عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 04-09-2003
yaweeka yaweeka غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2003
الإقامة: USA
المشاركات: 3,170
yaweeka is on a distinguished road
دكتور علاء الاسواني
في صرخة اعتراض

حدثت هذه الواقعة في بلد عربي شقيق في مصنع كبير لتصنيع اللحوم معظم عماله مصريون ( حيث يفضلهم صاحب المصنع لأنهم مطيعون وقليلو الحيلة ويقبلون بأجور أقل بكثير من الجنسيات الأخرى )..

طريقة العمل هناك أن تذبح يوميا عشرات الأغنام والعجول وبعد ذلك يتم التخلص من نفايات الحيوانات المذبوحة بتكديسها في مخزن كبير تحت الأرض حيث يتم شفطها بواسطة شفاط كهربائي .. وقد حدث في الأسبوع الماضي أن تعطل شفاط النفايات لمدة ثلاث أيام متتالية وبالتالي تكدست كميات من النفايات الحيوانية وتعفنت وملأت المخزن عن أخره وهنا وقع صاحب المصنع في ورطة .. لأنه إذا أوقف العمل حتى يتم إصلاح الشفاط فان ذلك يعني انقطاع أرباحه لبضعة أيام وهو ما يمكن القبول به .. من هنا طرأت له فكرة أخبر بها مدير العمال وأسمة الحاج رشيد الذي قام باستدعاء مجموعة من العمال المصريين وقال لهم :

أريدكم أن تنزلوا بأنفسكم إلي المخزن النفايات لتنظفوه بأيديكم .. الآن
.. وبرغم طاعة المصريين المطلقة للحج رشيد وتسابقهم لارضائه إلا أنهم هذه المرة بدا عليهم التردد .. فهم يعملون بخبرتهم أن النفايات الحيوانية قد تعفنت تماما علي مدي أيام وفي هذه الحالة تنبعث منها غازات سامة .. وشعر الحاج رشيد بترددهم فأختار أحدهم وأمره بالنزول ونزل إلي المخزن لكنه بعد دقائق صعد بسرعة وقال متوسلا للحاج رشيد :

ـ والنبي يا حاج رشيد بلاش الشغلة دى .. ما فيش هوا تحت خالص .. أنا اتخنقت ..
وهنا ثار الحج رشيد ثورة عارمة وقام بفصل العامل فورا وأخذ العامل المسكين يتعذر ويستعطف الحاج رشيد بل وأعلن استعداده للنزول من جديد لكن الحاج رشيد صمم علي طرده ثم نظر إلي بقيه المصريين وصاح في غضب : ـ والله العظيم إذا لم ينزلوا لتنظيف المخزن .. أطردكم كلكم .. والله إنكم مثل عبيد السوء .. تأكلون وتشربون ولا تعملون بأكلكم ..

وأمام هذا التهديد الصارم أذعن العمال المصريين ونزل أحدهم لتنظيف المخزن وغاب طويلة فأمر الحاج رشيد عاملا ثانيا فنزل إلي المخزن وغاب أيضا ثم عاملا ثالثا ورابعا حتي بلغ العدد 7 عمال مصريين .. ماتوا جميعا في المخزن مختنقين بالغازات السامة المنبعثة من النفايات الحيوانية المتعفنة ..

هكذا مات 7 مواطنون مصريون تتراوح أعمارهم بين 19 و 40 عاما جاءوا جميعا من كفور مصر ونجوعها بعدما انقطعت بهم سبل الحياة في بلدهم , قطعوا مئات الأميال وتحملوا الشدة والهوان والقسوة والغربة من أجل توفير الحياة لأولادهم , وأسرهم , كل واحد من هؤلاء يعول أسرة كبيرة ليس لديها عائل سواه .. لم يكن أحدهم يحلم بسيارة فارهة أو قصيرا أو ثروة كبيرة .. كانوا يحلمون بمجرد الستر .. قبلوا بالعمل في أحقر الأعمال وأشقها من أجل أن يوفروا جهاز بناتهم ومصاريف أولادهم .. لكنهم ماتوا وأختلطت أجسادهم بجثث الحيوانات المتعفنة .. الحقيقة أنهم لم يموتوا لكنهم قتلوا , والذي قتلهم ليس العدو الصهيوني وانما قتلم مواطنون عرب مسلمون مثلهم قتلهم الحج رشيد الذي لا يري فيهم إلا عبيدا كسالي كما قال .. وقتلهم حكومتهم التي جعلت حياتهم في بلدهم مستحيلة بسبب الفساد ة الاستبداد والنهب المنظم للمال العام .. وقتلتهم حكومتهم مرة أخري عندما تركتهم يعملون في الغربة بدون أية حقوق ..

