سؤال: وهل رفض الكنيسة للطلاق والزواج الثاني يمثل تحديا ما لسلطة الدولة المدنية وتشريعاتها وقضائها؟
ـ الحكم القضائي الذي صدر مؤخراً، ويقضي بحق المطلق القبطي في الزواج الثاني كان مستنداً للوائح الخاصة بالمسيحيين في مصر، ولم يبتدع قاعدة من عنده فهو طبق في هذا الأمر لوائح موجودة منذ الثلاثينيات وهي لائحة ٣٨.
ولكن البابا منذ أن جاء منع الزواج الثاني وحرم علي الكنيسة أن تصرح به في حالات الطلاق التي لا تعترف بها الكنيسة، في حين أن البطاركة السابقين عليه كانوا يجيزون هذا الأمر فلا نستطيع أن نقول إن المسيحية لا تقبل وجهة النظر الأخري لأن البطاركة السابقين عليه كانوا يقبلون هذا الأمر أما أن يرفض البابا تطبيق حكم قضائي صادر من محكمة قضائية في إطار ولايتها العامة، فهذا الأمر خطير جداً، وأظن أن الكنيسة الآن طعنت في الحكم، وهذا أمر جيد أن يطعن في الحكم وعلينا انتظار ما ستقضي به الإدارية العُليا في هذا الشأن، أما أن يصرح البابا بأنه يمتنع عن تطبيق حكم، فكيف نعيب بعد ذلك أي جهة في مصر عندما تقول إنها ستمتنع عن تطبيق حكم ما لأنه مخالف للشريعة الإسلامية، وكيف يعارض البابا هذا الأمر وقتها إذا كان هو نفسه قد فعل ذلك.
سؤال: ولماذا تعاظم دور الكنيسة بهذا الشكل؟
ـ ضعف الدولة هو الذي أدي إلي هذا الأمر فالكنيسة تكاد تكون مؤسسة الانتماء الفرعي الوحيدة في مصر التي لم تسيطر عليها الدولة ولم تضغط عليها لاعتبارات تتعلق بعلاقة الدولة بالخارج وليست لاعتبارات تتعلق بعلاقة الدولة بمواطنيها فقويت الكنيسة علي حساب الدولة هذا جانب والجانب الآخر أن ظاهرة أقباط المهجر أدت دوراً مهماً في هذا الشأن وأقباط المهجر حقيقة ينتمون إلي الكنيسة ديناً لكنهم لا ينتمون إلي مصر وطناً طالماً أنهم تخلوا عن مصر وبقوا في الخارج أو صارت جنسيتهم الخارجية هي المعول عليها في حياتهم وفي أمورهم كلها، ومن هنا يتعين أن يكون شأن المواطنة المصرية محصوراً بين مسلمي مصر ومسيحييها من المواطنين المصريين القائمين علي أمر هذا البلد.
سؤال: وعلي صعيد العمل السياسي للأقباط.. لماذا يرفض البابا فكرة وجود حزب سياسي مسيحي؟
ـ لأنه هو حزب سياسي مسيحي.. ولا يريد أن يكون هناك حزب آخر.
سؤال: تقصد أنه يخشي من وجود معارضة قبطية؟
ـ أتصور ذلك.
سؤال: يطرح البعض فكرة العلمانية للخروج من الاختناقات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في مصر.. ما رأيك؟
ـ لم تكن العلمانية حلا قط في مصر وإذا رجعنا إلي الوراء قليلاً وأخذنا ما قال به واضعو مبادئ المواطنة المصرية لوجدنا أن أحمد لطفي السيد وعبدالعزيز فهمي وغيرهما كان رأيهم في هذا الأمر أن مصر تكون المواطنة فيها بين المصريين وإن اختلفت أديانهم ولكن في الوقت نفسه فإن لمصر ديناً هو دين الغالبية فيها وهو الإسلام باعتبار أن دين الأغلبية هو الذي يحكم الإطار العام لأي مجتمع وهذا ليس كلامي ولكنه كلام لطفي السيد وعبدالعزيز فهمي وعلينا أن نحتكم إليهما في هذا الشأن.
سؤال: هل حقوق الاقباط كاملة رغم أنهم غير موجودين في المراكز الحساسة والقيادية؟
ـ هذا من حقهم، وعلينا أن نسعي إلي تكملته، وهنا يتبادر سؤال هل يوجد مانع يتعلق بالدين يحول دون تولي الأقباط وظيفة معينة؟ والإجابة لا، كما أنه لا يوجد في القانون مانع يتعلق بذلك، وإذا كانت هناك ممارسات بهذا الشكل فعلينا إزالتها.. ومتي اعترفت بالمبدأ فعليك أن تري تطبيقاته وتنظر فيها بأمانة ونزاهة وقد سبق أن طبقنا ذلك في مجلس الدولة فكان هناك رئيس لمجلس الدولة مسيحي هو المستشار «حنا ناشد» وقد جاء في ترتيبه العادي وكنا نساند هذه الفكرة ولم تحدث أي مشكلة.
سؤال: لدي الأقباط مخاوف من وصول الإخوان إلي الحكم.. بل إن أحد كبار المفكرين الأقباط هدد بالرحيل من مصر في حالة وصولهم للحكم فما رأيك؟
ـ بداية لا نريد لأحد في مصر أن يكون له حق «الفيتو» علي خيارات الشعب المصري فالحقوق الأساسية هي المساواة والمشاركة وعلينا أن ننظر في الالتزام بها.
