عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 02-05-2006
الصورة الرمزية لـ makakola
makakola makakola غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,270
makakola is on a distinguished road
الدولة والإخوان.. من التسامح إلى الإجهاض

فقد مرت علاقة الجماعة بالدولة المصرية في عهد الرئيس مبارك منذ عام 1981 بثلاث مراحل: امتدت المرحلة الأولى -التي يمكن وصفها بمرحلة "التجاهل والتسامح"- منذ اغتيال الرئيس السادات وحتى عام 1988 تقريباً، وكان الهدف الرئيسي فيها للدولة هو تفكيك حالة التوتر التي واكبت وأعقبت الاغتيال، على أن يتضمن ذلك خلق شرعية جديدة للحكم تقوم في جوهرها على فكرة المصالحة الوطنية، والتفاعل مع القوى السياسية المصرية الرئيسية. وقد أدى ذلك إلى تمتع الإخوان المسلمين بقدر واسع من حرية الحركة والتعبير دون أن يصل ذلك إلى الاعتراف الرسمي بشرعية وجودهم. وتلك المرحلة هي التي أتاحت للإخوان دعم وجودهم السياسي والشعبي في مصر ومد نفوذهم إلى مؤسسات وقطاعات سياسية ومهنية لم يصلوا إليها من قبل؛ مثل مجلس الشعب، والنقابات المهنية، واتحادات الطلاب بالجامعات، ونوادي هيئات التدريس بها.

وبانتهاء انتخابات مجلس الشعب لعام 1987 التي وضحت للدولة فيها القوة الكبيرة الكامنة للإخوان في ظل تحالفهم مع حزبي "العمل" و"الأحرار" تحت شعار "الإسلام هو الحل"، بدأت المرحلة الثانية في علاقتهم مع الدولة، والتي يمكن تسميتها مرحلة "التخوف والاحتكاك"، وهي التي بدأت فيها الدولة محاولة إيقاف زحف الإخوان بداخل النقابات المهنية عن طرق تجميد بعضها، وإثارة المشكلات بداخل بعضها الآخر، والتي بدأ الإخوان يتصرفون خلالها باعتبارهم قوة سياسية شبه شرعية في البلاد.

وفي عام 1992 استطاع الإخوان السيطرة على مجلس نقابة المحامين الذي ظل حكراً طيلة تاريخها تقريباً على التيارين الليبرالي والحكومي؛ مما زاد من تخوف الدولة منهم. وفي منتصف نفس العام اندلعت الموجة الأكثر شراسة للعنف الإسلامي التي قام بها كل من "الجماعة الإسلامية" و"جماعة الجهاد"، والتي أخذت الدولة على الإخوان أثناءها ما أسمته عدم إدانتهم لها، والاكتفاء ببيانات عامة فضفاضة. وهكذا انتقلت علاقة الإخوان بالدولة منذ بداية عام 1993 وحتى الوقت الحالي إلى المرحلة الثالثة، وهي مرحلة "التدهور والصدام". ويمكن إرجاع قرار الدولة الدخول في مواجهة واسعة مع الجماعة إلى تزامن انتشارهم في مختلف قطاعات المجتمع السياسي والنقابي مع موجة العنف الإسلامي الواسعة الحادة؛ الأمر الذي رأت فيه الدولة وجهين لظاهرة واحدة هي الصحوة الإسلامية التي لم ترَ بداخلها فروقاً بين الإخوان وجماعات العنف الإسلامي. كذلك فقد رأت الدولة في الجماعة المحظورة فوق ذلك خطرًا سياسيًّا زاحفًا يهدد سيطرتها على مقاليد الحكم في البلاد، وبخاصة بعد النجاحات التي حققتها في عديد من الانتخابات العامة والنقابية؛ وهو ما اعتبرته نواقيس خطر لا بد من الالتفات إليها والتعامل مع الإخوان على أساسها؛ باعتبارهم منافسًا سياسيًّا للدولة يمكنه إذا توافرت الظروف الملائمة أن يهدد تلك السيطرة.

