عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 05-04-2011
الصورة الرمزية لـ makakola
makakola makakola غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,270
makakola is on a distinguished road
جامعة الدول التآمرية



عبد الجواد سيد عبد الجواد

ارتبطت فكرة إنشاء جامعة للدول العربية بفكرة القومية العربية التى ظهرت كرد فعل ضد السيادة التركية العثمانية على المشرق العربى فى القرن التاسع عشر على يد مفكرين سوريين من أمثال عبدالرحمن الكواكبى وساطع الحصرى فى القرن العشرين. كانت مصر بعيدة تماما عن تلك الإتجاهات السياسية العروبية بسبب تمسك قيادات الجيل الأول من قادة ثورة 1919م وعلى رأسهم سعد زغلول نفسه بفكرة القومية المصرية. ولكن بسبب التطور التى كانت مصر قد حققته بالنسبة لسائر الدول العربية وأيضا بسبب تعذر قيام مشاريع الوحدة العربية المقترحة آنذاك بقيادة الأسرة الهاشمية أو الأسرة السعودية وفشل مشروع نورى السعيد فى إتحاد فيدرالى عربى سنة 1942م وربما لكل هذه الأسباب مجتمعة أخذت مصر تظهر كبديل لاغنى عنه لقيادة مشروع الجامعة العربية . وفى سنة 1936م صرح ساطع الحصرى مستشار الملك فيصل الهاشمى فى العراق وأكبر منظرى فكرة القومية العربية فى القرن العشرين بأن مصر قد حباها الله بكل الصفات الطبيعية لقيادة العرب. وهكذا إبتلعت مصر السم وبدأت أفكار القومية العربية تتسرب إلى مصر على حساب أفكار القومية المصرية منذ ثلاثينيات القرن العشرين وبدأت تلقى تجاوبا من قيادات الجيل الثانى من الوفد ومن الملك فاروق نفسه كما أعطت الأحداث فى فلسطين قوة دفع كبيرة لتيار القومية العربية بحيث غلب على المجتمع المصرى فى نهاية الأمر.

وهكذا إحتلت مصر مركز التفوق فى الجامعة العربية منذ تأسيسها سنة 1945م و كان ذلك موافقا لرغبة بريطانيا الدولة الإستعمارية الكبرى وصاحبة السيادة على مصر – آنذاك - فى خلق تجمع عربى بقيادة مصر لتحقيق مصالح الغرب ووقف المد الشيوعى المحتمل بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية. كما أصبحت القضية الفلسطينية أهم قضايا الجامعة العربية – وربما قضيتها الوحيدة - منذ تأسيسها وحتى اليوم تقريبا.
نص ميثاق الجامعة على ان تكون القاهرة مقرا دائما لها وأن ينتخب لها أمينا عاما مصريا وأن تعمل تلك المنظمة على تقوية الروابط السياسية والإقتصادية والثقافية بين الدول العربية. تحقق الشق الأول من الميثاق وظلت القاهرة – وبإستثناء فترة قليلة – مقرا دائما للجامعة كما ظل أمينها العام – وبإستثناء فترة قليلة أيضا – مصريا. لكن الشق الثانى من الميثاق الخاص بتدعيم الروابط السياسية والإقتصادية والثقافية بين الدول العربية لم يتحقق فى أى مرحلة من مراحل تاريخها بل على العكس من ذلك فقد تحولت الجامعة - بمرور الزمن - إلى منتدى لمؤامرات الدول العربية ضد بعضها البعض وكذلك فإن مركز مصر المتفوق فيها لم يعد مؤكدا فى ظل التطورات السياسية والإقتصادية التى شهدتها المنطقة العربية فيما بعد.
