهم أصحاب الحق الوحيد في تحديد طبيعة كل موقف يتعرضون له، ولا يسمح لأحد بالحكم علي أي من هذه المواقف وتحديد أسبابها. فإذا أسلمت امرأة مسيحية، فتطلق الشائعات التي تؤكد أنها خطفت، ثم يحق للأقباط التصرف علي هذا الأساس، وليس لأي جهة الحق في مراجعة الشائعات التي تطلق، ولا يحق لأي جهة نفي هذه الشائعات، أو إعلان الحقيقة. وإذا اتفق الجميع علي خطأ المعلومة التي سادت بين الأقباط، نجد عدم تصديق من الأقباط، وتأكيد مستمر علي حقيقة ما ساد بينهم من معلومات، وإذا اكتشف بعض الأقباط عدم صحة هذه المعلومات، نجد تغييرا للمبررات والتفسيرات ولكن في نفس الاتجاه.
انشقاق الوعي
عندما يختلف وعي جماعة بالأحدث التي تمر بها، عن وعي بقية الجماعة المصرية، فيري الأقباط الأحداث ووقائعها بصورة تختلف جذريا عن رؤية عامة المسلمين لها، وكذلك عن رؤية أجهزة الدولة، نكون بصدد شقاق في الوعي. فالأقباط يرون أنهم حققوا وجودهم وتأثيرهم باستعادة من يخرج من المسيحية، ويضعون لذلك مبررات منها حدوث اكراه أو خطف أو غيرهما. وعامة المسلمين يرون ما يحدث بوصفه ممارسة لسلطة كنيسة تمنع من يريد اعتناق الإسلام. فما فعله الأقباط هو حق من وجهة نظرهم، وخروج علي القانون من وجهة نظر المسلمين. وهذا التباين الحاد في تفسير وفهم ما يحدث، يمثل شقاقا في الوعي بين الجماعات المشكلة للجماعة المصرية الواحدة. والشقاق في الوعي هو الذي يقود للشقاق العملي والحياتي للجماعة المصرية، وأي جماعة أخري.
فالاختلاف الجذري في الوعي بالواقع يقود في نهاية الأمر لشكل من أشكال النزاع الأهلي، ويؤدي بالتالي لفتح المجال أمام الصراعات الداخلية، وضرب التماسك الداخلي، والتأثير سلبا علي قيم التعايش. فمثل هذه الحالات تسحب من الرصيد التاريخي للتعايش، أيا كانت درجة الضرر التي تلحق بتاريخ التعايش. فالتباين الحاد في رؤية الواقع، يجعل كل طرف يدافع عن حق لا يراه الآخر. مما يؤدي إلي تحلل القواعد المشتركة، وضعف الرابط القانوني، وسيادة الفوضي في نهاية الأمر. فالنزاعات الأهلية، في أي شكل لها، تقوم علي تعارض الوعي، وتعارض المصالح. وتعميق حالة التعارض مع تكرار الأحداث يؤدي إلي تأصيل حالة التعارض بين مكونات الجماعة المصرية لحد يصعب معه معالجة ما حدث، دون حدوث أضرار حقيقية. فالاختلاف الحاد في إدراك الواقع، يؤدي لنوع من العزلة، يترتب عليها تزايد حالة الصراع: فالعزلة ضد التعايش، والصراع لا يحدث مع التعايش.
تصاعد المطالب
من جانب آخر، نتوقع تغير حدود مظاهر الاعتراض مع توالي الأحداث. فكلما مارست جماعة أسلوب الاحتجاج وحققت نتيجة إيجابية من وجهة نظرها، كلما أعطتها هذه النتيجة ثقة في موقفها أو في قوتها أو أعطتها ثقة في مناسبة الظروف المحيطة. فتري الجماعة أنها علي حق، وتري أن الوقت والظروف المحيطة بها، خاصة الظروف الدولية، في مصلحتها. مما يدفع الجماعة لتأكيد موقفها وحقوقها من وجهة نظرها، دون التفاعل مع وجهة نظر الآخرين، أي دون التفاعل مع محيطها الخارجي، ومع الجماعة الأكبر التي تنتمي لها.
وهذه الأوضاع تؤثر علي روابط الجماعة الفرعية، مثل الجماعة القبطية، بالجماعة المصرية العامة. وتتجه الجماعة لفك ما يحد حركتها من قواعد أو قيود متفق عليها. مما يدفع الجماعة للسير في طريق تحدده، ولا تري غيره، وينغلق وعيها عن كل ما هو خارج عنها، ولا تري الصواب إلا فيما تفعل، ولا تراجع نفسها، ولا تتأثر بالمواقف وردود الفعل المحيطة بها. بل تستمر الجماعة في طريقها، وتعتبر كل اعتراض تواجهه وكأنه حرب عليها، فتقاومه لتؤكد مشروعية حركتها.
