عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 09-06-2011
الصورة الرمزية لـ makakola
makakola makakola غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,270
makakola is on a distinguished road
لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون صومالياً!



2011-06-03

شريف عبدالغني

هل مصر تغيرت بعد «25 يناير»؟
طبعا من حيث «الشكل» تغير كل شيء. فرأس السلطة السابقة غاب عن قصر الحكم، ويخضع حاليا للمحاكمة بتهم قتل الثوار والكسب غير المشروع. كما يخضع أركان حكمه لمحاكمات مماثلة.
ستسألني: ماذا تعني أنها تغيرت «شكلا»، فهل «المضمون» كما هو؟
قبل أن أجيبك، أعود إلى ثاني أيام نجاح الثورة.. انتشرت لافتات وملصقات في أماكن مختلفة تطالب الجميع بالتغيير: «لا تدفع رشوة في أي مصلحة حكومية، لا تتلقَّ رشوة في عملك، اشتغل بجد، لا تلقِ قمامة في الشوارع، البلد بلدك فحافظ عليه». الشعارات جميلة.. براقة، لو طبقت ستصبح مصر كما نحلم بها وطنا يستحق المحبة والاحترام. لكن واقع الحال يقول إن السلوكيات لم تتغير، وإن الفساد الممنهج الذي وضع أسسه باقتدار مبارك وأعوانه طوال 30 سنة وجعله قاعدة راسخة تسير عليها البلاد قد تستغرق إزالته 30 عاما أخرى، ليبقى أمثالي -ممن لا يريدون شيئا سوى حياة شبه طبيعية- يعانون من العيش في بلد لا يصلح -وآسف على التعبير- للحياة الآدمية.
المواطن يشعر بالتغيير إذا ذهب لقضاء أمر قانوني في أي جهة حكومية، دون دفع «إكراميات» وهو اسم الدلع للرشاوى في مصر. يتأكد أن الأمور اختلفت إذا لم يجد تاجرا جشعا يستغله، أو متسولا يطارده، أو سائق تاكسي يضحك عليه، أو صاحب مدرسة يرفع المصروفات من دماغه. هل هذه أمور مستحيلة؟! لاحظ أنني لم أتكلم عن أجور عادلة أو غذاء صحي أو مستشفيات محترمة، أو شوارع هادئة، أو وسائل مواصلات راقية، فهذه من الرفاهيات التي لن تتحقق لجيلنا وكل ما نأمله أن يلحق بها أولادنا.
ستعود لتسألني: هل تعني أنك تريد مجتمعا مثاليا، فكل دول العالم بها فاسدون؟
طبعا لا يوجد بلد بلا فساد أو مفسدين، لكن الفارق أن معظم دول العالم التي تحترم الإنسان يوجد بها قانون صارم، ورقابة على التجار والأسواق وكل المؤسسات، ومن يرتكب مخالفة يلقى الجزاء. لكن في مصر الوضع مختلف، كلٌ يفعل ما بدا له دون خوف من عقاب أو ردع، لأنه حتى تطبيق القانون لم يعد رادعا، فمن وضعوا القوانين ملأوها بالثغرات ربما -كما ذكر المفكر الكبير جلال أمين في كتابه الرائع «ماذا حدث للمصريين»- حتى يستطيعوا هم أنفسهم الإفلات من العقاب إذا وقعوا في المحظور. وقد يستطيع أي محامٍ على باب الله إخراج أعتى المتهمين من جرائم كبرى بسبب هذه الثغرات (لنتذكر مثلا كيف تم الحكم بإعدام رجل البزنس هشام طلعت مصطفى في قضية سوزان تميم ثم خفف الحكم إلى السجن 15 سنة وسط توقعات بتخفيفه أكثر عند النقض).
المفارقة أنه في ظل المد الديني الذي يملأ مصر حاليا تزداد السلوكيات سوءاً، بما يشير إلى أن «التدين الشكلي» الذي ميّز نظام مبارك مازال مستمراً (لعلك لاحظت أن أغلب المتسولين أطلقوا لحاهم بينما ارتدت المتسولات النقاب).