إنتهى حكم أسرة محمد على فى مصر بقيام حركة الضباط الأحرار فى يوليو سنة 1952م وفى حدود نهاية سنة 1954م أصبح جمال عبدالناصر رئيس الحركة يسيطر على مصر كلها بعد أن تمكن من طرد الملك فاروق والقضاء على الأحزاب السياسية و إبعاد منافسه محمد نجيب وقمع تنظيم الإخوان المسلمين. بدأ جمال عبدالناصر تحديه الكبير للغرب بتوقيع عقد صفقة سلاح مع تشيكوسلوفاكيا الشيوعية فى سبتمبر 1955م ثم بتأميم قناة السويس فى يوليو 1956م. ردت إنجلترا وفرنسا على ذلك بشن هجوم على مصر بالتحالف مع إسرائيل فى أكتوبر من نفس العام بهدف إحتلال القناة وهو ماعرف فى التاريخ بإسم العدوان الثلاثى. لم ترضى الولايات المتحدة ولا الإتحاد السوفيتى - القوتان الكبيرتان الجديدتان - عن محاولة إنجلتر وفرنسا إخضاع مصر بالقوة وضغطتا من أجل وقف القتال. كانت النتيجة إيقاف إنجلترا وفرنسا لعملياتهما العسكرية وإنسحاب إسرائيل بعد ذلك من سيناء. وفى 4 نوفمبر قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة تشكيل قوة طوارئ للإشراف على وقف إطلاق النار التى دعت إليه والتى قبلته إنجلترا وفرنسا فى السادس من نفس الشهر. وهكذا خرج جمال عبدالناصر منتصرا من معركة السويس.
جعلت معركة السويس من جمال عبدالناصر بطلا قوميا لدى الجماهير العربية فإرتبطت به آمالها فى تحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين. توافق حماس الجماهير العربية مع رغبة جمال عبدالناصر فى فرض إرادته على العالم العربى – كما فرضها على مصر – فدخل فى محاولات وحدة غير مدروسة مع سوريا والعراق واليمن سرعان ماإنتهت كلها إلى فشل ذريع.
إستغل جمال عبدالناصر القضية الفلسطينية - ومن خلال موقع الجامعة العربية فى مصر – لمحاولة فرض إرادته على العالم العربى مرة أخرى فإنتهز ظروف المخاوف التى نشأت عن تحويل إسرائيل لبعض مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب ودعى إلى عقد مؤتمر للقادة العرب فى القاهرة فى يناير سنة 1964م وتبعه بمؤتمر ثان فى الإسكندرية فى سبتمبر من نفس العام. كانت نتيجة المؤتمر إنتصارا سياسيا لمصر عبدالناصر إذ تقرر إنشاء قيادة عسكرية عربية مشتركة بقيادة مصرية كما تقرر إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية لتعمل كممثل للشعب الفلسطينى. وضع ذلك المؤتمر سابقة مؤتمرات القمة العربية التآمرية التى أصبحت هى السمة الأساسية للعمل العربى المشترك منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. ففى ذلك المؤتمر حاول عبدالناصر أيضا تحسين علاقاته مع معسكر اليمين العربى فى السعودية والأردن وتونس وذلك لعزل أعدائه البعثيين فى سوريا والعراق الذين أفشلوا مشاريعه الوحدوية. تسارعت أحداث العالم العربى وبدأ الفدائيون الفلسطينيون يشنون هجماتهم على أراضى إسرائيل إنطلاقا من الأردن وسوريا وأصبحت سوريا بشكل خاص هدفا للإنتقام الإسرائيلى. ومرة أخرى وجد البعثيون فى سوريا أنفسهم فى حاجة إلى جمال عبدالناصر فحاولوا توريطه فى معاهدة دفاع مشترك بحيث يكون ملتزما بالدفاع عن سوريا دون أن يكون له أى سلطة عليها – بعكس الحال فى تجربة الوحدة - ونجحوا فى ذلك فى نوفمبر 1966م. وإنتهى الأمر بتورط مصر فى حرب مع إسرائيل وهزيمتها فى حرب الأيام الستة فى يونيو سنة 1967م. ومنذ ذلك اليوم أخذت مصر تفقد موقعها المتقدم فى النظام الإقليمى( التآمرى) العربى وبرزت على مسرح الأحداث قوة سياسية جديدة هى الدول العربية الخليجية النفطية بقيادة المملكة العربية السعودية وملكها الجديد فيصل أخذت زمام المبادرة فى النظام التآمرى العربى.
