منتدي منظمة أقباط الولايات المتحدة

منتدي منظمة أقباط الولايات المتحدة (http://www.copts.net/forum/index.php)
-   المنتدى العام (http://www.copts.net/forum/forumdisplay.php?f=3)
-   -   ميكروفون لكل مواطن (http://www.copts.net/forum/showthread.php?t=3451)

ABDELMESSIH67 15-09-2004 08:43 AM

ميكروفون لكل مواطن
 
ميكروفون لكل مواطن‏!‏
بقلم : أحمد عبدالمعطي حجازي

[url]http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=writ1.htm&DID=8245[/url]


تستطيع مصر أن تفخر بأنها البلد الوحيد في العالم الذي يملك فيه كل مواطن مكبرا للصوت أو أحد مشتقاته‏,‏ وهي أكثر من أن تحصي‏,‏ لأن كل شيء في هذا العالم يمكن أن يكون مصدرا من مصادر الصوت‏,‏ ويمكن أن يكون مكبرا من مكبراته‏,‏ آلات التنبيه في السيارات بأشكالها واحجامها المختلفة‏,‏ وصفارات الانذار‏,‏ وأجهزة الراديو والتليفزيون‏,‏ وأجهزة التسجيل‏,‏ وأجراس الكنائس‏,‏ وانابيب الغاز‏,‏ فضلا عن الحنجرة البشرية التي يمكن أن تتحول إلي أبواق طبيعية رخيصة الثمن قليلة التكاليف‏.‏

وهذا ما يصنعه الباعة المتجولون الذين يختارون من أبنائهم أو أبناء غيرهم أصحاب الحناجر المجلجلة ليحولوهم إلي أبواق يستخدمونها في النداء علي بضاعتهم المعروضة من فواكه الموسم وخضراواته‏,‏ فصاحب البضاعة ينادي بصوته المتعب الخائر الذي ينتمي في الغالب لطبقة من تلك الطبقات الغليظة ـ التي يسميها الموسيقيون العرب طبقات القرار ـ لأنها تهبط حتي تصل إلي أسفل السلم الموسيقي‏,‏ فيردد الصبي مايقوله المعلم صاحب البضاعة‏,‏ لكن بعد أن ينقله إلي طبقة من طبقات الجواب الحادة التي تستطيع أن تصل إلي سكان الادوار العليا في أي حي من أحياء القاهرة الشعبية وغير الشعبية‏,‏ مثلها مثل مكبرات الصوت‏,‏ وأجهزة الاذاعة والتسجيل التي أصبحت متاحة متوافرة بحيث يستطيع الآن أي مواطن في بلادنا أن يملك منها مايشاء‏,‏ يستطيع أن يقتني الراديو طبعا‏,‏ والتليفزيون‏,‏ والدش‏,‏ والمسجل‏,‏ وحتي الميكروفون الذي يستخدم الآن في كل مكان‏,‏ في المساجد والزوايا‏,‏ وقطارات السكة الحديد‏,‏ والمجمعات التجارية‏,‏ والأفراح‏,‏ والمآتم‏,‏ وفي الشوارع والحواري التي يقطعها تجار الروبابيكيا جيئة وذهابا بعرباتهم الكارو التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة‏,‏ فالحمار المسكين الذي
يجر العربة يذكرنا بماضينا السعيد‏,‏ والميكروفون الذي يعمل بالبطارية ويستخدمه التاجر الشاطر يرمز للتكنولوجيا الحديثة التي أصبحت متاحة حتي لأمثاله من عامة الناس‏,‏ صحيح أن الميكروفون ظهر أول ما ظهر في ألمانيا منذ أواخر القرن التاسع عشر‏,‏ لكنه يعتبر بالنسبة لنا تكنولوجيا حديثة‏,‏ وإذا كانت اليابان تستطيع أن تفخر اليوم بالكمبيوتر الذي أصبح لكل مواطن ياباني أن يمتلكه وأن يستخدمه‏,‏ فمصر تستطيع أن تفخر بالميكروفون الذي أصبح لكل مواطن مصري أن يمتلكه وأن يستخدمه‏,‏ وأن يقول فيه ريان يافجل‏!‏ وأن يخرق به المسامع‏,‏ ويزلزل المنازل والشوارع آناء الليل وأطراف النهار‏!‏

