عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 15-01-2007
boulos boulos غير متصل
Gold User
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,586
boulos is on a distinguished road
لا أعتقِد أنّ إنسانًا يتّقي الله، ويحمِل درجة الدكتوراة، يمكِن أن تصدر عنه كل هذه الأخطاء الدينيّة والعلميّة والتاريخيّة في مقالٍ واحِد.. وأمام هذا الكَمّ الهائل من الأكاذيب والافتراءات هناك احتمالان، فإمّا أنّ الكاتب جاهل بتاريخ اليهود أو أنّه مُغرِض يودّ تشويه سُمعَتهم بأي شكل حتّى ولو بتزوير التاريخ.. عمومًا، ولأن الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد هو كتابنا أيضًا نحن المسيحيين، فيهمُّنا توضيح الحقائق بالتعليق على كلمات الدكتور النجّار في النقاط الآتية على التوالي:
1- ماهي مصلحة اليهود في تحريف التوراة؟!.. وكيف يزعم كاتب متعلِّم أنّ هناك تحريف على الرّغم أن التاريخ يؤكِّد أنّ اليهود كانوا متشدِّدين جدًّا في الحفاظ على كتبهم المقدّسة، ويتوخُّون الدِّقة المتناهية في نساختها وحفظها.. والمخطوطات القديمة الموجودة الآن –وبعضها يرجع للقرن الثاني قبل الميلاد- تحمل لنا مجموعة من النُّسَخ الكاملة لجميع أسفار العهد القديم مكتوبة بدِقّة وتنسيق بديع، ومُطابقة لِما هو بين يدينا الآن من طبعات وترجمات حديثة..!
ثمّ كيف يبيعونها قراطيس للناس؟ هل على سبيل البَرَكة؟! أَم لوضع الفاكهة فيها؟! أَم لغرضٍ آخَر؟!!.. ومَن هم الناس المقصودون؟ هل هم من اليهود أَم مِن غير اليهود؟!.. وما هو الغرض من البيع؟! هل لجَلب المال أم لجلب الرِّزق؟! أَم لأسبابٍ سِرِّيّة استراتيجيّة لا نعلمها؟!!..
كيف لا يستحي الكاتب من مثل هذا الكلام السّاذِج؟!!
2- عندما يتّهم الدكتور زغلول اليهود بأن عقيدتهم تقول أنّ [غير اليهود هم حيوانات خُلِقَت في هيئة البشر حتّى يكونوا لائقين بخِدمة اليهود، ومِن هُنا فهم عبيدٌ لليهود، ولا يجوز التعامُل معهم بأيّ قدرٍ من الإنسانيّة أو الرّحمة..] فنودّ أن نطلب منه أن يستخرج لنا من الكتاب المقدّس النصوص التي تقول هذا.. وإذا لم تكُن توجَد، فيكون كلامه لونًا من الكذب الصريح والتشويه المتعمّد للعقيدة اليهوديّة، والتي يقول الإسلام أنها ديانة سماوية.. وعجبي على مَن يرسم صورة مُشوَّهة مِن خياله لشيءٍ ثم ينهال عليها بالسخرية والنقد اللاذع، وعندما ننبّهه أن هذا التشويه ليس له وجود في الواقع، يصمِّم على السخرية، ولا يرضى عن خياله بديلاً..!!
أمّا فكرة شعب الله المُختار، فهذا بالفِعل كان موجودًا في العهد القديم ولكن كوضع مَرحَلي؛ لأن اليهود كانوا الشعب الذي اختاره الله ليبدأ به العلاقة مع البشريّة مرّة أخرى بعد السقوط في الخطيّة، كباكورة لكلّ البشريّة، والتي يسعى الله لخلاص كل نفس فيها.. ولذلك كان الله يكرِّر في العهد القديم أنّ "إسرائيل ابنه البِكر"، وكان يرعى ويُعِدّ هذا الابن البكر لكي يأتي منه مُخَلِّص البشريّة مِنَ عقوبة وسلطان الخطيّة.. ولذلك بعد مجيء السيد المسيح مخلِّص العالم مولودًا من النسل اليهودي، وتتميمه الخلاص على الصليب، فتح الله أحضانه لكلّ البشريّة، وصار الخلاص مُقَدَّمًا لكلّ مَن يقبل المسيح المُخَلِّص في حياته، ويدخل معه في عهد بالمعموديّة، فيصير ابنًا لله.. وبهذا، فقد انتهى وضع شعب الله المُختار، إذ أصبح الخلاص مُقَدَّمًا للجميع، والبنوّة لله لكلّ مَن يقبل الإيمان بالمسيح ويدخل معه في عهد الموت عن الحياة القديمة ونوال الحياة الجديدة بالمعموديّة..!
إذن بعد المسيح لا مجال نهائيًّا لمقولة شعب الله المُختار..!
ونودّ هنا أن نؤكِّد أن الحركة الصهيونيّة التي أثمرت دولة إسرائيل الحديثة هي حركة عنصريّة، خارجة تمامًا عن الإطار التاريخي للتدبير الإلهي في العهد القديم.
3- ما هي الأدلّة العلميّة والتاريخيّة التي يسوقها لنا الدكتور زغلول على أنّ توراة موسى أشبعها اليهود تحريفًا ودسًّا وتزويرًا؟! فهل هناك وثائق تؤكِّد هذا؟ وهل هناك سبب منطقي يدعو لهذا التحريف المزعوم، مع ملاحظة تقديس اليهود العظيم لشخصيّة موسى النبي، وكل كتاباته؟ وهل يمكِن أن تكون هذه الادّعاءات كلامًا علميًّا لمَن يحمل درجة الدكتوراة؟! أم أنّ الكراهية عندما تتملّك قلب إنسان تجعله يفقد صوابه ويهذي بألفاظٍ وعبارات ليس لها أي أساس من الصِّحة..!!
