عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 29-10-2005
2ana 7or 2ana 7or غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2004
المشاركات: 745
2ana 7or is on a distinguished road
تكملة موضوع مؤتمر الأقباط وحق الصراخ العلني

تكملة ...........

وإذا سلمنا جدلاً بأن المسيحيين كأقلية يصعب عليهم خوض الانتخابات في مجتمع تتجه ذائقته إلى التعصب الديني يوماً بعد يوم، حتى أوشك المجتمع المصري أن يصبح "تنظيم جهاد" ضخم، والشواهد على ذلك لا حصر لها، بدءاً من سلوك الناس اليومي الذي يتطلب دراسات ميدانية موسعة، مروراً بالأفكار المتشددة التي بات المواطن البسيط يرددها كالببغاء، والتي تجذرت بفضل تشابك عوامل القمع السياسي والإحباط الاجتماعي والأزمات الاقتصادية، فضلاً عن كبسولة البث اليومي التي يتجرعها المواطن من وسائل الإعلام التي اتسعت بها مساحة المواد الدينية والفتاوى، لدرجة أن صحيفة كبرى تفرد أسبوعياً صفحة كاملة لشخص لم نسمع به قبل أن يبلغ العقد السابع من عمره، ليعيث إفساداً في عقول القراء بهرطقات لا تصمد أمام أبسط مناقشة علمية محترمة، ناهيك عن أيقونات الدعاة الجدد، وتفشي أنماط التدين الشكلي دون أن يكون له أي مردود على صعيد تراجع الجريمة، أو مستوى الأداء الذي تدهور في شتى مناحي الحياة .
كل هذه العوامل تضافرت وتفاعلت معاً لتفرز في النهاية مواطنين مستعدين للموت والتظاهر ضد رواية "وليمة لأعشاب البحر"، أو مسرحية (قال أيه) تستهزئ بالإسلام، بينما لا يفكر أي من هؤلاء في الاحتجاج على سلوك حكومة تنتهك القوانين جهاراً نهاراً، وموظفين يرتشون على رؤوس الأشهاد، بل يتعايشون مع هذه الأمراض ببساطة من لا يعنيهم الأمر، بينما يكمن في علاجها حل كافة أزمات هؤلاء المغيبين بفعل جرعات التحريض اليومية، التي تستهدف دفعهم للجري خارج الملعب فكما كان "للبيت رب يحميه" ذات يوم فإن للإسلام رباً يحميه، وليس مطلوباً من أي مسلم سوى أن يرعى الله في فعله وقوله، لأن ديناً عاش أربعة عشر قرناً، ويعتنقه أكثر من مليار إنسان لا يمكن أن تنال منه رواية، لكن الصمت والسلبية تنال من قوت أبنائنا الذي ينهبه لصوص المال العام، ويختطفه المنافقون وأثرياء الحرب، وباعة الشعارات ومدمني المحسوبية، ومع ذلك يتظاهر الآلاف ضد رواية لم يقرأها أي منهم، أو مسرحية لم يشاهدها أحد، وبعد كل هذا مازال البعض يطربنا ويشجينا بخزعبلات النسيج الواحد، والهلال مع الصليب، وعناق البابا وشيخ الأزهر، وغيرها من الحلول السياحية، وليست السياسية، ثم يتهمون من يسمي الأشياء بمسمياتها بالطائفية والخيانة والعمالة والتطرف، تماماً كما تفعل أي ساقطة تنال من كل شريفات الحي بوصمهن بالعهر، وهو تبجح يمارسه صنف من البشر يطلق عليه الموروث الشعبي تعبيراً دقيقاً تنفرد به الثقافة المصرية وهو "القارح"، أي الفاجر الذي لا يخجل من سلوكه المشين، بل يباهي به، ويزايد على الآخرين دون أن يرمش له جفن .
