عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 16-03-2006
الصورة الرمزية لـ bolbol
bolbol bolbol غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 995
bolbol is on a distinguished road
حتى لا تتحول الكاتدرائية إلى حائط مبكى قبطي

سامح فوزي شفاف

11 كانون الأول، 2004

استطاع بعض الشباب القبطي- للمرة الثانية- التظاهر لعدة أيام في حرم الكاتدرائية المرقسية- مقر إقامة البابا شنودة الثالث. المرة الأولى كانت في أعقاب نشر صحيفة النبأ صورا فاضحة لراهب سابق مع سيدة عام 2001، والثانية منذ أيام احتجاجا على ما أسماه المتظاهرون خطف زوجة كاهن من البحيرة وإجبارها على اعتناق الإسلام. في الحالتين تظاهر الشباب دفاعا عن كرامة الكهنوت ورجال الدين، وطالبوا بتدخل أعلى قيادة كنسية- أي البابا شنودة، ونالوا بغيتهم وتحقق لهم ما رفعوه من مطالب. في المرة الأولى أغلقت "النبأ"، وفي المرة الثانية عادت السيدة- محل النزاع- إلى الكنيسة. وشهدت الحالتان إستنفارا أمنيا ظاهريا في شكل مئات جنود الأمن المركزي الذين يحاصرون الكاتدرائية وسط هتافات المتظاهرين، في الوقت الذي كان هناك ماراثون المفاوضات الطائفية في الباطن بين قيادات الدولة- في الأساس أمنية، والقيادات الكنسية لتسوية الخلاف.

الحادثة الأولى جاءت في أعقاب أزمة الكشح عام 2000 التي شهدت مقتل واحد وعشرين قبطيا، أما الحادثة الثانية فجاءت في خضم توترات طائفية تشهدها عدة مدن مصرية من البحيرة إلى أسيوط مرورا بسمالوط. وتكشف هذه التطورات عن أن مرور أربعة سنوات على وقوع أزمة "النبأ" لم يؤد إلى حدوث تغير حقيقي في أسلوب إدارة الشأن الطائفي، أو معالجة المشكلات التي تنتج عن توتر في العلاقات الإسلامية المسيحية، بل على العكس أدي إلى تفاقمها وتمددها- كما وكيفا. ولا تزال مختلف الأطراف تصر على إدارة المشهد بنفس الأسلوب وبذات الكيفية، وهو ما ينذر بوقوع كوارث مستقبلية.

شأن أمني

في مطلع السبعينيات وقع أول حادث طائفي في الفترة الأخيرة عندما تعرضت كنيسة في منطقة الخانكة للحريق. اعتبرت القيادة السياسية الجديدة وقتئذ هذا الحادث شأنا سياسيا يدار من خلال مجلس الشعب. وبالفعل شكلت لجنة تقصي حقائق برئاسة القانوني البارز جمال العطيفي، وأعدت اللجنة تقريرا مهما وموضوعيا عن المشكلات القبطية- ولاسيما بناء وترميم الكنائس، إلا أن التقرير لم يناقش، ولم يؤخذ بأي من التوصيات الواردة فيه. والأكثر من ذلك جرى تسليم الملف القبطي إلى وزارة الداخلية أسوة بملف الأصولية الإسلامية. وهو ما مثل نقطة تحول في أسلوب إدارة هذا الملف. فبالرغم من أن المشكلات القبطية التي يجري تداولها حاليا تعود إلى بداية القرن العشرين إلا أنه لم يحدث أن نوقشت هذه المشكلات خارج الساحة السياسية، ولاسيما في الفترة الليبرالية التي سبقت ثورة 1952.

وهناك فارق مهم بين الملف القبطي وملف الحركات الإسلامية. الأقباط ليس لهم مشروع سياسي يجسد إرادة جمعية، ولم تصدر عنهم تجليات عنيفة في مسعاهم للمطالبة بالمواطنة الكاملة، وهم مؤيدون للدولة والنخبة الحاكمة في مواجهة خصومهم. ولم يحدث- إلا في حالات فردية محدودة- أن انضمّ الأقباط إلى مشروع سياسي معارض أو مستقل عن مشروع الدولة. حتى اليسار الذي يعتبر من أشد القوى السياسية مطالبة بحقوق مساوية للأقباط في المجتمع المصري لم يستطع أن يجذب الأقباط إلى صفوفه على نطاق واسع خاصة في العشرين عاما الماضية.

أما الحركة الإسلامية- باختلاف فصائلها- فتمتلك مشروعا سياسيا مناهضا للشكل الحالي للدولة، ولشخوص النخبة السياسية الحاكمة، وعبرت عن خصومتها مع الدولة من خلال حرب استنزاف طويلة المدى أوقعت ضحايا في صفوف الفريقين فضلا عن المدنيين الأبرياء-مسلمين وأقباطا. الصراع بين الطرفين كان على أشده في الشارع وساحات المحاكم والكتب

على الأرصفة والجامعات والمدارس والمؤسسات الاقتصادية.....الخ.

أدى اعتبار الملف القبطي شأنا أمنيا إلى عدة نتائج مهمة. أولها انسحاب المؤسسات السياسية منه أو تحول بعض شخوصها إلى وسطاء بين أجهزة الأمن والمؤسسة الدينية. ثانيا أصبحت للمؤسسة الأمنية اليد الطولي على الملف القبطي، وأصبح الحصول على موافقتها في بعض الحالات – مثل بناء وترميم الكنائس أكثر أهمية من الحصول على موافقة الجهات الرسمية الأخرى المنوط بها إصدار هذه القرارات. والدليل على ذلك أنه رغم صدور قرار جمهوري بشأن تفويض السلطات المحلية إصدار تصاريح ترميم الكنائس إلا أن الأمر برمته لايزال في يد الأجهزة الأمنية. ثالثا سيادة ذهنية المعالجة الآنية قصيرة الأمد للمشكلات، واللجوء إلى التوازنات التي تكرس تخلف المجتمعات أكثر ما تدفعها على طريق التحديث السياسي، وضعف القدرة على اتخاذ مبادرات سياسة تدعم المواطنة، والاعتماد على سياسة رد الفعل في مواجهة الأزمات الطائفية التي تندلع من وقت لآخر دون أن تكون هناك رؤية سياسية عامة تخص وحدة الوطن، وسلامة بنائه الاجتماعي. رابعا أدي النظر إلى الملف القبطي بوصفه شأنا أمنيا إلى لجوء بعض القيادات المحلية إلى المزايدة على الاعتبارات الأمنية في مسعى للتغطية على الفساد السائد. منذ سنوات قال النائب د.زكريا عزمي في مجلس الشعب أن "الفساد في المحليات للركب"، ويحتاج الفساد إلى غطاء يؤمن له النمو والشرعية. وتوفر الطائفية الغطاء اللازم الذي يسمح للفساد بالانطلاق والنمو. فالفساد والطائفية وجهان لعملة واحدة. هكذا أصبحت الطائفية هي حالة ضرورية للتعتيم على الفساد في مجتمع لم تتعمق فيه بعد قيم المواطنة.





يتبع

آخر تعديل بواسطة bolbol ، 16-03-2006 الساعة 01:38 PM
الرد مع إقتباس