عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 20-10-2003
yosabios
GUST
 
المشاركات: n/a
الوطن ..ليس "حصصا" !

عبد الله كمال:الوطن ..ليس "حصصا" !
السبت 11 أكتوبر 2003 03:44

بداية، لابد من تقديم التحية الصحفية الواجبة للزملاء الأعزاء فى مجلة "المصور"، على هذا الحوار المهم الذى أجروه مع قداسة البابا شنودة، ويتقدمهم بالطبع الكاتب الكبير والأستاذ الفاضل مكرم محمد أحمد.. لكن التحية لا تنفى الاختلاف مع بعض الأفكار التى جاءت على لسان صاحب القداسة فى الحوار.. خاصة أن أكثرها إثارة للانتباه هو معنى يصر قداسته على تكراره من حين لآخر.
نعنى هنا ما كان قد قاله بطريرك الأقباط الأرثوذكس فى أحد الأندية الاجتماعية قبل نحو عامين، وطالب فيه بتمثيل نسبى للأقباط فى مجلس الشعب، وهاهو قداسة البابا يعود مجددا ويتحدث عن هذا الأمر فى حوار المصور قائلا، كما جاء فى العنوان: "لابد من نظام انتخابى تستحدثه الدولة يكفل للأقباط التمثيل النيابى المناسب". أما فى نص الحوار فإنه سئل: "هل تقصد تخصيص "كوتة" للأقباط"؟ تعليقا على قوله: "إذا لم تكن هناك وسيلة عملية تمكن الأقباط من النجاح فى الانتخابات، أليس من واجب الدولة أن توجد هذه الوسيلة". وقد رد على سؤال "الكوتة" قائلا: "لا أتكلم عن ماهية الوسيلة ولا أقترحها، لكن أقول أن الدولة من واجبها أن تبحث عن هذه الوسيلة، عندما يأتى إلينا أى أجنبى ويسألنى ما نسبة الأقباط فى مجلس الشعب؟ فهل معقول أن أقول له أنها أقل من نصف فى المائة؟! كيف يفهم ذلك فى العصر الديمقراطى"؟!
من الناحية "الحرفية" لم يطالب قداسة البابا "بالكوتة"، بل إنه قال نصا: "لا أتكلم عن ماهية الوسيلة ولا أقترحها".. ويحسب له إصراره على ألا يقول ذلك بالنص، لكن فحوى ومعنى ما قال يصب فعليا فى اتجاه ما حرص على ألا يأتى على لسانه حرفيا.. ومن هنا لم يكن غريبا أن تبث وكالة "الأسوشيتد برس" خبرا عن الحوار عنوانه "البابا شنودة يطالب بحصة للأقباط فى البرلمان". وهو كلام له سياق واضح فى ثنايا الحوار، كما أن له سياقا سابقا فى كلمة البابا التى أشرنا إليها وقالها قبل عامين.

إن لنا عدة ملاحظات على مضمون وشكل الكلمات التى يحرص قداسة البابا على أن يكرر معناها، وهى ملاحظات نراها تأتى فى إطار السعى الجماعى الدائم لتدعيم المشاركة الشعبية العامة.. وفى إطار مطالبتنا بترسيخ خطط الإصلاح السياسى والثقافى.. والتى قد لا يشجعها مثل هذا المعنى أو ذاك.
ومن الناحية المبدئية نحن نختلف مع منطلق الكلام، إذ ليس هدف تحقيق "المشاركة" أن نجد إجابة "معقولة" لسؤال يطرحه أجنبى على قداسة البابا.. أو حتى أى رجل دين.. أو أى مسئول فى أى موقع.. ليس المطلوب أن يجد الأقباط أوغيرهم "الوسيلة العملية" للمشاركة حتى نواجه هذا النوع من الأسئلة.. وإنما المطلوب تدعيم المشاركة لأن ذلك بالفعل هدف وطنى عام.. والتزام قانونى وسياسى من الدولة يجب تجسيده.. حتى تستطيع كل طوائف الشعب، بتنوعها المختلف، أن تمارس دورها.. وأن تهجر السلبية.. وتنحو إلى الإيجابية.. بغض النظر عن الدين أو اللون أو العقيدة.
ومن جانب آخر، فإننا ننتظر من قداسة البابا، بما له من مصداقية، وموقع تاريخى، وخبرة طويلة بعد أن بلغ عامه الثمانين، أن تساهم كلماته كما يفعل الكثيرون فى إرساء مناخ عام يقوم على المساواة.. لا التمييز.. وأن يكون صوتا وطنيا جامعا.. يتحدث عن مشكلة عامة.. تثبت الوقائع أنها لا تخص فئة دون أخرى.. وتؤكد ثقافة التنوع.. واحترام الآخر.. وترفض التمييز.. حتى وهى تتحدث عن المساواة وتطالب بها.
ولاشك أن قداسة البابا يدرك - كما لاشك تدرك أيضا اتجاهات متنوعة فى المجتمع ـ أن العزوف السياسى هو ظاهرة عامة.. يعانى منها المسلمون والأقباط.. كلاهما يرى أن بعض الأسماء ترغب فى احتكار العمل العام.. والكافة يدركون الآن أن الدولة تساند وتدعم كل الخطط الساعية لتدعيم المشاركة.. وترفع فى ذلك كما جاء فى خطاب الرئيس الأخير وفى غيره من الخطابات شعار المساواة بين كافة المواطنين.. من كل أصل أو مكانة أو عقيدة.