كان مؤتمر الخرطوم الذى عُقد فى أعقاب هزيمة 1967م هو آخر مناسبة هتفت فيها الجماهير العربية بإسم عبدالناصر و مع ذلك ففى ذلك المؤتمر إستطاع الملك فيصل إجبار جمال عبدالناصر على سحب قواته من اليمن – والتى كان قد أرسلها إلى هناك لتأييد الإنقلاب الذى قادته بعض عناصر الجيش اليمنى الناصرية على الإمام بدر إمام اليمن سنة 1962م وكانت السعودية تناصر الملكيين ضد الناصريين- وفى سنة 1969م عُقد مؤتمر قمة آخر فى المغرب لم يستطع خلاله جمال عبدالناصر إجبار الدول البترولية الخليجية التى تقودها السعودية على تسخير مواردها من أجل معركة تحرير الأراضى العربية وفى سبتمبر 1970م توفى جمال عبدالناصر على أثر أزمة قلبية نتيجة للإجهاد الشديد أثناء آخر مؤتمر قمة عربى دعا إليه فى القاهرة لفض الإشتباك العسكرى الذى نشب بين الجيش الأردنى ومنظمات المقاومة الفلسطينية فى الأردن وبعد غيابه لم يعد هناك مجال للشك فى أن المملكة العربية السعودية أصبحت هى الطرف المسيطر فى الجامعة العربية . وظلت المملكة العربية السعودية- بملكها الجديد فهد - تسيطر على النظام التآمرى العربى خلال فترة السبعينيات حتى ظهر لها منافس نفطى آخر- مختلف السياسة والتوجهات - ممثلا فى عراق صدام حسين الذى نجح فى الوصول إلى حكم العراق فى أغسطس سنة 1979م.
ساعدت الظروف السياسية فى مصر مابعد عبدالناصر على تأكيد الحقائق الجديدة فى سيطرة الدول النفطية على النظام التآمرى العربى حيث لم يكن لأنور السادات – خلف عبدالناصر – أى تطلعات فى قيادة العرب. أدرك أنور السادات ومن واقع التجربة المريرة وليس من وحى الأفكار والنظريات أن كل السياسات التى سارت فيها مصر الناصرية – والتى كان شريكا فيها - كانت خطأ وأن حال مصر المستعمرة البريطانية – التى عاش فيها مواطنا عاديا - كانت بلاشك أفضل مما وصلت إليه الأحوال فى مصر الناصرية . وعلى هدى ذلك الإقتناع إندفع أنور السادات فى طريقه المحتوم من أجل إسترداد أرضه وعكس كل سياسات الحقبة الناصرية. وأخذ أنور السادات يسابق الزمن فقام – بالتحالف مع سوريا – بشن الحرب على إسرائيل فى السادس من أكتوبر سنة 1973م بهدف إسترداد الأراضى المصرية المحتلة وتحريك أزمة الشرق الأوسط على المسرح الدولى مرة أخرى. ولئن لم ينجح فى إسترداد سيناء المحتلة – فى ذلك الوقت - فقد نجح بالفعل فى تحريك الأزمة وتدخلت القوى الكبرى بكل ثقلها وتم فض الإشتباك بين الجيشين المصرى والإسرائيلى وبدأت العمل على إيجاد حل للصراع العربى الإسرائيلى مرة أخرى لكن إسرائيل لم تنسحب مع ذلك من سيناء تماما كما أن الأحوال المصرية الداخلية لم تتحسن بل إزدادت سوءا وأدت إلى إنفجار داخلى خطير فى يناير 1977م مما إضطره – فى النهاية - لإن يلقى بكل أوراقه دفعة واحدة ويقوم بزيارة القدس فى 19 نوفمبر 1977م فى محاولة لتحقيق السلام العربى مع إسرائيل ومنح الإقتصاد المصرى فرص أكبر بجذب مزيد من إستثمارات العالم الغربى – كما كان يرى - لكن الأحداث قادته بعد ذلك للدخول فى إتفاقية سلام منفردة مع إسرائيل فى كامب ديفيد فى سبتمبر 1978م تم التوقيع عليها فى العام التالى فى واشنطن فى 26 مارس 1979م إستردت مصر بموجبها سيناء منزوعة السلاح دون الربط بين القضيتين المصرية والفلسطينية ففقدت بذلك – وبشكل نهائى – موقعها المتقدم فى النظام الإقليمى(التآمرى) العربى الذى تأسس على قضية مركزية واحدة هى القضية الفلسطينية.