4- التوراة بالفِعل هي أسفار موسى الخمسة.. وقد كتبها موسى في كتاب وسلّمها للكهنة بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب وأمرهم أن تُقرَأ باستمرار في مسامع كل الشّعب، الكبار والصغار، لكي يتعلّموا أن يتّقوا الرب... (تث31: 9-26). وقد قام اليهود بنساختها بمنتهى الدِّقّة نسخًا كثيرة، وكان هناك فئة مخصَّصة لهذه المهمّة الجليلة عبر كل تاريخ اليهود وحتّى مجيء المسيح، وهي فئة "الكَتَبَة".. أمّا عزرا الكاتب الكاهن بعد موسى بحوالي تسعة قرون، فقد قام بعد العودة من السبي، ومعه فريق كبير من الكَتَبَة بجمع ونسخ كل الأسفار الأخرى مع أسفار موسى الخمسة، في كتاب واحد.. والأسفار الأخرى هي الأسفار التاريخية والأدبيّة مع أسفار الأنبياء.. وكلّها كُتُب موحى بها من الله كتبها أناس قديسون بالروح القدس (2بط1: 21)..
ومِن هنا فإن كلام الدكتور زغلول الذي يقول أن أسفار موسى لم تُدَوَّن إلاّ في عهد عزرا، هو كلام يفتقر للمَنطِق وتنقصه الأمانة العِلميّة.. ونظرة بسيطة على هذه الأسفار ستؤكِّد للقارئ أن الكاتب (موسى النبي) هو شاهد عيان صادق على كلّ الأحداث، وأنّه يتمتّع بقدر وافر من الحكمة والبلاغة والدِّقّة.. وهذا ليس ببعيدٍ على موسى النبي الذي قيل عنه أنّه تهذَّب بكل حكمة المصريين (أع7: 22) والذين كانوا هم أسياد الحضارة في ذلك الوقت..!
5- في قول الدكتور النجّار [يُجمِع دارسو العهد القديم على أن "سِفر حزقيال" وُضِعَ أولاً، ثمّ رُكِّبَت حوله بقيّة الأسفار الموضوعَة..] كذب سافر لا يمكن أن يقبله أي إنسان عنده فِكرة بسيطة عن التاريخ.. فلا أعرف مِن أين يمكن أن يكون قد أتى بهذه المقولة المُدهِشة؟ فهي أقرب إلى التخريف من أي شيء آخَر.. فكيف يُجمِع الدارسون –كما يزعم- على خرافة غير منطقيّة بالمرّة مثل هذه؟ ونتوسَّل إلى العلاّمة زغلول أن يذكُر لنا اسم أي إنسان عبر التاريخ قال بهذا القول غيره.. إذ كيف يكون سِفر حزقيال الذي كُتبَ أثناء السبي (حوالي عام 590 قبل الميلاد) هو أول ما وُضِعَ من الأسفار، وهناك أسفار موسى (1450 ق.م.) ومزامير داود (1000 ق.م.)، وغيرها الكثير من الأسفار في زمن سابق لحزقيال النبي؟!.. ولماذا بالذّات حزقيال؟! هل لأن في اسمه رنينًا موسيقيًّا أعجب الدكتور؟! أم لأن اسمه غير معروف في أوساط أغلب القرّاء المُسلمين، فبذِكره سيبدو الدكتور زغلول وكأنّه عالم ببواطِن الأمور، ومُطّلِع على ما لا يَعلَمه الكثيرون؟!.. أليس هذا هو الغِش والتدليس بعينه؟!!
6- عندما يقول الدكتور زغلول النجار أنّه [كان لليهود أكثر مِن توراة مثل "التوراة البابليّة"، "توراة القُدس"، و"التوراة البيضاء"، و"التوراة السّامريّة"، و"السّبعينيّة" و"العبريّة" و"اليونانيّة" وغيرها..] هو يريد أن يُصوِّر للقرّاء أن هناك مجموعة ضخمة من الكتب والنصوص التوراتيّة المختلفة، مع أن هذا يخالف الحقيقة تمامًا..
فبدايةً.. السبعينيّة هي اليونانيّة ولا داعي للتكرار، وقد ترجمها من النصّ العبري سبعون شيخًا يهوديًّا في القرن الثالث قبل الميلاد بأمر بطليموس.. والنصّ العبري هو الذي كان موجودًا بين يديّ جميع اليهود سواء في منطقة أورشليم القدس أو خارجها.. ولعل القارئ بدأ يفطن لألاعيب الدكتور الذي يحاول أن يخدع الناس بإيهامهم أن هناك أكثر من توراة مختلفة عن بعضها.. ولكن الحقيقة أنّ التوراة هي هي، سواءً كانت مع الشعب في بابل أو في أورشليم أو غيرها من البلاد.. وجدير بالذِّكر أن العهد القديم قد تُرجِمَ إلى اللغة الآرامية (السريانيّة) في القرن الخامس قبل الميلاد ثم لليونانيّة في القرن الثالث قبل الميلاد، وهي الترجمة المُسمَّاة بالسبعينيّة كما أسلفنا..
الرد مع إقتباس