عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 29-01-2005
محمد عبد المجيد محمد عبد المجيد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 60
محمد عبد المجيد is on a distinguished road
حوار بين الرئيسين حسني مبارك و... جمال مبارك

[FONT=Tahoma][SIZE=3][COLOR=Navy]

همست لقلمي بصوت خفيض جدا طالبا منه أن يخط بنفسه ودون أدنى تدخُلّ مني حوارا بين المباركين، الرئيس حسني مبارك والرئيس القادم جمال مبارك، فتنهد تنهيدةً كادتْ تمزق الورقة، وبدا لي أنها موافقةٌ على مضض.
فهمتُ قطعا أن الحوار َبين الرئيسين يمكن أن يلخص أوجاعَ وطنٍ، ويختصر عذابات أمةٍ، وربما يحتاج لمثل نهر النيل الخالد مدداً لعله يقص ما حدث في ربع القرن الأخير ، ثم تحرك حركةً دائرية، وبدأ يخُطّ الحوارَ التالي ...
الرئيس حسني مبارك: كنتُ فخورا بك وأنا أراقبك على شاشة التلفزيون في اليومين الأولين للمؤتمر الثاني للحزب الوطني الديمقراطي، وقد بدوت فعليا رئيسَ الدولةِ الحقيقي، أو ربما المهدي المنتظر!

الرئيس جمال مبارك: شكرا والدي العزيز فالمفاجأة كانت أكبر مما توقعت. كانت كلُ أجهزة ومؤسسات الدولة ممثلة بكبارها وصغار كبارها تجلس أمامي صغيرة، ضئيلة، مُحَجّمَة، مُقَزّمة كأنني أديت اليمينَ الدستوريةَ رئيسا مدى الحياة وفَقَدَ على اثرها الجميعُ أيّ أملٍ في زعيم آخر غيري.

مبارك الأول: ألم أقل لك من قبل بأننا نلعب الأوراقَ بمهارة، وينبغي أن تثق بأبيك فأنا لن أسمح، حيا أو ميتا، أن يرث الحكمَ من بعدي واحدٌ من هؤلاء المصريين المتخلفين الذين يتوهمون أن لهم حقوقا لَدَيّنا، وأنهم كمعظم شعوب العالم تختار زعيمها.

مبارك الثاني: كان الأمر في غاية البساطة والسهولة. الأيدي ترتعش، والظهور تتقوص، والمَسْكَنْةُ ترسم ملامحَ الوجه، والكبار العمالقة الذين تهتز الأرض تحت أقدامهم مثل صفوت الشريف وكمال الشاذلي وأحمد فتحي سرور ورئيس الوزراء وكل أعضاء الحكومة والأمن والمخابرات والجيش صغروا جميعا وهم ينظرون في عَيّنَيَّ، ولم يتجرأ واحدٌ منهم أن يسأل عن صفتي ووظيفتي الدستورية، بل إن المؤتمر كان استفتاءً حيّاً على الهواء تم تعييني بمقتضاه زعيما شابا لدولةٍ لم تعد تحتمل تمرّدا أو ثورة أو عصيانا.

مبارك الأول: الآن أؤكد لك أن الأمر لن يحتاج لتكملة مسرحية توريث السلطة فقد أعطيت أنا الاشارة في غيابي المتعَمِد لمدة يومين أن الحكم قد انتقل إليك وإذا أراد المصريون الادّعاء بأنهم أحرار يختارون رئيسهم وزعيمهم فليشُجّوا رؤوسهم، أو يخرجوا بملايينهم احتجاجا أو حزنا أو بكاء فنحن لا نكترث، وأقسم لك، ولدي العزيز، بأنني لن أترك هؤلاء الغوغاء يرثون منا مُلْكاً أو قصرا أو سُلّطة فمكانهم الطبيعي تحت أقدامنا.

مبارك الثاني: انتقال السلطة لا يقلقني وأكاد أسمع صوت الدكتور أحمد فتحي سرور يقول بصوته الجهوري وطريقته في السخرية من أعضاء مجلس الشعب بأن أكثر من ثلثي ممثلي الشعب قرروا ترشيح السيد جمال مبارك رئيسا للجمهورية خلفا للزعيم الكبير حسني مبارك،
إنما قلقي من تعاظم حركة المعارضة التي تمثلها بعض الصحف ومواقع على الانترنيت، وبعض المشاغبين من القوى الوطنية واليسارية والشيوعية والناصرية والاخوان والمستقلين.

مبارك الأول ضاحكا: وهل هؤلاء يملكون جيشا وربع مليون جندي في الأمن المركزي ونصف مليون شاب ينتمون للحزب الوطني ولا يعرفون زعيما غيرك تماما كما لا يعرف الليبيون رسولا للصحراء غير قائدهم وخيمته وناقتيه وحليبهما؟
وهل يملك هؤلاء مخابرات وأجهزة أمن ووسائل اعلام تغطي كل شبر من وادي النيل؟
وحتى مع افتراض نشر العربي، والوفد، والأهالي، والمصري اليوم، وكل نشرات الاخوان المسلمين مقالات يظن من يقرأها أنها سوف تزلزل الأرض من تحت أقدامنا، فإن في مقابل كل كلمة اعتراض هناك مئة من رجالنا يتولون حمايتنا.

