* هيمنة الأغلبية
ثالثا : انه في ظل المواطنة سوف تنتهي الهيمنة السياسية لفكرة الاغلبية الدينية . فأغلب اطروحات الاسلاميين تؤكد مفهوم الاغلبية الدينية باعتباره مبررا للقفز مباشرة الي انه هو نفسة الذي يحتم اعتبارهم اصحاب الاغلبية السياسية . وفي الحقيقة فإن هناك فرقا بين الاغلبية الدينية والاغلبية السياسية فالاغلبية الدينية تشير الي كتلة كبيرة من اصحاب عقيدة من العقائد مختلفة الاتجاهات والرؤي والمصالح. ان فكرة الاغلبية الدينية لم تعصم المسلمين من الاختلاف يوم وفاة الرسول -صلي الله عليه وسلم - فيمن احق بخلافته . المهاجرون ام الانصار . او صحابته من قريش، ام علي - رضي الله عنه - اقرب اهل بيته
. كما لم تعصم تلك الاغلبية صحابة الرسول (ص) من ان يقتتلوا اقتتالا عنيفا في معارك الجمل - التي قتل فيها عدد كبير من اعلام الصحابة. وصفين والنهروان وكربلاء والحرة - التي استباحت فيها جيوش الامويين مدينة الرسول . والذين يقرأون التاريخ يعرفون معني ان تستباح مدينة . كل هذه المعارك قبل ان ينقضي علي وفاة الرسول (ص) خمسون عاما. ولم تعصم تلك الاغلبية المسلمين في مصر من ان يختلفوا في جماعات ، الاخوان ، الجهاد ، الجماعة الاسلامية ، التوقف والتبين ، التكفير والهجرة، طلائع الفتح . العائدون من افغانستان . جيش التحريرالاسلامي . الشوقين .... الخ الخ
وفي الحقيقة فان هناك فارقين اساسيين يميزان بين الاغلبية الدينية والاغلبية السياسية اما اولهما فهو ان الاغلبية السياسية تقر بفكرة الدخول والخروج ، بمعني انني استطيع اليوم ان انتمي الي حزب التجمع الوطني ، وقد أختلف معه غدا او بعد غد فاخرج منه الي الحزب الناصري او الي الوفد ، كل هذا بالطبع وفق مصالح سياسية من طبيعتها التغير
. والفرق الثاني بين الاغلبية الدينية والسياسية هو ان الاغلبية السياسية تقبل بفكرة ان تتحول من اغلبية الي اقلية ، انظر مثلا اليوم الي حزب الوفد الذي هيمن علي الحياة السياسية قبل ثورة يوليو 1952 وقد كان صاحب الاغلبية المطلقة دائما
وانظر ايضا الي القوي الناصرية والقومية التي هيمنت علي الحياة في مصر لما يزيد علي عشرين عاما بعد ثورة يوليو
. فهل يضع الاسلاميون في اعتبارهم هذين العنصرين أم ان اغلبيتهم ستظل مطلقة ودائمة ومقدسة في نفس الوقت
* المواطنة والعلمانية
رابعا : ان شعار المواطنة سيفتح الطريق الي العلمانية ، ونريد ان نؤكد هنا ان العلمانية من وجهة نظري لا تعني فصل الدين عن الحياة ولا تعني اللادينية كما يحاولون ارهابنا ، وانما العلمانية التي نقصدها تعني فصل الدين عن الساسة. فالدولة والسلطة والحكومة تعبيرات سياسية وليست تعبيرات دينية، ومن هنا فالعلاقات السياسية بين المواطنين وبعضهم البعض او بينهم وبين الدولة ينبغي ان تقوم علي اساس مصالح الناس المباشرة . مثلا مع مجانية التعليم او ضدها، مع التأمين الصحي او ضده، مع زيادة الضرائب او ضدها وهكذا وهنا سنجد باستمرار مسلمين مع زيادة الضرائب ومسلمين ضدها . وايضا اقباط مع واقباط ضد وهكذا تنبني الدولة علي اساس صراع المصالح السياسية وليس علي اساس الهوية الدينية ...والعلمانية ايضا تعني رفضنا لقيام احزاب علي اسس دينية . او قيام دولة دينية
. المهم ان المواطنة ستفتح الطريق الي العلمانية . اذ ان الامر لن يتوقف عند حد الموافقة علي ان يتولي الاقباط مناصب تنفيذية مهمة مثل رئاسة الجمهورية . بل انه في هذه الحالة سيعني ان يتولوا مناصب التشريع كذلك وفي هذه الحالة سينطلق التشريع من مبادئ انسانية ووطنية . وليس من مبادئ الشريعة الاسلامية.