[SIZE=4][COLOR=Red]والنهار يبدأ بأذان الفجر الذي يصل إلي كل منا عبر عدة ميكروفونات موزعة علي المساجد والزوايا الكثيرة التي بنيت في معظم الأحيان بطرق عشوائية تتعارض مع ابسط الشروط التي يجب أن تتوافر في دور العبادة‏,‏ وأولها أن يكون المسجد حرما مصونا مستقلا بنفسه‏,‏ لانه بيت الله الذي يجب أن نوقره ونحترمه ونفصله عن غيره من البيوت والاماكن التي نمارس فيها حياتنا اليومية‏,‏ ونلبي مطالبنا الدنيوية‏,‏ ولا نكلف فيها انفسنا ما نكلفها إياه ونحن نؤدي شعائر الصلاة‏,‏ ومن هنا انفردت دور العبادة في كل الديانات والثقافات بعمارة مخصوصة نستشعر بها القرب من الله‏,‏ ونتوجه له مخلصين‏,‏ هذا الشروط الجوهري لايتوافر في معظم الزوايا الملحقة بالعمارات السكنية التي لايأمن فيها المصلون ان تصل إلي اذانهم وتختلط بأصواتهم نداءات الباعة‏,‏ وصيحات السوقة‏,‏ وبذاءات الصبية وسوي ذلك مما لابد أن يتردد ويدور في المناطق المزدحمة التي لم تعد تتوافر في عمارتها هي الأخري أبسط الشرط التي يجب أن تتوافر في المسكن الذي يتصل اسمه بالسكون والسكينة‏,‏ أي بالراحة‏,‏ والهدوء‏,‏ والأمن‏,‏ وطلب العزلة‏,‏ والعودة إلي النفس‏,‏ واستشعار الخصوصية‏.‏ وهي شروط ينتهكها الجميع الآن‏,‏ الذين يعطون تصاريح البناء لايهتمون بها‏,‏ والمعماريون يضربون بها عرض الحائط‏,‏ والسكان لايطلبونها‏,‏ ولا يعتبرونها حقا من الحقوق التي يحترمونها أو يطلبون من غيرهم ان يحترمها‏.‏[/COLOR][/SIZE]وفي ديسمبر من العام الماضي رفع بعض السكان في مدينة ليموج الفرنسية‏,‏ دعوي ضد عمدة المدينة الذي لم يحافظ علي الهدوء العام‏,‏ وترك احدي الكنائس تدق اجراسها علي نحو أزعج السكان‏,‏ فحكمت المحكمة الإدارية بمنع الكنيسة من دق الاجراس إلا مرة واحدة في الثانية عشرة ظهرا‏,‏ وبأن يدفع عمدة المدينة غرامة قدرها الف وخمسمائة يورو‏,‏ أي نحو عشرة آلاف جنيه‏.‏ والذي حدث في مدينة ليموج تكرر في مدينة ليل التي لم يعد من حق كنائسها ـ طبقا للقانون الصادر عام‏1992‏ ـ ان تدق اجراسها في الليل‏,‏ ولم يعد من حقها أيضا أن تدق اجراسها إلا في ساعات محددة من ساعات النهار في أيام بالذات‏.‏

وبديهي أن القانون الفرنسي الذي يحرم الضوضاء ويعاقب عليها حتي لو صدرت عن اقامة الشعائر الدينية التي يعتبرها القانون شأنا فرديا يقرره كل مواطن لنفسه بالطريقة التي يحددها لنفسه‏,‏ ولايفرضها عليه أحد‏,‏ بديهي أن هذا القانون يحارب الضوضاء

فرديا يقرره كل مواطن لنفسه بالطريقة التي يحددها لنفسه‏,‏ ولايفرضها عليه أحد‏,‏ بديهي أن هذا القانون يحارب الضوضاء ويعاقب عليها لو صدرت نتيجة لاي فعل آخر‏,‏ فكما لايحق لاحد في فرنسا أن يستخدم اي صورة من صور العنف أو الازعاج حتي يوقظ الناس للصلاة‏,‏ فليس يحق له أن يزعجهم لان ابنه تزوج‏,‏ أو لأن اباه مات‏,‏ أو لان أمه اشترت له سيارة‏!‏