سؤال: علي ذكر الإخوان نجد أنها جماعة لها مرشد.. ولها ٨٨ نائباً بالبرلمان ورغم ذلك تقول الحكومة إنها محظورة قانوناً.. وهو ما يجعلنا نتساءل حول قرار حل الجماعة في الماضي؟
ـ قرار حل الجماعة لم يكن قانونياً وقد كتب الدكتور عصمت سيف الدولة مذكرة دفاع في إحدي القضايا تطعن في صحة هذا القرار حتي من الناحية الشكلية فقد أصدره مجلس قيادة الثورة بعد أن كان المجلس نفسه قد تم حله، وبالتالي لم يكن القرار صحيحاً لأنه صدر من جهة غير مختصة.
سؤال: إذا عدنا للشأن الداخلي، نجد أن عام ٢٠٠٥ شهد حراكاً سياسياً بدعوي الإصلاح فلماذا تراجع في الوقت الحالي؟
ـ عن أي إصلاح تتحدث.. فالمادة ٧٦ لم تكن إصلاحاً قط إنما هي شكل جديد للسيطرة علي انتخابات الرئاسة بواسطة مرشح فرد.
سؤال: لكن الشارع نفسه شهد حراكاً ومظاهرات عديدة؟
ـ هذا الأمر أتي في مواجهة رفض الدولة للإصلاح وليس العكس.
سؤال: لكن الدولة لم تكن تتعرض للمظاهرات عكس ما يحدث الآن من قمع وإلقاء القبض علي المئات؟
ـ وما الذي تتصور أن يقوم به نظام اعتاد علي الحكم الاستبدادي، وفيما يتعلق بتهمة إهانة الرئيس التي يتحدثون عنها فعلينا أن نتساءل ما الذي يقوله المتظاهرون أكثر مما تقوله الصحف فهي حجة لإلقاء القبض عليهم ويبقي أن نقول إن النظام لدينا لم يعتد علي التعامل بشكل استيعابي أو بشكل مرن فيه أخذ ورد.
سؤال: لكن البعض يري أننا مقبلون علي خريف غضب جديد في ظل زيادة الاعتقالات؟
ـ كل الاحتمالات قائمة سواء في هذا الشأن أو في غيره من الصعب جداً اليوم توقع ما الذي ستكون عليه السياسات في الأيام المقبلة ولكن الواضح أن دعاوي الإصلاح الشعبية تقوي وتنتشر بين النخب انتشاراً كبيراً وأن هناك قدراً من التصميم علي إبقاء هذه الدعوة قائمة وقد اتضح هذا الأمر من خلال أزمات القضاة والمهندسين وأساتذة الجامعات والصحفيين والنخب المثقفة والاجتماعية بمختلف تنظيماتها وتكويناتها فمن الواضح أن دعوة الإصلاح تعمقت لديها تعمقاً ينبئ بأنها ستبقي مصرة عليها ومتحركة من أجل تحقيقها وهي دعوة عادلة وصحيحة يجب مناصرتها وبقي علي الدولة أن تقتنع بهذا الأمر قبل أن تحتدم الأوضاع بشكل يزيدها سوءاً.
سؤال: ولكن لماذا بقيت دعوة الإصلاح لدينا أمراً نخبوياً؟
ـ دائماً عندما يبدأ الحراك السياسي يبدأ بالنخب ثم يتحرك الشعب بعدها.
سؤال: وهل تتوقع حراكاً شعبياً؟
ـ أتوقع ذلك ما بقيت النخب مستمرة فالنخب دورها ليس قليلاً وليس بسيطاً فمنها تتكون الاتجاهات المختلفة في المجتمع.
سؤال: انتقدت في كتاباتك عدم وجود جهة يمكنها محاسبة الرئيس.. وقلت إن قبضة الرجل الواحد علي رقبة هذا الجسم ـ مصر ـ لا تمسكه وإنما هي تخنقه وتميته فما هو السبيل لتخفيف هذه القبضة؟
ـ مصر أكثر دولة في هذه المنطقة يمكن أن يقوم فيها حكم مؤسسات غير شخصية تعتمد علي التعددية وعلي القرارات الجماعية فهي أكبر دولة من ناحية أسس التكوينات الإدارية والتنظيمية ومن ناحية الأشخاص الموجودين واتساع نطاق المتعلمين فيها والخبراء في كل التخصصات لكن مشكلتها أن لها قيادة فردية واحدة تمسك برقبتها وتكاد تخنقها وعندما يتاح لهذه التكوينات المؤسسية أن تقوم علي ما رسمت نظمها من أجله كتعددية تنظيمية وقرارات جماعية وتوزيع اختصاصات مختلفة فسوف يعاد تركيب وبناء الدولة المصرية وأجهزتها ويعاد تركيب بناء المجتمع المصري في أقل من ثلاث سنوات.
سؤال: وما الذي نحتاجه لإعادة هذا البناء؟
ـ نحتاج إلي رفع القبضة الفردية عن مصير هذه الأمة.
سؤال: يبقي أن نسأل عن قضية الساعة وهي التوريث.. هل تعتقد في حدوثه؟
ـ من المتابعة لما يحدث يبدو أن هناك سعياً إليه ولكن لا أظن أن هذا السعي سيكلل بالنجاح.
سؤال: لماذا وما هي معوقات حدوثه؟
ـ مصر أعقد من أن يستكمل فيها مشروع بهذا الشكل.. مصر فيها دولة مبنية وبناؤها واسع جداً ومترامي الأطراف وهذا البناء من الصعب جداً أن تتم هذه العملية في إطاره وحتي إذا تمت وهو احتمال ضعيف سيتم عن طريق الخطأ وسرعان ما سيتم تصحيحه وأتوقع أن يواجهه الشعب والمجتمع في حالة حدوثه
|