قرر العرب فى مؤتمر بغداد فى نوفمبر سنة 1978م نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس وإتفقوا على فرض عقوبات على مصر إذا مامضت فى طريق السلام المنفرد مع إسرائيل ثم وبعد توقيع الإتفاقية فى واشنطن فى مارس 1979م أغلقت الدول العربية سفاراتها وقطعت العلاقات التجارية والدبلوماسية مع مصر وتم إنتخاب المحامى التونسى الشاذلى القليبى سكرتيرا عاما لجامعة الدول العربية وذلك كأول سكرتير عام غير مصرى يحتل ذلك المنصب منذ تأسيس الجامعة. وهكذا طُردت مصر خارج العالم العربى ولم تعد قائدة له مرة أخرى وإنقضت تلك الأيام التى كان فيها جمال عبدالناصر يبتز العالم العربى بالقضية الفلسطينية وأصبحت مصر الآن هى الطرف المنبوذ الذى يعانى الإبتزاز ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها.
ومع ذلك فلم تكن طبيعة النظام التآمرى العربى لتسمح بأن تظل مصر بعيدة لفترة طويلة ، فنظام لم يتأسس على أى مبادئ ثابتة وإنما على مجرد تحالفات وتحالفات مضادة ومواقف ومواقف مضادة ، كان من الطبيعى أن يستدعى مصر مرة أخرى إذا ماأحتيج إليها ، وهذا هو ماحدث سريعا . لم يكن عقد مؤتمر القمة الذى تقرر فيه طرد مصر من الجامعة العربية فى بغداد وليس فى الرياض مصادفة ، فقد واكب ذلك صعود المنافس النفطى الراديكالى - العراق - ومحاولته السيطرة على النظام التآمرى العربى من خلال محاولته التصدى للخطر الإيرانى الجديد – وليس للخطر الإسرائيلى كما جرت العادة – الذى نشأ عن قيام الثورة الإسلامية فى إيران سنة 1979م وإعلان قائدها آية الله الخمينى صراحة عن رغبته فى تصدير ثورته إلى العالم الإسلامى مما بدا أنه تهديدا لكل دول الخليج النفطية. وهنا تراجعت السعودية وأفسحت المجال للبطل الجديد كى يلعب دوره. وفى سبتمبر 1980م قام العراق بإلغاء إتفاقية الجزائر لعام 1975م الخاصة بتنظيم حدود شط العرب مع إيران وقام – متذرعا ببعض المناوشات الحدودية – بمهاجمة الأراضى الإيرانية. وفى نفس الوقت كان أنور السادات قد أغتيل فى السادس من أكتوبر سنة 1981م ولم يعد هناك مايمنع من بدء الإتصالات مع خليفته حسنى مبارك من أجل إعادة مصر إلى الجماعة العربية كى تساعد فى مواجهة ذلك العدو الإيرانى الجديد ولكن الأمر إستغرق بعض الوقت وإرتبط فى الأساس بتطورات الحرب العراقية الإيرانية؟
لم يحقق العراق نصرا سريعا كما كان يتوقع وطال أمد الحرب فترتب على ذلك نتائج سياسية هامة كان أولها قيام دول الخليج النفطية بقيادة السعودية بتأسيس مجلس تكاملى فيما بينهم – إستثنى منه العراق – عُرف باسم مجلس التعاون الخليجى فى مايو 1981م وكان آخرها وأهمها هو الدعوة إلى إعادة مصر إلى الجامعة العربية مرة أخرى وإلى إعادة المقر والأمانة العامة إليها أيضا . وهكذا جعلت الحرب العراقية الإيرانية الطويلة والتى تأرجحت فيها كفتى النصر والهزيمة بين طرفى النزاع الخليجين - العربى والفارسى - من مصر لاعبا أساسيا فى لعبة التآمر العربى مرة أخرى. تم طرح الموضوع فى مؤتمر قمة عمان فى نوفمبر سنة 1987م وتمت الموافقة عليه فى مؤتمر قمة الدار البيضاء فى مايو سنة 1989م. وهكذا عادت مصر إلى جامعتها التآمرية ظافرة مرة أخرى.