تلك الحالة، التي نري أنها تتكون داخل الجماعة القبطية، أو داخل شريحة معتبرة منها، تؤدي في النهاية إلي الدخول في المناطق المحظورة، أو التي اتفق في التجارب التاريخية الماضية، علي أنها مناطق محظورة. فحالة الاندفاع التي تمر بها جماعة مترابطة ومنعزلة نسبيا عن محيطها الخارجي، تدفعها إلي تجاوز التاريخ المشترك، من خلال تحويل شعورها بالاضطهاد أو الظلم، إلي طاقة منفلتة تطرح تصورات عن وجودها وحقوقها في سياق خارج التجربة التاريخية، وبالطبع خارج الرؤية العامة للجماعة المصرية ككل.
نري إذن اتجاه أحداث الاحتجاج القبطي نحو مرحلة تتجاوز المسائل الفردية الخاصة بإشهار الإسلام، للتحول لمجمل المطالب القبطية. ويصبح الاحتجاج سياسيا ليس في مضمونه فقط، بل في شعاراته ومطالبه المعلنة. وخطورة هذا المنحي، أنه قد يؤدي إلي احتجاج سياسي في مواجهة الدولة المصرية، يحدد مطالب سياسية طائفية، مستعينا بالظرف الدولي، الذي أضعف سيادة الدولة، وأضعف النظام الحاكم نفسه. وإذا تصورنا حدوث ذلك، ورضوخ الدولة له، فسيترتب علي ذلك شرخ حقيقي في داخل الجماعة المصرية.
ناقوس الخطر
علينا إدراك الحالة التي تمر بها مصر الآن، وليس فيما نري تهويل، وعلينا ألا نركن للتهوين. فما حدث منذ قضية وفاء قسطنطين، غريب علي الأقباط أنفسهم. فلم نسمع من قبل أن طالبت الكنيسة ومعها جماهير قبطية بحقها في منع من يريد التحول عن المسيحية للإسلام. وحالات تغيير الدين تحدث، من جانب المسيحيين والمسلمين. وفي قضية السيدة وفاء، تم تبرير ما حدث بسبب أنها زوجة كاهن، ولكن ما حدث في الفيوم، أكد خطأ هذا التفسير، وأكد أن المسألة برمتها تتجاوز التفاصيل، ولا ترتبط بالحالة الخاصة التي تتواكب معها، ولكنها تتجاوز ذلك إلي حالة عامة تمر بها جماعة من الجماعات المشكلة لأمتنا. وهي حالة تتواكب مع محاولات الخارج لتفكيك أمتنا، فتصبح حالة مرشحة للتدويل، لأنها تناسب خطط التدخل الخارجي، وتعطي له ورقة يستخدمها عندما يريد.
إن غياب النقد الذاتي داخل الأقباط، أمر محير في الواقع، والبعض يري أن علينا أن نعرف الأسباب، ونزيل المبررات. وكأن ما يحدث هو نتيجة مباشرة لما واجهه الأقباط من مشكلات، فإذا زالت المشكلات زالت معها حالة الاحتجاج والمطالب القبطية. والحقيقة أن تجارب التاريخ لا تؤيد هذا الموقف، فما يحدث من احتجاج قبطي خرج من دائرة رد الفعل إلي دائرة الفعل، وأصبح تعبيرا عن موقف وتوجه قبطي، له علاقة برؤية الجماعة لنفسها ولمحيطها، وليس مجرد غضب نتيجة مشكلات محددة. ومن المهم ملاحظة كيف ينفلت الغضب في مواقف غير مبررة، ولم تكن في حد ذاتها تمثل جوهر مشكلات الأقباط. وعلينا ملاحظة دور التفسير القبطي، وخروجه في بعض الأحيان عن الوقائع، وتداوله لروايته الخاصة.
ومن يعتبر ما يحدث مجرد رد فعل، يتجاهل أن بعض الأفعال لا يمكن أن توضع في دائرة رد الفعل، وبالتالي تفقد مبررها في نظر الغالبية. فالممارسة التي تؤثر علي مجمل الأوضاع، والتي يكون لها تأثير تاريخي، لا توضع في خانة رد الفعل، بل تدرك في الوعي الجمعي علي أنها فعل قائم بذاته. لهذا تحتاج الجماعة القبطية لمناقشة مواقفها واتجاهاتها، كما تناقش مشكلاتها. فهي ليست مجرد متلقي لما يحدث حولها، بل كيان فاعل له رؤيته وأفكاره.



--------------------------------------------------------------------------------