حجم المنتج والحركة الثقافية والرؤية التى تحكمه خلال السنوات الماضية.. لكن ألا توجد نقطة عجز فى هذه الحركة والمنتج فى أنه لا يستطيع أن يفرض جاذبيته على الناس، فهو منعزل بعيد ومتعال.. وألا ترى تناقضا بين ما تفعله أجهزة وزارة الثقافة وبين ما رأيناه فى مجلس الشعب من نواب المجلس ضد سياسات الوزارة؟
الوزير: هذه مسألة أخرى تتعلق بالحجاب.. يستفيد من نشاط الوزارة كل الشباب، ولك أن تحضر أى نشاط فى أى دار من دور الثقافة سواء هنا أو فى الصعيد ولن تجد مكانا تقف فيه !
روزاليوسف: إذن من هؤلاء الذين يقودون مظاهرات ضدك فى الشوارع ويرفعون لافتات مناهضة لك؟
الوزير: هؤلاء الذين تم تضليلهم وقالوا لهم أننى ضد الدين.
روزاليوسف: وبهذه السرعة وفى شكل خاطف يصلون لهذه الكتل الشبابية بينما تجد أنت صعوبات شديدة حتى تصل لمثل هؤلاء.
الوزير: الثقافات الدينية المؤججة من المشايخ «إياهم» موجودة على الساحة بشكل رهيب جدا وكل أصحاب الفتاوى من «الدعاة المزيفين» وأصحاب الرؤى كذلك !
روزاليوسف: هل تقصد أن الدعاة المزيفين وأصحاب هذه الأصوات استطاعوا أن يسوقوا أنفسهم إعلاميا وتعليميا بينما الثقافة لم تستطع هذا.
الوزير: أدواتنا فيما يتعلق بالثقافة تتمثل فى المعاقل التى نملكها وما يتيسر فى القنوات التليفزيونية والصحف والمجلات ناهيك عن نقص فى النقاد العلميين.
روزاليوسف: هذه مشكلتك كيف لم تنتج الحركة الثقافية نقادا؟
الوزير: لا يتحقق هذا بالإنتاج.
روزاليوسف: ولكنه جزء من المناخ ؟
الوزير: عندما كان «ثروت عكاشة» وزيرا للثقافة كان الموجودون على الساحة من العاملين فى الوزارة أمثال «سهير القلماوى» مسئولة عن «هيئة الكتاب»، و«على الراعى» مسئول عن المسرح، و«جودة السحار» مسئول عن السينما، و«مراد وهبة» يتولى العلاقات الثقافية الخارجية، و«سعد الدين وهبة» مسئول عن الثقافة الجماهيرية، و«أبو بكر خيرت» مسئول عن أكاديمية الفنون، و«عنايات عزمى» و«سمحة الخولى» عميدة «الكونسرفتوار»، وفى الخارج «د. زكى نجيب محمود» و«د. طه حسين» و«يوسف إدريس» وكان فيه «أم كلثوم» و«عبد الوهاب» و«عبد الحليم».. اليوم بدأنا تفريخ أجيال ولكن حتى يصلوا لما وصل هؤلاء إليه فإننا نحتاج عشر سنوات.
روزاليوسف: هؤلاء أبناء ما قبل الثورة.
الوزير: كانوا موجودين !
روزاليوسف: لم يكونوا على القمة التى تتحدث عنها الآن بل كانوا فى مرحلة منتصف الطريق.
الوزير: لا كانوا ذوى قيمة كبيرة، فـ«طه حسين» فى السماء و«العقاد» و«توفيق الحكيم».. منذ أن توليت المنصب عرفت أن الرموز اختفت، فكان لابد من البحث عن رموز جديدة، وهى سياسة الوزارة ودورها أن تبحث عن الرموز.. ولكنى رأيت أن أساعد هؤلاء واستلمهم بعد عشر سنوات أو فى أى سن لأن الدولة عمرها لا يقاس بعشر سنوات، وما أقوم به حاليا ليس من الضرورى أن أجنيه الآن، فأنا بدأت إنشاء أكبر متحف فى العالم على أن ينتهى فى الوقت المحدد له، وليس شرطا أن أكون أنا من ينتهى البناء فى عصره.. بدأت فى أشياء أخرى كثيرة ووضعت بذورا معينة كى تثمر فى وقت من الأوقات لتصبح مصر زاخرة لأن هناك أوقات تخاريف عانيت منها!!لقد كان هناك فراغ بالفعل، لذلك نحاول إيجاد الشباب الذى لم يخرج منه بعد المفكر الكبير الذى يعرف كيف يكتب عن زميل له أو الممثل العتيد، لكنهم موجودون على أية حال وستجدهم على المقاهى التابعة لوزارة الثقافة فى ساحة «الأوبرا» عشرات بل مئات من هؤلاء.. الموسيقى الجاد، السينمائى الجاد، الشاعر والأديب.. كلها محاولات.. أنا لن أجنى حصادهم بل ستحتفى بهم مصر خلال السنوات القادمة لكى يعيدوا لمصر جلالها فى العالم كله.