كانت الحرب العراقية الإيرانية قد إنتهت بشبه إنتصار للعراق فى منتصف سنة 1988م عندما إضطر الإمام الخمينى لقبول قرار مجلس الأمن رقم 589م الداعى إلى وقف جميع العمليات العسكرية بين المتحاربين وفى يناير 1989م جعل موت الخمينى إنتصار العراق فى حرب الثمانى سنوات يبدو كأنه واقعا حقيقيا. إحتفل صدام حسين بإنتصاره المزعوم وأخذ يعمل على فرض إرادته على دول الخليج العربية فى نفس الوقت الذى أخذ يعمل فيه على إحتواء مصر التى خرجت مستفيدة من الحرب الطويلة فى الخليج. كان العراق هو الداعى إلى إنشاء مجلس التعاون العربى فى مواجهة مجلس التعاون الخليجى والذى قبلت مصر- التى أصبحت تحركها أحداث الخليج فى كل إتجاه تقريبا - الإنضمام إليه مع الأردن واليمن وأعلن عن قيامه فى 16/2/1989م. ثم وفى مايو من سنة 1990م دعى صدام حسين إلى مؤتمر قمة غير إعتيادى فى بغداد حاول خلاله أن ينتزع ثمن إنتصاره المزعوم على العدو ا لإيرانى وإعلانه بطلا جديدا للعرب لكن دول الخليج العربية بقيادة البسعودية – والتى ماكان يمكن أن تسلم بقيادة راديكالية للنظام التآمرى العربى - خيبت آماله عندما رفضت عرضه بأن تكون بغداد مكانا لإستضافة مؤتمرات قمة عربية سنوية وفضلت بدلا من ذلك أن تُعقد تلك المؤتمرات – فى حالة الموافقة عليها – بمقر الجامعة بالقاهرة. كان رد صدام حسين سريعا وحاسما إذ قام بغزو الكويت فى أغسطس من نفس السنة 1990م متذرعا ببعض المشاكل الحدودية وذلك وسط دهشة وذهول العالم. ومرة أخرى ألقت الأحداث بدور خطير لمصر لتلعبه ومرة أخرى تربعت مصر على عرش النظام التآمرى العربى؟
دعت مصر إلى عقد قمة غير إعتيادية فى القاهرة فى أكتوبر سنة 1990م حضرها معظم القادة العرب تمكنت خلالها من أخذ زمام المبادرة فى النظام العربى مرة أخرى وإستصدرت قرارا بإدانة العدوان العراقى على الكويت وأكدت سيادة الكويت وشجبت التهديدات العراقية للدول الخليجية ومهدت لتكوين التحالف الدولى الذى أخذ يتشكل ضد العراق.
وفى غمرة الحماس الذى تلى تحرير الكويت على يد قوات التحالف الدولى فى أوائل سنة 1991م وكمكافأة للدور المصرى والسورى فى حرب تحرير الكويت قامت دول الخليج العربية بتوقيع معاهدة إعلان دمشق مع مصر وسوريا فى العاصمة السورية دمشق فى السادس من مارس سنة 1991م تعهدت خلاله بتقوية الروابط السياسية والإقتصادية والعسكرية مع دول المجلس ومصر وسوريا ركما وافقت على إنشاء قوة سلام عربية فى الخليج تشارك فيها مصر وسوريا وعلى تدعيم مشروعات التنمية والتكامل الإقتصادى مع هذين البلدين الشقيقين ولكن سرعان ماتبخر كل ذلك. كان من أولى القرارات التى إتخذتها حكومة الكويت بعد إعادتها إلى الحكم على أثر تحرير قوات التحالف للكويت والتى شاركت فيها مصر هو طلب رحيل القوات المصرية عن الكويت بأسرع وقت ممكن وبشكل ترك آثارا سلبية على العلاقات المصرية الكويتية منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تقريبا. وكذلك و بمرور الوقت وبعدما إنحسر الخطر العراقى تبخرت أيضا وعود الدول الخليجية التى نص عليها إعلان دمشق فى التعاون وتنمية مشاريع الأوهام المشتركة ، بل على