* التمثيل والترهيب
خامسا: ان اقرار مبدأ المواطنة سيلقي بظلال من الشك علي الكثير من مصداقية تمثيل اي جماعة اسلامية لمسلمي العالم ككل . فمن المعروف ان جماعة الاخوان المسلمين لتنظيماتها افرع في اجزاء مختلفة من العالم وانها تجد في تلك البلاد مجالا اوسع للاستثمار وفتح افرع لبنوك التقوي وللعديد من الاستثمارات الاقتصادية وهي تجد ترحيبا كبيرا من تلك الدول وجماعاتها الاسلامية باعتبارها فصيلا اسلاميا مكافحا تمتد شرعيته خارج مصر الي كل مكان في العالم يوجد فيه مسلمون. ومن هنا فمع اقرار مبدأ المواطنة فلن تنتهي جماعة الاخوان - ونرجو الله مخلصين الا تنتهي - وانما فقط ستصبح فصيلا اسلاميا مصريا لا يحق له قيادة مسلمي العالم لتأسيس الخلافة الاسلامية.
سادسا :ان اقرار مبدأ المواطنة ايضا سيضع حدودا للترهيب الذي يمارسه الاسلاميون بحجة الدفاع عن ثوابت الامة او الخروج علي الدستور، فعلي سبيل المثال رفض الاسلاميون في مجلس الشعب الموافقة علي فيلم شفرة دافنشي لانه يتضمن عن المسيح ما لا توافق عليه الشريعه الاسلامية التي هي احد نصوص الدستور في نفس الوقت الذي رفضوا فيه سيناريو لفايز غالي - وهو مسيحي اصلا - لانه سيكتب عن المسيح ماهو اصلا مثار خلاف بين المسيحية والاسلام بنفس الحجة، فهل ينبغي ان يعبر فايز غالي - المسيحي كما قلنا والذي يؤمن بالمسيح كما تقتضي اصول العقيدة المسيحية ـ عن رأي الاسلام في قضايا المسيح والمسيحية ام انه وهو كاتب سيناريو سيجد من الاسلم ان يتفرغ لفتح محل للبقالة وكذلك فعلوا عندما ثاروا تلك الثورة عندما صرح فاروق حسني برأي في الحجاب - وهو مجرد رأي لا فتوي ولا حكم شرعي - وتحت تأثير الدفاع عن ثوابت الامة وتحت حماية المادة الثانية من الدستور سيقوم من يطالب في مجلس الشعب بفرض الحجاب علي جميع النساء المسلمات باعتباره من المعروف من الدين بالضرورة نحن وهم
سابعا: ان مبدأ المواطنة سيلغي القاعدة الشرعية التي تقول " لهم ما لنا وعليهم ما علينا " اذ سنصبح جميعا سواء امام القانون ولن يكون بمقدور احد ان يتحدث باسم جماعة دينية تقرر مالهم وما عليهم .وفي الحقيقة فان مبدأ المواطنة سيلغي من الاساس الضميرين نحن وهم اذا استخدموا علي اساس ديني . فلن يكون بمقدور احد ان يتحدث عن تمثيله للمسلمين جميعا . وهنا لن يكون هناك نحن وهم الا باعتبارها تعبيرات سياسية وليست دينية . فنحن في المعارضة ..او نحن في حزب التجمع او نحن اعضاء نقابة المعلمين .. او نحن اعضاء حركة كفاية مثلا وهكذا.
ثامنا : ان اقرار مبدأ المواطنة التي تعني المساواة الكاملة واقعيا وقانونيا بين جميع المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية او غيرها من انتماءات . وهو ما يعني ايضا وجود قواعد دستورية وقانونية عامة ومجردة .هذه المبادئ ستفرض علي الاسلاميين تجاوز خطابهم المراوغ . علي مستوي المفاهيم او الاجراءات فعلي مستوي المفاهيم يقدم الاسلاميون خطابا يؤكد سبق الاسلام للامم المتحدة في اقرار مبادئ حقوق الانسان مثلا ولكن عندما يتعلق الامر باقرار سياسات ووقائع محددة ستجدهم يتحدثون عن انكار المعروف من الدين بالضرورة وحدود حرية التعبير وغيرها من مبادئ تجهض حقوق الانسان من الاساس.
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
|