كنت أتوقع علي الأقل أن تطالب حكومة مصر بالتحقيق في هذه المذبحة لكن أحمد العماوي وزير القوي العاملة لم ينطق بكلمة واحدة , ربما تفادي لوجع الدماغ أو حرصا علي حسن العلاقات مع البلد الشقيق .. علي أنه ـ والحق يقال ـ برغم تجاهله لهذه المذبحة وضع حلا عظيما لقضية أخري طالما شغلتنا جميعا :

فقد تصدرت صورة سيادته صفحات الجرائد وهو يؤكد أنه أتخذ قرارا قاطعا بمنع إعطاء تراخيص الرقص الشرقي للراقصات الأجنبيات مهما تكن الظروف .. وقد أتخذ العماوى قراره بناء علي شكاوي عديدة تقدمت بها المواطنات فيفي عبده ولوسى وهندية وغيرهن ضد الرقصات الأجنبيات اللاتي يأتين من بلادهن لينافسنهن في الرقص , بقي أن نعلم أن أجر الراقصة المصرية يتراوح بين 10 و 30 ألف جنية في الليلة بينما العامل المصري الذي قتلوه مع الحيوانات المتعفنة لا يزيد أجره 500 جنية في الشهر كله .. ولو أن أحد من هؤلاء الشهداء كانت ابنته أو زوجته راقصة أو حتي عمل خادما عند أية راقصة لما فقد حياته وسط جثث الحيوانات ولكن قد نعم بحياة رغده ولكن الوزير العماوي قد أولاه أهتماما خاصا كالذي يوليه لنجمات اللرقص الشرقي .. علي أن مأساة العمال السبعة تطرح أسئلة مهمة :
هل يهتم النظام في مصر بحياة المواطنين حقا ..؟
الإجابة بالنفي طبعا فالذين ماتوا ظلما في الغربة يموت كثيرون مثلهم داخل مصر من الإهمال في مستشفيات الحكومية ومن الأغذية الفاسدة والماء الملوث .. بل ومات مثلهم قبل ذلك آلاف في قطار الصعيد وفي العبارة سالم ومات عشرات الآلاف من الأسري المصريين برصاص الجيش الإسرائيلي , كل هؤلاء لم يعبأ النظام بموتهم إطلاقا لأن بقاءهم أو فناءهم أمر لا يعنيه والسبب أنه يعتبرهم رعايا لا مواطنين .. المواطنين يختارون من يحكمهم وبالتالي فان لهم حقوقا مقابل واجباتهم .. أما الرعايا فهم بلا حقوق إلا ما يتفضل به حكامهم عليهم , والمسئولون في مصر أن أية انتخابات حقيقية سوف تلقي بهم خارج السلطة وقد تلقي بهم في السجون بعد محاكمتهم علي ما اقترفوه في حق المصريين وهو كثير .. النظام الذي يجثم علي أنفسنا بقوة الأمن المركزي وأمن الدولة لا يمكن أن يتهم بحياتنا أو كرامتنا .. ثمة سؤال أخر تطرحة هذه الحكاية المحزنة :
لماذا يقبل المصريون كل هذا الذل ..؟
هل هو الفقر والحرص علي لقمة العيش ..؟
هل هو التراث الاستبداد الذي عرفة المصريون علي مدي تاريخهم ..؟
هل الفلاح المصري بطبيعته أقرب للطاعة والخضوع ..؟
كل هذه الأسباب في رأيي لا تبرر أبدا القبول بكل هذه المهانة ..؟
ماذا كان يحدث لهؤلاء العمال لو أنهم رفضوا معاملتهم كالحيوانات وتعريض حياتهم للخطر ..؟
لم يكن بمقدرة صاحب العمل أن يطردهم جميعا لأنه يحتاج إليهم وكان بوسعهم لو أنهم ثاروا لكرامتهم أن يفوضوا حقوقهم العادلة .. وما ينطق علي الشهداء السبعة ينطبق علينا جميعا .. فالمصريون يعانون من ظلم الحكام وفسادهم لكنهم أبدا لا يثورون عليهم وإذا ثاروا سرعان ما تنطفئ ثورتهم ويعودون إلي إذعانهم الطويل ..
سؤال أتمني ان تفكروا فيه جميعا وربما نجد الإجابة ..
الرد مع إقتباس