[SIZE=4][COLOR=Red]لكننا في مصر‏,‏ وفي العالم العربي عامة نحب الضوضاء‏,‏ ونطرب لها‏,‏ ونستزيد منها‏,‏ وإلا فلماذا ينطلق اذان الفجر من أربعة ميكروفونات أو أكثر منصوبة في مساحات لاتزيد علي بضع مئات من الأمتار المربعة؟ نعم أربعة ميكروفونات أو أكثر تختلط اصواتها واصداؤها‏,‏ وتتضارب‏,‏ ويشوش بعضها بعضا‏,‏ فنفتقد في الأذان ما كنا نجده في كلامه وادائه من نقاء عذب‏,‏ ومناجاة حميمة‏,‏ واتصال عميق مخلص بالعالم وخالق العالم‏,‏ ولايبقي لنا منه إلا صوت مؤذن الزاوية‏,‏ وهو في كثير من الأحيان صوت رديء زاعق غير مؤهل وغير مدرب‏,‏ ينظر صاحبه للنائمين الذين يدعوهم للصلاة وكأنهم عصاة ينبغي عليه أن يؤدبهم‏,‏ وينتزعهم بالقوة من مضاجعهم‏,‏ لايفرق بين قادر وعاجز‏,‏ أو بين سليم ومريض فهو يزعق بأعلي صوته‏,‏ ويرفع صوت الميكروفون أو المكبر إلي أقصي طاقاته‏,‏ لايتلطف‏,‏ ولا يجتهد حتي في أن ينطق الأصوات العربية‏,‏ كما يجب أن تنطق فالكاف في كلمة أكبر تتحول عنده إلي جيم قاهرية‏,‏ فتصير اجبر والنون الساكنة في أشهد أن لا إله إلا الله تتحول إلي نون مشددة‏,‏ والحاء في حي علي الصلاة تختلط بالعين‏,‏ ثم يتولي المعدن تضخيم هذا العنف وتكبير هذه الأخطاء‏,‏ فيصبح الأمر عذابا لايطاق‏!‏[/COLOR][/SIZE]وينتهي أذان الفجر لتتوالي بعده صور من الضوضاء لاتنقطع باعة الخبز‏,‏ وباعة الفاكهة‏,‏ والآباء والأمهات المتزاحمون بسياراتهم علي أبواب المدارس لايتحركون خطوة ولايتفاهمون إلا بواسطة الكلاكسات‏,‏ ثم يبدأ الدق علي انابيب الغاز التي تتحول هي الأخري إلي مكبرات للصوت‏,‏ فالبائع يرص الأنابيب خلفه علي الدراجة البخارية التي يقودها بيمناه‏,‏ ويمسك بيسراه المفتاح الحديدي يضرب به علي الأنبوبة ضربات متتالية تتكفل بايقاظ الحي كله إن كان لايزال نائما في الثامنة صباحا‏,‏ فاذا تجاوزنا الثامنة إلي التاسعة تحولت المدينة كلها إلي مصنع هائل للضوضاء يمسك فيه كل مواطن بما قدر له أن يمسكه من الآلات والأجهزة التي تصدر الاصوات وتكبرها ليؤدي واجبه الوطني في انتاج هذه الضوضاء التي يري احد المفكرين العرب أنها سمة جوهرية في المجتمعات العربية فالعرب ظاهرة صوتية كما يقول عبدالله القصيمي في كتابه المشهور الذي اختار له هذا العنوان‏!‏

لكن الضوضاء كما تكون أصواتا وأصداء تكون ألوانا وأضواء صاخبة هائجة تؤذي العين وتحطم الأعصاب‏,‏ وهذا مايصدمنا الآن في كثير مما نراه فلا نستغربه‏,‏ لان الضوضاء معدية‏,‏ والحواس متراسلة متجاوبة‏,‏ وإذا كانت الأسماع قد فترت فلم تعد تلتقط الهمس الناعم‏,‏ ولم تعد تسمع إلا الضجيج‏,‏ فقد كلت الأبصار وفسدت الاذواق فليس يلفتها إلا الأحمر الفاقع‏,‏ والضوء المبهر‏,‏ والمعدن اللماع‏!‏

الضوضاء ليست بديلا عن الصمت فحسب بل هي أيضا بديل عن التفكير‏,‏ وبقدر ماتضج المدينة وتعج بقدر ما تغرق في البلاهة وتوغل في الغياب‏.‏ أنا أصيح‏..‏ إذن أنا غير موجود‏!‏


جميع الأوقات بتوقيت امريكا. الساعة الآن » 12:28 PM.

Powered by: vBulletin Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

تـعـريب » منتدي الاقباط