عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 10-03-2006
NEW_MAN NEW_MAN غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2003
المشاركات: 3,027
NEW_MAN is on a distinguished road
يمكن ييجي يوم ويفوق ???

قضايا و اراء
43559 ‏السنة 130-العدد 2006 مارس 11 ‏11 من صفر 1427 هـ السبت


رسالة إليها‏!‏
بقلم : مفيد فوزي



آمال ياعمر العمر‏..‏ أو العمدة آمال‏,‏ كما لقبتك الصديقة الصديقة سناء البيسي أستأذنت قاريء الأهرام‏(‏ الذي يعرف جلال الموت ومرارة الفراق وشجن الذكري‏)‏ أن أعزف علي أرغولي لحنا خاصا جدا‏,‏ أهديه لك يارفيقة أيامي‏,‏ وونس مشواري المنسوج من أفراح قليلة وأحزان كثيرة‏.‏ فمنذ‏5‏ سنوات يوم‏11‏ مارس عام‏2001‏ اتصلت بي المستشفي الذي كنت تعالجين فيه ليبلغني بصوت أجش عبارة من كلمتين‏(‏ البقاء لله‏)‏ لحظتها‏,‏ انعقد لساني ولم استطع إيقاظ ابنتنا ــ وحيدتنا ــ حنان لأبلغها برحيلك‏,‏ وان الستار اسدل علي اسطورة صراع مع المرض الضاري‏.‏ كان الوقت السابعة صباحا وشعرت فجأة بأن وزني زاد مائة كيلو‏.‏

شعرت وأنا أجلس فوق الفوتيه أني كتلة من اللحم مبللة بالدموع‏.‏
طافت في رأسي رغبتك ــ بعد الشفاء ــ في زيارة فينسيا‏,‏ المدينة الايطالية‏,‏ الحلم الراقد علي جداول ماء‏,‏ وكانت تداعب خيالك منذ كنت صبية بجداول وضفاير‏.‏ وعندما دعاني ــ انا وزملاء المهنة ــ الدكتور زاهي حواس للسفر الي فينسيا لمهمة اثرية‏,‏ انسابت دموعي امام زميل الرحلة العزيز الكاتب عزت السعدني الذي كشفت له عن رغبتك في هذه الزيارة ولم تتحقق‏.‏ أنا الذي أدمنت الرغبة في إسعادك والألم يسكن جسدك‏.‏

تذكرت كلماتك وانا اهبط بحقيبة السفر في أحد القوارب التي حملتنا إلي الفندق العائم‏.‏ طافت ذكريات كثيرة علي مرآة ذاتي‏.‏ فقد كنا نتفق ونختلف ونفرح ونغضب ونتمشي ونثور‏.‏ لم تكن حياتنا مثالية بالمعني السينمائي‏.‏

كانت حياتنا رفقة صديقين‏,‏ كل منا مرآة بللورية للآخر يري فيها نفسه جيدا‏.‏ وحين حملوك لتدخلي القبر ــ يا أعز البشر ــ تذكرت انك كنت ترفضين الدفن تحت الأرض‏,‏ واستجابوا لوصيتك للدفن علي وش الدنيا يومئذ‏,‏ عدت الي البيت وحدي حزينا مكسور الوجدان‏.‏ اشعر بأني طفل يتيم‏.‏ منذ ذلك الصباح وانا يتيم الإحساس‏,‏ أخاطب صورك المعلقة علي جدران نفسي بدون مسمار قبل المعلقة فوق الحائط‏,‏ أتوق لحنانك الذي يغمرني واهتمامك المفرط باهتماماتي وجنونك الذاهل يوم داهمتني جلطة الرئة‏.‏ منذ ذلك الصباح وانا أخاف الليل وأهاب الوحدة لأنها تذكرني بسفرك بلا عودة في رحلة مجهولة‏.‏ منذ ذلك الصباح وانا لا استطيع دخول حجرتك لأري سريرك المرتب وسيدة البيت غائبة‏..‏ منذ ذلك الصباح وأنا لاتواتيني الشجاعة علي الاستماع لواحد من شرائطك الاذاعية يامذيعة الحوارات الصعبة‏.‏ كان صعبا علي الاستماع الي صوتك وأنت الغائبة الحاضرة‏.‏

منذ ذلك الصباح وأنا أرتجف كالمحموم عندما أصغي للشدو الفيروزي‏..‏ حين تقول والمحبة لا تعرف محبتها إلا ساعة الفراق هل يجيء الموت ــ يا آمال ــ كاستفتاء علي عمق مشاعر الحب لانسان يفارقنا جسدا‏.‏

منذ ذلك الصباح وانا اتساءل‏:‏ أين ذهبت؟ اين اختفت؟ لماذا لا أسمعك تثورين؟ واين عطر عتابك؟ اين راحت خلافاتنا التي اشتقت اليها؟ منذ ذلك الصباح وحنان وأنا نزورك في مرقدك الحجري ونأتي اليك بزهور‏(‏ الجهنمية‏)‏ الملونة لنضعها أمام قبرك‏,‏ ونطلب لك الرحمة‏.‏ ونحتفل بذكراك بتحويل شرائطك الي سطور في كتاب يحمل اسم برنامجك‏(‏ صحبة وأنا معهم‏)..‏ تري من تكون صحبتك الآن علي حد قول الكاتب الصديق صلاح منتصر؟ كنت ــ يا آمال ــ واحده من واهبي السعادة‏.‏ تقدمين المتعة في حواراتك المسموعة مبحرة في عقول ضيوفك ولا يرسو ميكروفونك علي شاطيء‏,‏ إلا ومعك‏(‏ حصاد سهرة‏)‏ لمستمع كريم يصغي لك‏.‏