روزاليوسف: كيف استطاع هؤلاء الدعاة المزيفون أن يسوقوا أنفسهم؟
الوزير: الناس تحب الجدل.. وفى التليفزيون تجد من يقول ما هو اسم أمك واسم أبيك وبعدين يتحدث عن سكة سفر !!
روزاليوسف: هل تريد أن تقول أن مثل هؤلاء وجدوا طريقهم إلى قنوات إعلامية بينما منتج وزارة الثقافة لا يجد طريقه لهذه القنوات.
الوزير: لو تحدثنا عن الإعلام الحكومى فقط فإننا ننظر للأمور من منظور ضيق.. أنا أتحدث عن الإعلام حتى لو كان حكوميا، فإن قيل لى أعمل برنامج سأطلب النظر فى قائمة المركز القومى للسينما سنجد مئات الأفلام الروائية والقصيرة أو التسجيلية سأختار.. وفى معهد السينما.. لدينا حصيلة كبيرة.
روزاليوسف: صحيفتك لا تكتب ولا تعبر عن ذلك؟
-الوزير: اقرأوها جيدا !
روزاليوسف: كان لديك مشروع قناة فى نهاية مرحلة صفوت الشريف وتوقفت عن هذا المشروع.
الوزير: عندما وجدت أن «أنس الفقى» تولى وزارة الإعلام قلت أنه ابن الثقافة وهو الذى يقوم بذلك.. أنا وزارتى ضخمة جدا ولدى تسع عشرة مؤسسة ووجدت أن القناة ستكون مكلفة جدا ولن أتفرغ لها كى تنجح، وأنا لا أحب أن أقوم بمشروع يفشل فمثلا المركز القومى للترجمة نجح وترجمنا ألف كتاب.
روزاليوسف: هذا عمل عظيم لم يأخذ حقه وحتى القرار الجمهورى عندما صدر لم ينتبه إليه أحد وكتب على عمود فى صفحة متأخرة ولم يلتفت إليه أحد؟
الوزير: كتبنا عنه فى «القاهرة»، ولكن ما أريد أن أقوله أننا انتقينا أعظم ما كتب فى العالم.. ليس «عياقة»، ولكن لكى يدرك هذا الشعب هذه الثقافات ويعرفها دون أن نكون متخلفين عن أى أحد.. أيام «طه حسين» كانوا 600 كتاب، أما الآن فقمنا بترجمة أكثر من ألف كتاب !
روزاليوسف: نحن فى حاجة لمجموعة تنويرية وزارية كما قلت ونحن نوافق على هذا.. ولكن نقول أن هناك خللا بين وزارات الثقافة والإعلام والتعليم.
الوزير: ليس خلل، فلم توضع خطة تنسيق فيما بينها..
روزاليوسف: حتى الآن بعد 17 عاما هل لديك أمل أن هذا قد يحدث.
الوزير: يا ريت.
روزاليوسف: المنتج الثقافى الملىء بالزخم كما تقول لماذا لم يجد طريقه إلى قنوات إعلام خاصة أصبحت منتشرة الآن ومنذ سنوات، لماذا لم يصبح عليه طلب إذا اعتبرنا أن الإعلام الرسمى لا ينتبه لسبب أو لآخر أو لأمر له علاقة بتركيبته.
الوزير: يبدو أنكم تعيشون منطقة أخرى تعالوا نرصد الحركة الثقافية فى الوطن العربى، عملية التعاطى معها من قبل المجتمع والقنوات نجد أن القنوات الجادة الجزء الجاد فيها قليل للغاية، ولا يوجد من يبحث عن معلومة، فإمكانات مصر الثقافية هى إمكانيات دولة عظمى كبيرة فى الكم والتنوع.. وعندنا دار الكتب وهى واحدة من أهم دور الكتب فى العالم تحتوى على مخطوطات ووثائق تصل إلى 92 مليون وثيقة كل وثيقة تعمل برنامجا ولو لدينا ناس تعرف تعمل برامج تجد وثيقة مثلا من أيام محمد على نعمل عليها برنامج لمدة نصف ساعة عن الوثيقة وتاريخها.
روزاليوسف: هل الجدية تتناقض مع الجاذبية؟
الوزير: إطلاقا.
روزاليوسف: لديكم برامج لها جاذبية بطبعها مثل مهرجان القاهرة السينمائى يتم تسويقه فى وزارة الثقافة بطريقة كلاسيكية منذ 15 عاما عبارة عن مجموعة رسائل متناثرة فى التليفزيون أو القنوات الفضائية ولقاءات عشوائية مع بعض النجوم.. لكن هل هناك داخل وزارة الثقافة من يقوم بتسويق هذا المنتج الكبير؟
الوزير: هذا العام أول مرة تضع الوزارة يدها بشكل متكامل مع المهرجان، قبل ذلك كنا ندعمه فقط حتى لا يتم تأميمه منذ أيام سعد الدين وهبة وحتى الإدارة الحالية عندما وجدت أن المهرجان بدأ يتخذ طابع الرتابة التى تتحدث عنها كنت خايف أن أتدخل فيقال أننا سنأخذ المهرجان لصالح الحكومة، رغم أننا نخصص له من 5,4 إلى 5 ملايين جنيه..
|