عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 27-01-2005
محمد عبد المجيد محمد عبد المجيد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 60
محمد عبد المجيد is on a distinguished road
رسالة مفتوحة إلى البابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث ...
الحديثُ إليك في رسالة مفتوحة يحتاج إلى حزمةٍ من القواعد والأداب التي تبدأ بأعلى القيم في التسامح ولا تنتهي بتجنب مستصغر الشرر في كل صوره، خاصة الطائفية المقيتة.
عندما شاهدُتك على الشاشة الصغيرة في قُدّاس عيد الميلاد المجيد في العام الماضي، اتصلت في اليوم التالي بصديق قبطي يعلم أنني كمسلم أكثر قُرْبا إلى كنيستنا المصرية من معظم أقباط أرض الكنانة، وقلت له إن كلمة البابا لم تَرُق لي ألْبتة، فقد كانت يداه ترتعشان وهو يقرأ أسماءَ المسؤولين الذين حضروا القُداس أو أرسلوا تهنئة وكان جمال مبارك حاضرا ومتفحصا الوجوه بنظراته التي لم يغب عنها حلمُ العرش وكرسي السلطة ومكتب الفرعون في قصر العروبة.
قلت لصديقي: إن قَدْاسة البابا أكبر من كل هؤلاء، وأنه كان ينبغي أن يقرأ رسالةَ الشكر مطرانٌ أو شماسٌ أو قس أو موظف في أحد الأديرة.
كنتَ دائما الأكبر في عيني، أرى فيك مصر الصابرة، وأنحني احتراما لموقفك الوطني في الصراع العربي الصهيوني، وكان صليبك أكثر وطنية من هلال المتزلفين للسلام الزائف مع الكيان العنصري في فلسطين المحتلة.
رأيتك مرات كثيرة مُعَبّرا عن همومي كمسلم بأصدق وأعمق مما عبر عنها شيخ الأزهر حتى عندما سقط الرئيس وهو يلقي كلمته، وخرج من القاعة، ووقف فضيلة الإمام الأكبر يهتف بصوت جهوري من أجل الشفاء العاجل لسيد القصر، وهتف المنافقون والأفاقون خلفه، وضعت أنت يديك على فمك بطريقة ذكية متجنبا لحظات كذب لا تليق برب العائلة القبطية، وتتعارض مع موقفك الداعي دائما إلى أقصى صور العدل للمصريين جميعا، مسلمين وأقباط.
موقفي الشخصي، فكريا وثقافيا ودينيا وعاطفيا وعقليا، لم يتغير قيد شعرة في ربع القرن المنصرم، فتاريخ أقباط وطني مِلْكٌ لي أيضا كما هي لك، وأكثر مطالبهم مطابقة تماما لكل واجباتي، وأنا لا أفُرّق بين المسلم والقبطي في يقظتي ومنامي، وفي واقعي وأحلامي، بل أجدني أحيانا متمسكا بحقوق لشركاء الوطن لا يكترث كثيرون منهم لفقدانها.
أرفض الكيل بمكيالين، وأرى أن حق المواطنة لا يتجزأ، ولا يميز أحدا على الآخر، ولو كان هناك عدل في مصرنا وترشح لرئاسة الدولة قبطي ملتزم ببرنامج اصلاحي أمام مسلم يرفع شعارات هلامية تخفي وراءها مزايدة دينية فإن صوتي سيذهب فورا للمرشح القبطي.
مطالب أقباط الوطن ظالمة لأنها استجداء من مواطنين لموظف كبير يعمل لديهم، أعني السيد رئيس الجمهورية، لكن حقوقهم المهضومة والناقصة هي واجباتي وعلى رأسها المساواة الكاملة في كل الحقوق والواجبات خاصة التعيينات في المناصب الوزارية والأمنية والعسكرية والأكاديمية.
قداسة البابا شنودة الثالث ...
عندما نشرت مقالي ( أقباطنا شركاء الوطن .. حقوقهم واجباتنا ) تلقيت رسائل حب كثيرة من أشقائنا في المهجر بل إن أحدهم كتب لي من نيوزيلندا بأنه قبطي هاجر من مصر منذ ثلاثين عاما وقرر أن لا يتحدث مع مسلم قط فلما قرأ مقالي أدمعت عيناه، واشتاق فجأة لمصر الطيبة، وازداد حنينه لأصدقائه المسلمين.
عندما كانت لدي المكتبة العالمية كمركز اعلامي في العاصمة النرويجية، جاءني في منتصف الثمانينيات مصري محتال، يرتدي ملابس رجال الدين المسيحيين وهو متخصص في الاحتيال والنصب على الأثرياء الأقباط في المهجر. كانت لديه أوراق مزورة كثيرة وشهادات مختومة ومعه ختم باسم الكنيسة في الاسكندرية.
انتفضت غضبا وشعرت كأنه سرق أختاما من الأزهر الشريف، وحبست الرجل في مقر المكتبة، وأقرَ كتابة أنه محتال يرتدي ملابس رجال الدين المسيحي في مصر، ثم اتصلت بالمقر البابوي متسائلا عن سرقة أختام من الكنيسة ولا أدري إن كان اتصالي وقلقي وخوفي بدافع من كوني مصري أو مسلم أو من إيماني بأن كنيستنا القبطية ليست لأقباط مصر فقط لكنها جزء من التراث المادي والروحي للمسلم المصري بنفس القدر.
صدقني، قداسة البابا، إن قلت لك بأنك أقرب إلي من رئيس الدولة نفسه، وأرى فيك العزة والشموخ والوطنية والعدل الذي أفتقده في الرئيس حسني مبارك وأتعاطف مع توجيهاتك الروحية كأنها خارجة من منبر مسجد أو من قلب إمام معمم يلقي خطبته في الجمعة الأخيرة من رمضان المبارك.
لو كنتُ مضطرا لأن أختار بين ( الأهرام ) وبين ( وطني ) لأخترت الأخيرة فسهام وأوجاع وهموم يوسف أنطوان سيدهم تخترق شغاف قلبي في الوقت الذي تستنفر كلمات إبراهيم نافع مشاعر الغضب في كياني كله وهو يتحدث عن مكتسبات وانجازات ومعجزات العهد المباركي.
قداسة البابا شنودة الثالث ...
ماذا حدث لك ومنك وعنك في الفترة القصيرة الماضية؟
لماذا خالفتَ تعاليم المسيح في المحبة والتسامح وتركتَ نارا مشتعلة في البيت لتعتكف غضبا واحتجاجا قبل اطفائها؟
لماذا انحنت هامتك التي كانت أكثر طولا وعلوا وعزة من شيخ الأزهر وعبست لتعاليم السماء من أجل ارضاء تهور شباب غاضب ثائر بعدما شاهد فصلا قصيرا من مشهد وطن فبحث عنك للتهدئة والفهم والشرح لكنك كنت بعيدا عنه وعنا؟
لقد أخطأت خطأ الكبار عندما طالبت السلطة، التي أختلف أنا معها سبعين ضعفا عن رؤيتك إياها، بأن تُسَلّم إمرأة اعتنقت الإسلام أو ارتدت عنه إلى سلطة الكنيسة متجاهلا تماما أن ضرب الدستور تحت الحزام هو بداية الفتنة المؤججة والمشتعلة في الصدور، فالأصل أن القانون هو المرجعية، والقضاء والأمن والشرطة وقواعد الدولة وسجونها ومعتقلاتها وظلمها وعدلها تدخل كلها في صميم التنظيم المتفق عليه والمختلف على طرق تطبيقه؟
صحيح أن الدولة كرئيسها انزلق غضروفها وقامت بتسليم السيدة وفاء قسطنطين، ليس من أجل العدل والحق فسيد القصر أظلم أهل الكنانة، ولكنك لم تنتصر، بل هزمتنا نحن، مسلمين وأقباطا، في مواجهة ظالميك وظالمي أحبابنا شركاء الوطن .. أقباط مصر!
المشهد التفصيلي للمرأة به من الثغرات أكثر من عدد مطالب أقباطنا العادلة، ولكنك قمت بالصعود إلى حلبة المصارعة وسط صراخ وهتاف وحماس أبناء شعبك من شبابنا الأقباط الذين كانوا أفشل محامين عن أعدل قضية.
قضيتهم الأولى العادلة هي المساواة في المواطنة بكل صورها من حرية بناء الكنائس، والتوظيف كالمسلمين تماما ولو كان المنصب رئيس الدولة أو نائبه أو رئيس الوزراء أو قائد الجيش أو رئيس المخابرات أو حتى رئيس مجلس الشعب.
والمواطنة الكاملة ليست فقط سلوكيات يومية لكنها مشاعر دافئة ومتسامحة وقناعات يقينية بأن لا فرق بين مسلم وقبطي أمام كل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الإعلام.
ومطالب الأقباط العادلة التي أسهبت صحيفة ( وطني ) على مدى سنوات في عرضها كانت قد بدأت في التفاعل داخل النفس المصرية بفضل قوى الاستنارة والموقف الوطني للكنيسة وكراهية الناس للنظام الحاكم.