***
مرة أخرى نعود إلى مؤتمر الأقباط، ولما خلصنا إلى أن هناك بالفعل مسألة قبطية تستحق المناقشة، وأن النظام ليس جاداً في معالجتها، بل يؤثر التعامل معها من منظورين، الأول سياحي عينه على "الخواجة"، والثاني ينحصر في استخدام المسكنات، ويضع ملفاً سياسياً من هذا الوزن في قبضة أجهزة الأمن التي لا تملك سوى أدواتها المهنية، دون خبرات المواءمة وتقدير المواقف وفق حسابات سياسية دقيقة، ورصد تفاعلات القوى في المجتمع، وفي المقابل فإن صقور المعارضة يؤثرون سلاح الإدانة الاستباقية، وتكرار العبارات الممجوجة عن رفض الإصلاح من الخارج، بينما لا نرى إصلاحاً من الداخل ولا الخارج، بل يتأكد للجميع يوماً بعد يوم أن مشروع النظام الحالي الوحيد هو "التمديد والتوريث"، وكل ما يقدمه النظام بيده اليمنى ينتزعه باليسرى، لنظل نراوح في ذات الدائرة المفرغة من الوعود الكاذبة والتعهدات الخرافية، بينما ينكر مثقفونا ونخبنا على الجريح أن يصرخ، وعلى المكلوم أن يدمع، ولا يقيمون وزناً لتراث من المظالم، بينما تقود قوى الشر الشارع والبسطاء إلى مزيد من التعصب، وتتراجع قيم التسامح والتعايش ويسود مناخ الاحتفاء بالهوس، وتصبح جماعة دينية كالإخوان المسلمين أهم حزب سياسي معارض في البلاد، وبعد كل هذا يستنكر الأشاوس على الأقلية مجرد "حق الصراخ العلني" في واشنطن أو حتى في جهنم، بينما يبرم الجميع صفقات ما خفي منها أكثر مما هو معلن مع جماعة محظورة تاريخها ملطخ بالدم كالإخوان، والمطلوب بعد ذلك من الأقباط أن يطمئنوا إلى أن كل شئ على ما يرام، ويدبجوا مقالات كتلك التي يقترفها "***** الحكومة" والتي يهرطقون فيها عن النسيج الواحد، ووحدة الهلال مع الصليب، ويغضون البصر عن كل ما يجري من تحريض وتمييز .
***
تبقى في النهاية ثمة تساؤلات بسيطة، لنفترض مثلاً أن الأقباط طلبوا عقد مؤتمرهم في مصر، فهل يضمن أحد أن تصرح لهم الحكومة بذلك
وهل تتعهد السلطات بحمايتهم من الغوغاء الذين خربوا عدة مؤتمرات حاول معارضون وحقوقيون عقدها كما حدث مع سعد الدين إبراهيم ومركز الكلمة وغيره؟
وهل يتفضل التلفزيون الحكومي والصحف التي يفترض أنها قومية بتغطية هذا المؤتمر بشكل مهني احترافي لا يقوم على الإدانة أو التجاهل أو الانتقائية ؟
وهل تستجيب الحكومة مع هذا المؤتمر فتوفد ممثلاً للحضور ولو بصفة مراقب، ليستمع لهؤلاء وهم بلا شك فئة محترمة من أفضل أبناء الوطن، وليسو أعداء؟
وهل لا يزال يساور عاقل أدنى شك بأن نظاماً يصر على افتراض الغباء والبلاهة في مواطنيه، يمكن أن يقدم على إصلاح يدرك أن أولى ثماره هي الإطاحة به؟
وهل تتخلى النخبة السياسية والثقافية عن تراثها الشمولي، وتكف عن مداهنة الغوغاء، لأن مهمة النخبة في أي مجتمع هي توعيته وقيادته، لا الانسياق وراء الدهماء، لانتزاع الإعجاب والتصفيق، بينما تظل كلمة الحق ثقيلة لا يجرؤ على التصدي لها إلا نفر قليل يدفعون الثمن فادحاً، لكن عزاءهم الوحيد أن أجيالاً قادمة ستجني ثمار هذه المواقف النبيلة، تماماً كما جنينا حصاد جيل آباء النهضة مثل طه حسين وأحمد لطفي السيد ومحمد عبده وغيرهم .
والله غالب على أمره
Nabil@elaph.com
الرد مع إقتباس