عرض مشاركة مفردة
  #71  
قديم 28-06-2006
copticdome
GUST
 
المشاركات: n/a
إصلاح سياسى؟

عندما يطالب الرئيس جورج دبليو بوش بتحقيق الديمقراطية والإصلاحات السياسية فى مصر والبلدان العربية فهو يكذب مهما حاول أن يتجمل، وذلك للأسباب الأربعة التالية:

أولا بالنسبة لمصر، فمن المعروف أننا نعيش فى عصر القطب الواحد بعد إنتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتى، وبعد أنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم والهيمنة على مقدراته أصبحت مصر بالنسبة لأمريكا أكثر أهمية – من الناحية الإستراتيجية – من علاقتها بالولايات المتحدة خلال سنوات الحرب الباردة. إن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تصل خلافاتها مع مصر ونظام الرئيس مبارك حول بعض القضايا إلى الدرجة التى تتدهور معها العلاقات الدبلوماسية أو تقطع تماما، إذ أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتصور فضلا عن أن تتحمل تبعات وتأثيرات إغلاق قناة السويس – ذلك الممر المائى الحيوى –فى وجه السفن الحربية والبوارج وحاملات الطائرات الأمريكية، وما أسهل إغلاق قناة السويس بإغراق سفينتين فقط كما فعلت مصر بعد حربى السويس والأيام الستة، خاصة وأن البحرية الأمريكية هى التى قامت بأعمال التطهير للمجرى الملاحى من مخلفات الحروب والألغام البحرية وأعدتها للملاحة الدولية ودون أن تدفع الخزانة المصرية سنتا واحدا فى عام 1975، وهو نفس العام الذى عين فيه الرئيس أنور السادات الفريق طيار محمد حسنى مبارك نائبا له..

وتزداد أهمية القناة والرئيس حسنى مبارك شخصيا للولايات المتحدة إذا ما علمنا أن من حق مصر القانونى أن تمنع مرور حاملات الطائرات الأمريكية فى القناة حتى فى حالة السلم لأنها تحمل على متنها وفى باطنها أسلحة نووية، ولذا فإنه فى كل مرة تعبر فيها حاملة طائرات أمريكية قناة السويس فإنه يتعين أولا أن تتقدم الحكومة الأمريكية بطلب الحصول على تصريح خاص، لا يملك أحد فى مصر سلطة إصداره سوى الرئيس حسنى مبارك شخصيا، ولنا أن نسترجع جميعا الموقف البالغ الحرج الذى وجدت الولايات المتحدة نفسها فيه قبيل بدء الغزو الأمريكى على العراق عندما رفضت الحكومة التركية وبمساندة المؤسسة العسكرية لأول مرة السماح لـ 65 ألف من القوات الأمريكية بالمرور عبر الأراضى التركية لدخول العراق من الشمال من جهة الحدود التركية العراقية، فاضطرت هذه القوات إلى تغيير مسارها والمرور عبر قناة السويس، ودخول العراق من الجنوب. وما ينطبق على حاملات الطائرات ينطبق أيضا على الطائرات الأمريكية الإستراتيجية التى تحمل قنايل وأسلحة نووية ومن بينها قاذفات الـ B-52 أثناء عبورها المجال الجوى المصرى، لا بد من الحصول أولا على تصريح خاص بإذن من الرئيس مبارك. إذن وكما رأينا فإن قناة السويس والمجال الجوى المصرى بالنسبة للولايات المتحدة أهم ألف مرة من كل دعاوى المطالبة بتحقيق الديمقراطية والإصلاح السياسى فى مصر، وكل الجدل الذى يثار فى القاهرة واشنطن كل عام حول التهديد الأمريكى بقطع المعونة الأمريكية عن مصر، هو محض هراء وتهديد أجوف، لأن هذه المعونة تصب فى المقام الأول وفى النهاية فى مصلحة الولايات المتحدة، وهى تستفيد منها أكثر من إستفادة مصر، كما أنها أصبحت بمثابة " رشوة " للنظام فى مصر ليس فقط لما يقدمه من خدمات جليلة، ولكن – وهو الأهم - لعدم القيام بما يمكن أن تقوم به مصر من دور مناوىء ومناهض للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط،.. أقول هذا وانا أعلم أن الكثيرين سوف يتساءلون فى تهكم وسخرية: أى ثقل وأى دور؟! فأجيب بأننى كمراقب ومتابع لعلاقات مصر بالغرب طوال العقود الثلاثة الماضية، تولدت لدى قناعة راسخة بأن الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة واسرائيل بصفة خاصة هم أول من يدركون أهمية وخطورة الدور المصرى والثقل المصري فى العالم العربى والشرق الأوسط، وربما أكثر من كثير من المصريين أنفسهم، ذلك لأن حساباتهم لهذا الثقل والدور لا تتقيد بمن يحكم مصر بقدر ما هى حسابات إستراتيجية وسياسية دقيقة تتعامل مع ثوابت وحقائق التاريخ والجغرافية، كما أنهم أيضا يدركون ان ترمومترالدور المصرى يتأثر صعودا وهبوطا وفقا لدرجة حرارة الأحداث والتطورات فى المنطقة، وقد يصاب أحيانا بحالة من السكون Mute أو عدم الحركة أو الحركة المعلقة Suspended Animation إلا أن هذا الدور لا يمكن خصمه أو مصادرته، وهم الأن فى أشد الحاجة لهذ الدور والثقل المصرى فى المنطقة بشرط أن يعمل لصالحهم، ومن هذه النقطة يمكن أن نفهم سر الغضب والإستياء الأمريكى من مقاومة الصديق المصرى للضغوط الأمريكية الرهيبة على النظام لإرسال قوات عسكرية مصرية ولو رمزية إلى العراق لتخفيف وطأة المأزق الأمريكى الحالى فى العراق.