مبارك الثاني: أنا لا أشك، والدي العزيز، في وفاء **** القصر الذين يبررون نزواتنا وجرائمنا وأمزجتنا، ويغَلّفون قانون الأحكام العرفية، ويُغضمون العينَ عن مئات من حالات الانتهاك والاغتصاب والتعذيب والامتهان التي يتولاها عنا رجالُ أمنٍ عاهدوا اللهَ في القَسَمِ أن يحافظوا على الوطن، فلما تبعثروا في أقسام الشرطة بطول مصر وعرضها ضربوا بعُرْض الحائطِ شعارَ الشرطة في خدمة الشعب ليصبح عمليا الشعب في خدمة القصر.
لكنني أخشى صوتا وطنيا تسمعه مصر كلها مطالبا بعصيان مدني، وفي هذه الحالة لا يستطيع ثلاثة ملايين من رجال الأمن والجيش والمخابرات وشبيبة الحزب الوطني أن يسحبوا سبعين مليونا من البشر من رقابهم كما يسحب جنود المارينز في سجن أبو غريب أهل العراق

مبارك الأول: يجب عليك أن تتحلى برباطة الجأش ولكن القسوة والغلظة والتعامل الفوقي ينبغي أن تسبق كل الأمور الأخرى.
لقد حاول والدك لثلاثة وعشرين عاما اغتيال مصر، فصنعتُ في عهدي نصّابين ومحتالين وهبّارين وبلطجية ينهبون خيرات الوطن في كل شيء يتحرك فوق أرض الكنانة، الجمارك وتحويلات المصريين والمساعدات العربية والدولية والأمريكية، وفي عهدي غَيّبْتُ ربعَ مليون مواطن أصبحوا مدمنين، وهناك ستة ملايين عاطل عن العمل، وملايين تفتك بأجسادهم الأمراضُ وتقتل روحَ الحياة فيهم خشونةٌ وصعوبةٌ ومهانةُ الحياة اليومية،
لهذا فمن الطبيعي أن تتوقع مناهضة مفاجئة لحكمك لو ظهرت قيادة ذكية وواعية تلتف حولها جماهير الشعب وهنا ستضطر للهروب من الباب الخلفي لقصر العروبة لأن أيّ محاكمة علنية لما ارتكبناه في حق مصر ستفتح علينا أبواب جهنم.

مبارك الثاني: وماذا أفعل مع الصحفيين المشاغبين الذين يُحرّضون عبيدَنا على التمرد، ويبسطون أمامهم حقوقهم التي نزعناها منهم؟

مبارك الأول:لقد تابعْتَ بنفسك الدرسَ الذي لقَناّه لعبد الحليم قنديل رئيس تحرير العربي، ولم يستغرق الأمر ساعتين هشّمْنا وجهه، وعلّمناه درجات ارتفاع وخفض الصوت لدى الحديث عن الكبار، وتركناه في الصحراء عاريا كما دفعت به لتِرْكَتِنا وعزبتنا وبلدنا بطنُ أمه.
وقائمة المترقب وصولهم إلى منافذ مصر بالآلاف، ولعلك تذكر مجدي أحمد حسين وجماعة صحيفة الشعب الذين قَدّموا مئات الوثائق والأدلة على فساد رَجُلنا الدكتور يوسف والي، فلقّنْتهم درسا بليغا، فأنا الذي أحدد قيمة الفساد، ولو جاءت مصر كلها راكعة مستجدية أن أزيح من الوزارة توأما لابليس لما فعلت لأن أكثر ما يغضبني ويثير حفيظتي هو ظن الرقيق أن لهم عملا آخر غير الركوع على أعتاب السلطة، والتذلل لزعيم مصر.

مبارك الثاني:لقد تابعتك، أبي العزيز، في الشهور القليلة المنصرمة وأدهشني هذا الكم الكثيف من الحماية التي تخشى عليك وعلينا من غضبة الشعب أو من انقلاب أو ثورة أو تمرد عسكري، فهل لديك اسباب أخرى؟

مبارك الأول: الزعيم الذكي هو الذي يتنبه للخطر قبل وقوعه بزمن طويل، وأنت ترى بنفسك دولة تغلى تحت مَسْكَنَةٍ ظاهرة، وشعبا يصرخ معظم أفراده من غلاء يقصم الظهر، ومعيشة أكثر ضنكا من أسفل خط الفقر، وقيمة للمواطن أرخص من حفنة تراب خاصة إن شاء سوء حظه أن يمر قفاه على يد ضابط أو مخبر أو مرشد أو صول في أحد أقساط الشرطة يتعلم بعدها أنه في عهدي وعهد ابني وحفيدي سيظل صفرا أكبر من صفر المونديال الذي حصلنا عليه في زيوريخ.
لذا كان من الطبيعي أن أتحرك بحذر شديد، فلو همست لك في أذنك بسرٍ أحسب أنه لم يغب عن فطنتك وذكائك المباركي الواضح لقلت بأنني أكثر زعماء مصر في تاريخها الحديث كراهية من الشعب،ورفضا من كل طبقاته، ولو ابتعد رجال الأمن عني خمس خطوات وثلاثة أمتار فإن عرش مصر لن يأتيك حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
هل تظن، ولدي العزيز، أن بامكاني الخروج في موكب رسمي وسيارة مفتوحة في القاهرة أُحَيّي الجماهير ، ويخرج المصريون يهتفون بحياتي؟
حتى تَلَقّى العزاء في الرئيس الراحل ياسر عرفات أو تأدية صلاة الجمعة في شرم الشيخ بعيدا عن غليان العاصمة كان لابد لي أن أجلس وظهري للحائط وخلفه حماية أمنية مشددة، فالمصريون كما تؤكد لي التقارير الأمريكية والغربية والاسرائيلية والصديقة لم يعودوا يحتملون أكثر مما فعلنا بهم.

الجزء الأول
الرد مع إقتباس