العكس من ذلك فقد حدث بعد ذلك بوقت قصير أن هددت المملكة العربية السعودية بوقف توظيف العمالة المصرية بسبب هجوم الصحافة المصرية عليها ( حوالى بدايات التسعينيات) بسبب حادث جلد طبيب مصرى أمام تلاميذ مدرسة كان قد إتهم مديرها بالإعتداء علي إبنه التلميذ فيها وعندما تقدم بشكوى إلى الجهات المسئولة كانت النتيجة هى تحويله للمحكمة والحكم بجلده علنا أمام تلاميذ المدرسة بحجة تشهيره بمديرها السعودى وقد إستمرت تلك الأحداث المؤسفة بدون توقف حتى اليوم وظلت مصر هى الطرف الخاسر فيها أيضا حتى اليوم. وهكذا أسفرت حرب تحرير الكويت عن خسارة مصر للعراق – آنذاك - فى الوقت الذى لم تكسب فيه الكويت وشقيقاتها الخليجيات بشكل مؤكد أيضا؟
ومع ذلك فقد دفعت التوجهات السياسية العامة المشتركة وخطر إستمرار نظام صدام حسين فى حكم العراق – رغم الضربة الموجعة التى وجهتها إليه قوات التحالف فى حرب تحرير الكويت - السعودية ودول الخليج إلى الإستمرار فى الإحتفاظ بموقع مصر على رأس النظام التآمرى العربى وشهدت حقبة التسعينيات من القرن الماضى تنسيقا مشتركا فيما بينهم فيما يخص القضايا الرئيسية فى المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية حيث أخذت دول الخليج – بقيادة السعودية - فى الإعلان عن تأييدها الصريح للتوجهات المصرية السلمية تجاه إسرائيل . وقد تأكد ذلك فى مؤتمرى القمة العربيين اللذان عقدا - بالتتابع - فى القاهرة سنة 1996 وسنة 2000م. وهكذا تجاوزت العلاقات المصرية الخليجية مرحلة الفتور التى أعقبت حرب تحرير الكويت وتنصل الدول الخليجية من إلتزاماتها تجاه إعلان دمشق وظل الدور المصرى – مع ذلك - منحصرا فى ردود الأفعال التى يقوم بها تجاه الأحداث التى تطرأ حوله خاصة فى ظل عدم وجود أى إتجاه نحو إحداث أى تغيير داخلى فى مصر حيث بدت القيادة الجديدة – الممثلة فى حسنى مبارك - متمسكة بنفس النمط القديم من الحكم وعدم الرغبة فى إحداث ديموقراطية حقيقية أو تداول للسلطة داخل مصر وفشل مشروع التحول الإقتصادى نتيجة لذلك. وعندما تغيرت القيادة فى الولايات المتحدة وجاء جورج بوش الإبن إلى الحكم وأراد ضرب العراق مرة أخرى سنة 2003م وإزاحة نظام صدام حسين نهائيا حاولت القيادة فى مصر أن تلعب نفس الدور الذى لعبته فى حرب تحرير الكويت وأن تظهر أهمية الدور المصرى ولكن الواقع أنه لم يكن لديها شئ تقدمه لإن الإدارة الأمريكية الجديدة قررت العمل بمفردها ولم تكن تريد منها شيئا.
لم يحقق غزو العراق سنة 2003م الأمن الذى كانت دول الخليج تأمل فيه بإزاحة نظام صدام حسين من العراق نهائيا بل على العكس فقد اسفر عن ظهور خطرين جديدين أشد فتكا من نظام صدام هما تنظيم القاعدة وإيران. وهكذا منحت الأقدار مصر مرة أخرى – وربما أخيرة - الفرصة للبقاء على رأس النظام العربى وأجلت أو ربما - أجهضت – التطلع السعودى الخليجى للقضاء على موقعها القيادى بشكل نهائى بل وعلى العكس من ذلك – دفعت بهم للتمسك بها على رأس النظام العربى ومحاربة الإتجاهات التى بدأت تظهر فى العالم العربى – الآن - لمحاولة إنزال مصر عن عرش العروبة بقيادة دول مثل قطر والجزائر.