ثانيا: ما يهم الولايات المتحدة الأمريكية فى الشرق الأوسط بالدرجة الأولى هو ضمان مصالحها الإستراتيجية الحيوية فى منطقة الخليج والتى تتلخص فى هدفين رئيسيين: الأول هو ضمان السيطرة الكاملة على منابع البترول حيث يوجد أكبر مخزون إحتياطى للنفط فى العالم، والإحتفاظ بالنصيب الأكبر من أرصدة البترول للدول المنتجة داخل البنوك الأمريكية، وإعادة تدوير واستثمار هذه الأرصدة داخل الولايات المتحدة لخدمة الإقتصاد الأمريكى أولا،... والهدف الثانى هو استمرار وصول طلبات هذه الدول على شراء السلاح الأمريكى بأثمان باهظة بعشرات ومئات المليارات من الدولارات.

بترول وسلاح وإزدهار الدولار الأمريكى فى أسواق الصرف العالمية هو ما يهم الولايات المتحدة من قضايا من الشرق الأوسط ومنطقة الخليج بالذات، وليس تحقيق الديمقراطية أو الإصلاح السياسى أو الإكتراث الحقيقى بحقوق الإنسان العربى، ويكفى للتدليل على ذلك بمثل واحد لحدث مأساوى أليم جرت فصوله فى أوائل عام 1991، حين وقف الرئيس الأمريكى جورج هربرت وولكر بوش وهو فى أوج إنتصاره بعد حرب تحرير الكويت يحرض الأكراد فى شمال العراق على النهوض والثورة للإطاحة بـ " الطاغية وديكتاتور العراق الرئيس صدام حسين"، فاستجاب الشعب الكردى لنداء " بوش المنصر" المنتصر فماذا كانت النتيجة؟ تحركت بقايا الجيش العراقى المنهك ووحدات الحرس الجمهورى وطائرات الهليوكبتر بأوامر من صدام ضد الأكراد، وأعملوا فيهم القتل والذبح وعمليات الإبادة، فهرعت مئات الآلوف من الأكراد من الرجال والشيوخ والنساء والأطفال يهيمون على وجوههم فى المناطق الجبلية الوعرة فى عز الشتاء القارس، صوب الشمال حيث الحدود العراقية التركية تطاردهم فلول جيش صدام المقدام،.. وتحت ضغط الرأى العام العالمى والأمريكى تدخل الرئيس بوش وبعد أنتهاء المذبحة للحد من آثار الكارثة الإنسانية بعمل جسر جوى من المساعدات والمؤن الغذائيةّّ!!.

ثالثا: ضمان حماية إسرائيل وأمنها، وتفوقها العسكرى على مجموع القوى العسكرية العربية.

رابعا: تطبيق الديمقراطية والإصلاح السياسى فى مصر والعالم العربى تطبيقا فعليا ليس فى مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا إسرائيل وأمامنا مثل حركة حماس بالأمس القريب. الولايات المتحدة تفضل التعامل مع الأنظمة الديكتاتورية الأوتوقراطية فى العالم العربى، وترعاها، وهذه الحقيقة أكدها الجنرال ألكسندر هيج وزير خارجية أمريكا السابق فى مذكراته، وغيره من الساسة الأمريكيين، وأوضح هيج أن الإدارة الأمريكية تحصل على موافقة أى حاكم عربى على ماتطلبه فى يسر وسهولة لأنه هو وحده صاحب القرار، على عكس التعامل مع الحليف الإسرائيلى، الذى لا يستطيع أن يعطى موافقة فورية فى الأمور الهامة إلا بعد أن يعرض الأمر على الكينيست (البرلمان) الإسرائيلى، لأن فى إسرائيل ديمقراطية، ولا يهمها إلا مصالحها هى أولا وحتى لو كانت تتعارض أحيانا مع المصالح الأمريكية، ومصلحة إسرائيل الحقيقية هى فى إستمرار الإدعاء فى الغرب بأنها واحة الديمقراطية الوحيدة فى وسط محيط الديكتاتوريات العربية التى تريد إلقاءها فى البحر، فيستمر التعاطف الدولى نحوها وتستمر المساعدات المالية.


http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaEl...6/6/158651.htm

مسعد حجازى
كاتب وصحفى مصرى - كندى
Mossad_Hegazy@hotmail.com
الرد مع إقتباس