مؤخراً تعرضت لثلاثة مواقف في هذا المجتمع «المتدين» توضح جانبا من المعاناة اليومية التي نلاقيها. ضاع هاتفي المحمول. اتصلت به فوجدته مغلقا. لم يكتفِ من وجده بمصادرته لحسابه، وإنما بدأ يفرز الأرقام المسجلة عليه ويتصل بأي اسم نسائي يلاقيه في مصر والخارج، ووصل به الأمر إلى الاتصال بإحدى زميلاتي في ليبيا في أوقات متأخرة ولما وجدها تصده وتسأله عن كيفية حصوله على رقمها، أخبرها أنه قريبي وعرف الرقم مني. ولما شتمته هددها بأنه «ضابط أمن دولة». المعنى أن صاحبنا ليس فقيرا حتى نقول إنه يحتاج ثمن التليفون الذي استولى عليه، بل إنه يكلف نفسه مكالمات دولية للمعاكسة. وقبل أيام ضاع تليفوني الثاني بنفس الطريقة، لكن حزني على هذا الهاتف بالذات جعلني أجلد نفسي وأنقم عليها لاستمراري في هذا البلد ووسط أناس كهؤلاء يملأون المساجد وقت الصلاة ثم لا يتورعون عن ارتكاب كل الموبقات. حزني ليس لقيمة التليفون المادية، ولكن لقيمته المعنوية، فذاكرته مليئة بصور رائعة لابنتي وهي رضيعة. تزداد نقمتي كلما أتخيل أن هذا «الحرامي» سيمسح تلك الصور بكل جلافة. من يجرب نفس موقفي سيعذرني بالتأكيد.
أما الموقف الثالث فيتعلق بأحد البنوك. على مدى 4 أيام حاولت الاتصال به للاستفسار عن شيء بسيط لا يستحق الذهاب إليه. طوال هذه الأيام وعلى مدى ساعات اليوم لم يكلف أحد الموظفين نفسه ويمد يده ليرد على التليفون، اتصلت أكثر من مرة بالرقم الساخن فيأخذ أحدهم بياناتي على وعد بالاتصال بي خلال دقائق لتلبية طلبي. وكل مرة لا يتصل أحد. الأمر حتم عليّ الذهاب إلى مقر البنك، وهناك ارتفع ضغطي ليس فقط بسبب التبريرات التي ساقوها بشأن تجاهل الاتصالات والتي لا تخيل على عقل طفل، ولكن في الكذب بغباء من إحدى الموظفات، فبعدما ذكرت أن التليفونات كانت معطلة خلال الأربعة أيام السابقة فقد ناقضت نفسها وقالت إنها هي التي اتصلت بي لكني لم أرد!! ما يعنيني في هذا كله أن ثقافة الاعتذار ليست حاضرة أبدا، فنحن في مجتمع لا يخطئ أفراده بتاتا، ودائما ما يلقون بالمسؤولية بعيدا عن أنفسهم.
لقد كتبت قبل نحو عام أن حاكم مصر ما بعد مبارك سيرث مهمة ثقيلة تنوء بحملها الجبال، وأن الدولة بحاجة إلى «نبي»، يقيم مجتمعا جديدا خاليا من الأمراض والفساد والجهل والخرافة.
المؤكد أنك ستسألني: هل أنت ملاك وسط مجموعة شياطين؟
طبعا لست ملاكا، ولن أكون، وقد يكون فيّ الكثير من العيوب والمساوئ، لكني مجرد إنسان لم أتعمد مطلقا أن أسبب أي إيذاء لأحد، وكل ما أريده أن أعيش في بلد لا يجرحني أو يؤذي أولادي فيه أحد. وأرجوك لا تكلمني عن الثقافة العبيطة إلى كانت سائدة في عصر مبارك بعدم نشر ما يطلق عليه «الغسيل القذر» على الملأ. فقد مضى عهد رسم الصور الوردية والتغني بأشياء ليست موجودة في الواقع، ثم أن أنقد نفسي خير من أن ينقدني غيري خاصة وأن مصر ملتقى كبير سبق أن لمس عيوبه قبل مميزاته كل من زاره.
ما معنى أن تعيش في بلد تشعر منذ طفولتك بالغربة فيه. أحيانا ومن ضعف القدرة على التحمل أتمنى أن أهاجر إلى أي مكان حتى لو كان الصومال. فهناك الأمور معروفة.. سأدفع إتاوة للقراصنة مقابل أن يعيشوا في حالهم ويتركوني في حالي. أما عندنا فحظي أن يطلع لي في كل خطوة إما حرامي جاهل أو موظفة بنك غبية!

shrief.abdelghany@gmail.com
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
الرد مع إقتباس