قداسة البابا شنودة الثالث ...
لماذا أضعفت حجتنا، نحن المسلمين، في مواجهة نظام هيمنت عليه هلوسات الظلم، فجعلتَ من قضية وفاء قسطنطين العشاء الأخير، وكدتَ تهدم المعبد علينا، وأنت صاحب أعدل قضية مصرية في نصف القرن المنصرم .. المواطنة الكاملة؟
لقد خانتك حكمتُك، وأوقعك النظامُ الحاكم في فخ نَصَبَه لك بإحكام، وحاولوا تصغيرك وتقزيمك وتحجيمك في شبه فتنة طائفية كادت تجر الوطنَ كله، وتحرق الأرض الطيبة، فانتصر سيدُ القصر عليك وبدا قبيل اعلان الدكتور أحمد فتحي سرور عن ترشيحه إياه في مايو المقبل حاكما أوحد لولاية خامسة أنك كنت، من حيث لا تدري، الطُعمَ الذي وضعوه لشعبنا لاقناعه أن الرئيس حسني مبارك هو الضامن الوحيد لأمن مصر، والزعيمَ القادرَ على كبح جماح التطرف لحماية الوطن من فتنة طائفية أو من استعانة أقباط الداخل والخارج بنجمة داود وأضغاث أحلام سيد البيت الأبيض في لعب دور نبي العصر وفي يده صندوق اقتراع وديمقراطية احتلال وسندويتش هامبورجر وعملة خضراء وفيلم لوالت ديزني ووثيقة عفو عن الصهيونية ويانكي رامبو يقود دبابة في شوارع القاهرة.

الجزء الأول من المقال

آخر تعديل بواسطة Servant5 ، 12-07-2007 الساعة 01:44 PM السبب: larger font
الرد مع إقتباس