لقد تحدث قداسة البابا تحديدا عن المشاكل التى تواجه الأقباط فى القيد فى جداول الانتخابات، ولا أستطيع أن أفهم من كلام صاحب القداسة إن كان يقصد أن تلك مشكلة تواجههم وحدهم أو لسبب خاص بالعقيدة. لكننى متأكد من أن هناك مشكلة تطال الجميع فى جداول القيد.. وليس من دليل قوى على ذلك سوى ما دار فى مؤتمر الحزب الوطنى الأخير.. حين أقر بوجود المشكلة "العامة"، واقترح فى ورقة "المواطنة والديمقراطية" أن يتم التسجيل التلقائى فى الجداول بمجرد بلوغ المواطن سن الثامنة عشرة، وأن يتم استخدام بطاقة الرقم القومى كبطاقة انتخابية صالحة للتصويت.. وإن تسارع الجهات المعنية بتنفيذ كامل لمشروع الرقم القومى قبل عام 2005.
وحتى يحين ذلك، فإن واقع الجداول السيئ يعانى منه هذا أو ذاك.. المسلم والمسيحى.. وبالتالى فإن ممارسة الضغط السياسى الديمقراطى يجب أن يكون جماعيا.. ومن أجل جداول لكل المواطنين.. وبحيث نتحرك جميعا فى إطار "المواطنة" التى يفسد قيمتها أى حديث عن انتماء دينى.

الطريف، والمدهش، أنه وعلى الرغم من انتقاداته الحادة فى الحوار للرئيس السادات، إلا أن قداسة البابا حين أراد أن يتحدث عن قضية التمثيل فى مجلس الشعب، استعار واقعة من عصر الرئيس السادات، وقال: "مثلا.. الرئيس السادات عندما أراد الديمقراطية وتعدد الأحزاب ترك ثلاثين دائرة لمرشحى حزب العمل، لم يرشح فيها حزب الحكومة أحدا، طبعا سياسيا ودستوريا يمكن أن يقال أن هذا تصرف غير قانونى، لكن السادات عندما أراد وجد الوسيلة، فالمهم أن تقتنع الدولة بمطالب الأقباط، وإذا وجدت النية ستوجد الإمكانية".
هذه الفقرة من الحوار تستوجب التوقف الطويل.. وتسجيل ما يلى:
1 - لم يكن مافعله الرئيس السادات متسقا مع الديمقراطية.. وإن كان يخدم متطلباتها فى بداية نشأتها.. وقد كان هذا مفهوما فى إطار محاولة خلق معارضة غير دينية ودعم وجودها، لكن هذا غير مقبول الآن.. ليس فقط لأنه غير دستورى وغير قانونى.. كما يقول قداسة البابا نفسه.. ولكن كذلك لأنه ضد الديمقراطية بعد اكتمال أركانها من الناحية الشكلية.
2- يعنى قبول هذا المنطق أن يصبح المجتمع مجموعة من "الكوتات".. كل فئة تطالب بما تظن أنه لها.. هذه تأخذ كذا.. وتلك تنال ما تراه نصيبها. إن هذا برمته ضد أبسط قواعد الانتخاب والاختيار الحر.
3- أختلف مع المعنى الضمنى فى كلمات قداسة البابا، حول "النية".. فهو يقول "إذا وجدت النية وجدت الإمكانية".. والنية ـ كما لاشك يدرك صاحب القداسة ـ ليست ضد تمثيل الأقباط.. والمجتمع برمته - وليس الأقباط وحدهم - يواجهون عسفا بيروقراطيا.. وتعقيدات سياسية.. غير قائمة على أساس الدين.. والواجب الجماعى أن نعمل كلنا لمواجهة هذا.. ولن ينجح ذلك العمل الجماعى المرجو إن كان تمييزيا.. هدفا أو منهجا أو وسيلة ومسعى.

حين ألمت بالمجتمع أزمة اقتصادية فإنها لم تختر المسلم لكى تؤثر فيه أكثر من المسيحى. الكل عانى.. وحين يطبق حكم القانون فإن القاضى لا يصدر حكمه على أساس كم عدد المساجين المسلمين والمساجين المسيحيين فى السجون. القانون يفقد احترامه إن كان عنصريا. وحين يتم اختيار الناس لتولى المواقع، فإن ذلك ينبغى أن يستند إلى مواهبهم وكفاءاتهم.. لا دياناتهم.. وفى الأسابيع الأخيرة تحدث كثيرون عن أن مواطنا شابا انتحر لأنه لم ينجح فى اختبارات وظائف التمثيل التجارى على أساس "عدم لياقته الاجتماعية".. وقد كان مسلما.. وهو ما يعنى أن قواعد المنظومة البيروقراطية والإدارية بكل عيوبها تسرى على هذا وذاك.. وبالتالى على جهود العمل الجماعى أن تتوجه من أجل سيادة قيم المواطنة.. وهى قيم مرضية للكافة حين تطبق.
وليس خافيا على أحد، وبما فى ذلك قداسة البابا، أن أهم ميزة فى هذا الوطن هى أنه "موحد جغرافيا" منذ زمن بعيد.. ومنسجم "إثنيا وعرقيا".. منذ قرون بعيدة.. هذا هو سر قوته وتوحده.. ولاشك أن أحدا فى هذا البلد لا يريد أن يقسمه دستوريا أو قانونيا.. بنظام الحصص.
إننا نريد من قداسة البابا أن يساهم بما له من مكانة دينية وموقع بارز وقول له ثقله وعلاقات متنوعة، فى الجهد الجماعى الساعى لخلق مناخ عام يرسى قيم المساواة.. ولاشك أن الكنيسة يمكن أن تلعب دورا بارزا فى اتجاهات متنوعة:
الرد مع إقتباس