إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة HAMOUKAS
|
أن صفحات تاريخ مصر مليئة بملاحم الفداء ... ولم تكن حياة الأقباط استسلاما وخضوعا، فرأينا أن طغيان الولاة والحكام أيام الحكم العربى قد قوبل بثورات عنيفة وكانت من
أشهر ثورات الأقباط " ثورة البشموريين."
حدث أنه لما زاد ظلم جباة الخراج (الضرائب) وولاتهم وضافت الجزية على الأقباط وشُدد الخناق حولهم، أن هب أهل البلاد جميعاً كرجل واحد ثائرين ثورة عارمة...ولا نبالغ إن قلنا إنها كانت أشبه بحرب نظامية استعملت فيها أستراتيجية المنطقة.
وقد أسفرت هذه الثورة الى هزيمة جيش الغزاة هزيمة منكرة. وفرّ أمامهم الوالى يتبعه جُباة الضرائب، الأمر الذى جعل المأمون الخليفة العباسى في بغداد يُرسل أخاه المعتصم على رأس جيش قوامه أربعة آلاف جندى ليدعم جيوش الاحتلال
فى اخماد الثورة القبطية وعلى الرغم من وحشية الحملة وذبح الأطفال والشيوخ وانتهاك الحرمات،
إلا أن ثورة الأقباط لم تخمد ولم تهدأ مما اضطر المأمون إلى ارسال جيش آخر من الأتراك بقيادة "أفشين" التركى بغرض التنكيل بالثوار "فحاربوه وقتلوا من الجيش عددا وافرا، ثم جرد عليهم عسكر آخر فكسروه... وتقول الدكتورة سيدة الكاشف: " وقد فشل أفشين" تماما في اخماد ثورة البشموريين مما اضطره أن يكتب الى المأمون الخليفة العباسى في هذا الوقت " طالبا امدادات للقضاء على الثورة التى اندلعت في كل مكان في محاولة للتخلص من نير الطغاة.
وفي سنة 824 أضطر الخليفة المأمون أن يزحف من بغداد إلى مصر على رأس قوة حربية لإخماد ثورة الأقباط التى فشل في إخمادها كل قواده الذين أرسلهم سابقاً.
وكاد ثوار الأقباط أن يفتكوا بجيش المأمون لولا أن الخليفة العباسى إلتجأ إلى أخبث الطرق والغير شريفة للقضاء على الثائرين، وذلك أنه استدعى الأنبا ديونيسيوس البطريرك الإنطاكى واستدعى معه الأنبا يوساب الأول بطريرك الأقباط وطلب منهما تحت التهديد أن يتعاونا معه في إخماد ثورة الأقباط، وقد أجابا بكل أسف طلب المأمون وحررا للثوار رسالة بها نصائح ومواعظ يحُثا فيها الثوار أن يلقوا بسلاحهم ويسلموا أنفسهم لولاة الأمير. وفي الوقت الذى كان الثوار في أمس الحاجة للمعونة المادية والمعنوية حتى يتمكنوا من التخلص من الظلم والاستبداد الأجنبى
إذ بالقادة الروحيين-الاساقفة- ينخدعوا فيدعوهم إلى الاستسلام. ولا شك إن هذا الموقف من طرف القادة الروحيين كان له أثره البالغ على الأقباط أكثر من كل جحافل المأمون وطاغيته.
ولكن على الرغم من كل هذا فقد رفض آباؤنا الأقباط فى إباء وشمم هذه النصائح الاستسلامية وفضلوا أن يعطوا أرواحهم فداء لمصر وعقيدتهم وهنا تذكر "الخريدة النفيسة" ذلك الحدث فتقول: " واستعدوا لمقاومة من يقصد سلب إستقلالهم وإذلالهم. وبعد حروب دموية بينهم وبين عساكر المأمون كان النصر دائما فى جانب الثوار.وقاد الخليفة الجيش بأجمعه الى حومة الوغى وأصلى نار الحرب.. ولم يدخر من قوته وسعا حتى أضعف الثوار، كما تذكر د. سيدة اسماعيل الكاشف بسالة هؤلاء الثوار فتقول: " ركز المأمون جميع قواته ضدهم وأعمل فيهم الجند السيف وأحرقوا مساكنهم وهدموا كنائسهم. وتضيف الخريدة النفيسة " دخل الجيش بلاد البشمور وحرق مدنها ودمر كنائسها وقتل صغارها وسبى نساءها وأجلى الخليفة رجالها إلى جزر الروم الخاضعة له وإلى بغداد. " وأما تقى الدين المقريزى فيقول في اختصار: " انتفض القبط فأوقع بهم "الأفشين" على حكم أمير المؤمنين عبد الله المأمون فحكم فيهم بقتل الرجال وبيع النساء والذرية، فبيعوا وسُبى أكثرهم، حينئذ ذلت القبط فى جميع أرض مصر..
وعلى الرغم من كل ذلك فقد كانت الثورات القبطية تعبيرا صادقا عن الحركات القومية الوطنية، والتى تُمثل بعدا أساسيا في الشخصية القبطية، إذ كلما زاد التنكيل والاضطهاد كلما زادت الثورة.