أهداف الإجهاض المبكر

من هنا فإن تلك التخوفات السياسية والأمنية من الجماعة دفعت الدولة إلى تبني "إستراتيجية الإجهاض المبكر" التي سبقت الإشارة إليها في مواجهتها منذ نهاية عام 1994. وتتضمن تلك الإستراتيجية توجيه ضربات متتالية متفرقة للجماعة بإلقاء القبض على مجموعات منها، وإحالتهم إلى المحاكمة بحيث تصدر على غالبيتهم أحكام بالسجن من سنة إلى خمس سنوات. وهذه الإستراتيجية التي تمت صياغتها قبل عام من انتخابات مجلس الشعب التي جرت في نوفمبر 1995 كانت تهدف -ولا تزال- إلى تحقيق هدفين رئيسيين: الأول هو إنهاك الجماعة المحظورة بجرها إلى ساحة القضاء، والحكم على قيادييها وأعضائها بسنوات سجن متفاوتة المدة، والاستفادة في ذلك بالوضع القانوني للجماعة؛ باعتبار أنها لا تملك تصريحًا قانونيًّا بالتواجد والعمل؛ وهو ما يضع أي نشاط لأعضائها تحت طائلة القانون.

ويترتب الهدف الثاني على الأول، وهو حرمان الجماعة من القدرة على التحرك بكامل قوتها، خاصة في الحملات السياسية والانتخابية الرئيسية مثل مجلس الشعب والنقابات المهنية، والمشاركة في المناسبات السياسية العامة المصرية والعربية والإسلامية؛ نظرًا لانشغالها في الاضطرابات الداخلية التي تخلفها وراءها حملات القبض والمحاكمة، وأيضاً لفقدانها عددًا مهمًّا من قياداتها الرئيسية في تلك الحملات؛ مما يحرمها من القدرة على الاستفادة بهم في الحملات الانتخابية والنشاطات السياسية، سواء كمرشحين أو كفاعلين قياديين. وقد ركزت الحملات الحكومية بصفة خاصة على الجيل الثاني من الإخوان، الذي أنجز لها انتصاراتها السياسية والانتخابية سواء في البرلمان أو النقابات المهنية وصاحب "التأسيس الثاني" لها، في حين لم تقترب -إلا نادرًا- من الجيل الأكبر صاحب "التأسيس الأول" لها الذي تراجعت أهميته في نشاطها الواقعي لصالح الجيل الثاني .

وبالإضافة لهذين الهدفين المباشرين لتلك الإستراتيجية، فهي أيضاً تتضمن هدفًا آخر أكثر عمومية ومحورية، وهو توجيه رسالة سياسية واضحة سواء للجماعة أو للقوى السياسية الأخرى، أو للأطراف الخارجية المهتمة بأوضاع "الإسلام السياسي" في مصر؛ مضمونها هو أن الدولة مصممة على موقفها من عدم السماح في أي وقت وفي ظل أي ظروف بإعطاء الجماعة المحظورة وضعًا قانونيًّا شرعيًّا يمكنها من التفاعل في الساحة السياسية والاجتماعية كغيرها من القوى السياسية الشرعية الأخرى. وقد زاد لجوء الدولة إلى تلك الإستراتيجية بعد نجاح الإخوان في الحصول على 17 مقعدًا في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة عام 2000، في الوقت الذي لم تحصل فيه كل الأحزاب الشرعية إلا على 16 مقعدًا. ثم أتت بعد كل ذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما بعدها؛ وهو الأمر الذي قرأت فيه الدولة المصرية إمكانية تكثيف حملاتها ضد الجماعة في مصر دون أن تتعرض لضغوط خارجية رسمية أو من جمعيات حقوقية وقانونية بسبب تلك الحملات.

وقد أدى هذان المتغيران إلى زيادة معدلات تلك الحملات وأعداد المقبوض عليهم، وكذلك الأحكام الصادرة في حقهم بصورة أكبر بكثير مما شهدته السنوات السابقة منذ نهاية عام 1994 الذي بدأت فيه الحكومة تطبيق "إستراتيجية الإجهاض المبكر".
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
الرد مع إقتباس