نظام الرئيس أنور السادات (1970-1981)
(2) نظام الرئيس أنور السادات (1970-1981)
انتقلت السلطة بعد وفاة عبد الناصر إلى أنور السادات ليتولى حكم مصر المنكسرة سياسيا والمحطمة اقتصاديا، فقد خرجت مصر من نكسة حرب الأيام الستة عام 1967 تترنح من آثار الهزيمة وتجاهد للحيلولة دون انهيار اقتصادي بات وشيكا بعد عقد كامل من إجراءات التأميم والمصادرة أدت إلى خنق الاستثمار الخاص وركود السوق. هذا بالإضافة إلى تبعية مصر العسكرية للاتحاد السوفيتي وما نتج عن ذلك من سيطرة الترسانة السوفيتية والخبراء السوفييت على مقدراتها الحربية.
ومن أجل مقاومة المد الشيوعي في مصر وتحويلها من حليف يحلق في فلك الاتحاد السوفيتي إلى صديق يرتبط بعلاقات ودية مع العالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، سلك السادات طريق تشجيع الجماعات ذات التوجه الديني الإسلامي على الظهور على السطح مرة أخرى بعد أن كان نظام عبد الناصر قد بطش بها في السنوات الأولى للثورة.
وكانت سخرية القدر أن السادات لم يفطن إلى أن مولوده الجديد هذا سيتحول في يوم من الأيام إلى الوحش الذي سيتولى اغتياله. وبينما نمت هذه الجماعات بسرعة مضطردة وغزت المدارس والجامعات والقطاع العام، كان السادات منغمسا في خطته لتحرير الأرض المصرية المحتلة بإسرائيل منذ 1967، الأمر الذي نجح في تحقيقه بدرجة باهرة على الصعيدين العسكري في أكتوبر 1973، والسياسي في كامب ديفيد في مارس 1979.
بعد نجاح السادات في تحرير الأراضي المصرية واستعادتها. اتجه تركيزه على إصلاح النظام السياسي والاقتصادي وكان برنامجه للإصلاح السياسي يتضمن إعادة إحياء النظام الحزبي فظهرت المنابر السياسية التي تحولت بعد ذلك إلى أحزاب، لكن المنظر العام للحلبة السياسية لم يكن صحيحا متعافيا إذا انطوى على حزب رئيسي هو الحزب ال»وطني» الديموقراطي يهيمن على السلطة-حتى يومنا هذا-ولا يسمح لباقي الأحزاب بهامش معقول للمشاركة أو لتداول السلطة. وعلى الجانب الآخر كان برنامج السادات للإصلاح الاقتصادي هو الانفتاح الكامل على الغرب وفتح الطريق أمام القطاع الخاص للمشاركة في خطة التنمية، لكن فشل ذلك البرنامج في وضع الضوابط الحاكمة للمسار الجديد فتحول إلى انفتاح استهلاكي بدلا من انفتاح إنتاجي.
وكان بالتوازي مع هذه التغييرات السياسية والاقتصادية أن استمر نمو نشاط وتأثير الجماعات الدينية حتى تحولت إلى وحش مخيف على الجبهة ال»وطني»ة، حيث لم تتردد هذه الجماعات في الكشف عن قدرتها تدريجيا لإختبار قوة النظام، واتخذت من الأقباط بالونات اختبار لقياس رد فعل الدولة وسيطرتها على الأمن. وللأسف كان رد فعل النظام غض البصر عن الأعمال الإجرامية التي إرتكبتها هذه الجماعات في حق الأقباط، والأمر الذي شجعها على المضي في خططها لمهاجمة ممتلكاتهم وكنائسهم وتهديدهم وابتزازهم في مقابل حمايتهم أو الاستيلاء على أراضيهم وطردهم منها. وشهد الواقع المرير حينئذ أن الدولة فشلت في حماية مواطنيها الأقباط أمام ذلك العنف وتقاعست عن القبض على المجرمين وحسابهم. في ذلك الوقت، وإزاء هذا المناخ المريض الملتهب بثقافة الكراهية والتعصب وعدم قبول الآخر، وبفضل توفر مناخ أفضل من ذي قبل يتيح قدرا معقولا من حرية التعبير. قفزت »وطني» مغتنمة الفرصة للتنديد بالتعصب الأعمى ومن العنف المصاحب لنشاط الجماعات الدينية، متهمة تلك الجماعات بتدمير وحدتنا الوطنية. كما تولت »وطني» الدفاع عن الأقباط معتبرة إياهم ضحايا كل من الجماعات الأصولية وتقاعس النظام عن حمياتهم.
وفي هذا السياق دقت «وطني» ناقوس الخطر محذرة النظام من أن هدف الجماعات المتطرفة غير محصور في إيذاء الأقباط، إذ أنه امتد إلى المؤسسات الاقتصادية والبنوك وقطاع السياحة بشكل يفضح هدفها الأقصى وهو إحداث حالة بلبلة داخلية تسمح لها بالاستيلاء على السلطة وتنفيذ ما أعلنته من خططتها لتأسيس دولة إسلامية على غرار نظام الخوميني في إيران.
بالإضافة إلى ذلك امتد دور «وطني» إلى فضح وإدانة محاولات طمس الهوية القبطية بسحب التاريخ القبطي من الكتب المدرسية والدعوة إلى إعادة التاريخ والثقافة القبطية كما كان. ومن جانبها قامت «وطني» في محاولة منها لحماية الذاكرة المصرية من التآكل أمام هذه المحاولات بتخصيص صفحة من أعدادها الأسبوعية لنشر التاريخ القبطي والثقافة القبطية والإسهامات القبطية في جميع مجالات الحياة. وأشتمل هذا الجهد-المستمر حتى يومنا هذا-على نشر سلسلة من مائة حلقة لدروس تعلم اللغة القبطية.
وكانت محصلة هذا كله أن ُكتب على «وطني» أن تدفع ثمن تصديها للتطرف ومطالبتها بالإصلاح، ففي 3 سبتمبر 1981 -قبل شهر من اغتياله على أيدي المتطرفين- وإزاء نفاذ صبر الرئيس السادات أمام تنامي أصوات ومطالب المعارضة أن أصدر قراراته بالقبض على مجموعة ضخمة من الشخصيات السياسية والعامة شملت إبعاد البابا شنودة الثالث رئيس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عن منصبه والإقامة الجبرية في الدير، كما شملت قراراته إغلاق عدة صحف ومجلات كان من بينها »وطني» التي ظلت محتجبة عن الصدور منذ ذلك التاريخ إلى أن أعادت بموجب حكم قضائي في أبريل 1984 خلال عهد الرئيس مبارك.
|