منذ ذلك الصباح وأنا أعتني بشدة بكوكو‏,‏ البغبغان الذي اشتريته ليؤنسك في وحدتك اثناء أسفاري‏.‏ لا تعلمين كم كان قلقي عندما قالت لي متخصصة‏(‏ د‏.‏ مني محرز‏)‏ انه من الضروري التخلص منه‏,‏ ففي مصر الآن انفلونزا الطيور‏,‏ فالفيروسات الطائرة تصل اليه عبر الهواء‏.‏ حافظنا عليه أنا وحنان‏,‏ حبسناه في غرفة مغلقه النوافذ وارسلنا من بقاياه شيئا للتحليل في معامل الدولة وكم كانت فرحتي حين ظهر أن كوكو لم يصب بأي فيروسات ومازال صداحا‏.‏

منذ ذلك الصباح البعيد‏11‏ مارس‏2001‏ يوم رحيلك وعقلي لا يكف عن السؤال لماذا جئنا الي هذه الدنيا وآخرتها فراق مفجع؟ لماذا نشقي وبعد زمن طال أو قصر‏,‏ سنفني؟ أهذه الدنيا ترانزيت ولا ندري؟ هل جئنا لنعمر الكون وماذا بعد؟ هل الكون مشوار بين فرحة ميلاد ودمعة فراق؟ واخذت افكر في معاركك في العمل والحياة وكيف كانت تستنفد اعصابك فاحترقت واحترقت معها مناعتك فكنت طعما سهلا للخبيث الجبار‏.‏ مرض الحساسين وأصحاب القلوب التي تعاني من هشاشة المشاعر‏.‏

هل كانت هذه المعارك ضرورية؟ ألم يكن في استطاعتنا ان نهمشها لأننا لن نكون مهندسي انسانية‏.‏ لكنه القدر المكتوب ياولدي‏.‏

قال كلمته وصمت هل باستطاعة التكنولوجيا التي بهرتنا وأذهلتنا وقلبت حياتنا أن تعثر علي دواء لهذا الخبيث المتوغل في الاجساد‏.‏

هل لو كنت ربة بين آمنة ولست مصابة بفيروس الفن والرغبة في التحليق‏,‏ هل كان الخبيث يدق علي بابك؟‏!‏ وهل هو مكتوب علي جبينك ــ كما يقول الحس الشعبي ـ أن الرحيل بالمرض أو بغيره في هذا اليوم وهذه الساعة وهذه الدقيقة وهذه الثانية؟

هل أهذي؟
يقول لي البعض في ذكراك تعيش وتفتكر‏,‏ ونسوا أني‏(‏ افتكرك‏)‏ دائما في صحوي ومنامي‏.‏ اتذكرك في ابداعات حنان التي أنت راهنت عليها مع أن نجمها ضعيف‏,‏ لكنها جينات‏.‏ افتكرك في حفيدنا شريف حليم الذي عرف معني الموت وكان يظن انك علي سفر طويل‏.‏ اتذكرك كلما فهمني أحد خطأ‏..‏ وكنت غدة فهم لي وتفاصيلي الصغيرة والكبيرة‏.‏ كان رادارك يستشعر عذاباتي عن بعد‏,‏ ولا حل سوي البوح‏,‏ ياصديقتي‏.‏

مات أبوبكر عزت منذ أيام في مارس‏,‏ مات بكر‏(‏ الدبور الملتزم ببيته‏)‏ كما كنت تطلقين عليه‏.‏ مات بكر رفيق رحلاتنا الصيفية الي فرنسا مع فاروق شوشة وهالة الحديدي وكوثر هيكل‏.‏ حين ذهبت للغزاء انفجرت كوثر في بكاء مرير‏.‏ باعدت بيننا مشاغل الحياة وقربنا الموت‏.‏ كوثر ــ صديقه ايامك ــ التي كانت تسميك وتناديك‏(‏ آمال العندة‏)‏ حتي هذا العناد‏..‏ اشتقت له‏.‏

و‏..‏ لست أجيد ــ يا أغلي ما في حياتي ــ أدب المرثيات ولا أحترف بناء السرادقات‏.‏ فقط‏,‏ اعبر عن اشتياق لاسمك ورسمك‏,‏ فقط‏,‏ امسكت بالأرغول الحزين‏,‏ ربما تطهرني أحزانه فقط‏,‏ خاطبتك عبر رسالة‏,‏ لن يحملها البريد لمقابر الجولف في مصر الجديدة‏,‏ التي شهدت صباك وضمت قبرك‏..‏ وقبري‏,‏ حين يأذن الله‏.‏ هل أنا أناني لأني اخترت في الممات‏..‏ صحبتك علي بعد سنتيمترات من مرقدك؟‏!‏





الرد مع إقتباس