وهكذا عدلت السعودية من مبادرة السلام السعودية التى كانت قد طرحت للمرة الأولى فى مؤتمر فاس الأول سنة 1981م ثم أعيد طرحها فى مؤتمر فاس الثانى سنة 1982م وأخيرا فى مؤتمر بيروت سنة 2002م كى تصبح مبادرة عربية بدلا من مبادرة سعودية إرضاءا لمصر كما تراجعت عن لعب أى دور رئيسى فى ملف الإنشقاق الفلسطينى بعد فشل إتفاق مكة سنة 2007م إرضاءا لمصر التى بدا أن التدخل السعودى المباشر يقلقها كما أجهضت مؤتمر الدوحة يناير 2009م الذى عُقد للضغط على مصر أثناء العدوان الإسرائيلى على غزة. وهكذا دفعت ظروف الأخطار الجديدة فى الخليج السعودية – بقيادة ملكها الجديد عبدالله - ودول الخليج إلى التنسيق مع مصر بدلا من المواجهة معها كما كان الحال فى حقبة الستينيات والسبعينيات. لكن كل ذلك التقارب السياسى لم يدفع – مع ذلك – فى إتجاه إحداث تكامل إقتصادى حقيقى بين مصر والدول الخليجية - وبعكس الأهداف التى نص عليها ميثاق جامعة الدول العربية - فقد ظل ذلك التقارب مجرد تقارب سياسى وظلت تلك الدول تستورد معظم عمالتها الأجنبية من دول خارج مصر والدول العربية كما فشلت كل المحاولات التى بذلتها مصر من أجل تأسيس سوق عربية مشتركة وظلت الحواجز وتأشيرات المرور قائمة وظلت حوادث الإعتداء على المصريين وسلب حقوقهم قائمة وظلت المشاعر السلبية هى السائدة بين شعوب الدول الأعضاء فى الجامعة العربية . فإذا لم تتحقق فى مثل تلك الظروف الإيجابية التقاربية الأهداف التى نص عليها ميثاق جامعة الدول العربية أو بعض منها على الأقل فمتى تتحقق؟
إن الحقيقة التى لامفر من الإعتراف بها هى أن تلك الأهداف قد عفى عليها الزمن وأن الدول العربية الغنية قد أصبح لها أهدافا أخرى غير تلك التى نص عليها ميثاق الجامعة العربية سنة 1945م ولكن الوقت لم يحن بعد للإعلان عن تلك الأهداف صراحة رغم أن إنشاء مجلس التعاون الخليجى قد يمثل إشارة واضحة إلى طبيعة تلك الأهداف الجديدة وحقيقة هامة أخرى هى أن موقع مصر المتقدم ( رمزيا ) فى الجامعة العربية أصبح ناتجا عن الظروف المحيطة بمنطقة الخليج وليس عن أى عوامل قوة داخلية فى مصر ذاتها – كما كان الحال فى فترة الخمسينيات والستينيات - وأن ذلك الموقف قد لايستمر إلى الأبد خاصة فى ظل الضغوط الداخلية والخارجية التى بدأت تتعرض لها إيران الثورة الإسلامية والتى قد تعمل على تغيير توجهات النظام فيها أو إضعافه بضربة من الخارج مما قد يشجع السعودية وشقيقاتها الخليجيات على الإستغناء عن مصر وخدماتها وتركها لمصيرها المحتوم وربما حتى إلى أخذ زمام المبادرة فى صناعة هذا المصير المحتوم؟ فماذا تنتظر مصر بعد ذلك ؟ ماذا تنتظر من نظام إقليمى لم تستطع – عندما كانت فى أوج قوتها – أن تدفع به إلى تكامل إقتصادى حقيقى فهل تستطع ذلك الآن وهى فى أوج ضعفها ؟ ماذا تنتظر من نظام لم يبق منه سوى مجرد زعامة رمزية مرشحة لإن تسلبها منها السعودية فى أى وقت؟ يجب على مصر – وأقصد هنا النخبة السياسية المصرية والشارع السياسى المصرى– أن تتحرك – وبسرعة - من أجل إقامة نظام إقليمى بديل أو موازن للنظام العربى يمكنها الإتكاء عليه خاصة فى ظل الأخطار المحيطة بها من جراء التدهور الإقتصادى المستمر والخطر القادم من منابع النيل فى الجنوب. ولكن هل يمكن أن يكون هناك نظام إقليمى بديل أو موازن للنظام التآمرى العربى؟ نعم يمكن وسوف يكون هذا هو موضوع مقالنا التالى بإذن الله
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
الرد مع إقتباس